يتخوف الكثيرون من تأثير إقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار أمر باعتقال الرئيس السودانى عمر حسن البشير على وحدة النسيج السودانى الذى تآكل بالفعل كثير، للعديد من الأسباب، منها الاختلافات العرقية والدينية وسوء تعامل الحزب السودانى الحاكم مع تلك الاختلافات وتدخلات القوى الخارجية. ولا شك أن إصدار أمر اعتقال البشير سيعمل على إعطاء القوى المناوئة للبشير فى دارفور وجنوب السودان جرأة أكبر لمهاجمة البشير، بل وربما يحاول البعض مثلما صرح بعض قادة المتمردين فى دارفور أن يقوموا باعتقال البشير بأنفسهم. كما أنه من المرجح أن يعطى أمر اعتقال البشير المزيد من الزخم لرغبة الجنوبيين فى الانفصال. أما بين السودانيين فى الشمال، فيمكن أن يؤدى إقرار ملاحقة البشير إلى حدوث خلافات داخل حزب المؤتمر السودانى الحاكم مما قد يقود بعض القوى داخل الحزب أو فى الجيش السودانى إلى محاولة الانقلاب على البشير مما سيشكل شقا جديدا للصف السودانى الشمالى، ويساهم أكثر وأكثر فى مساعدة الجنوبيين ومتمردى دارفور على الانفصال. أما عن مصير نظام البشير نفسه فلا يرجح أن يتسبب قرار ملاحقته فى سقوط سريع لنظامه، لأن هذا القرار يحتاج إلى قوة تنفذه، ولا شك أن الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلنطى، وهم الذين قاموا بشن الحروب الدولية فى العقدين الأخيرين، غير راغبين أو مهيأين فى الوقت الحالى لدخول معركة جديدة. والمرجح أن تعتمد الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى على سيناريو مشابه لما تم فى العراق، من خلال فرض عقوبات اقتصادية مشددة على السودان، فى محاولة لدفع النظام للانهيار من تلقاء نفسه. ولا شك أن صدور أمر اعتقال سيؤدى إلى تراجع جهود المصالحة السودانية بشكل سريع، خاصة أن البشير لن يجد ما يدعوه لإجراء تلك المصالحة فى ظل وضوح اتجاه الدولة للتفسخ. والمشكلة الحقيقية أن صدور أمر الاعتقال قد يدفع نظام البشير مع مرور الوقت على التقوقع على نفسه لتجنب اعتقال مسؤوليه،كما سيكون أمر الاعتقال -حال صدوره- أداة تفاوض قوية للغاية من جانب القوى الغربية المناوئة لنظام البشير، لاسيما فى ظل إمكانية إرجاء أمر اعتقال البشير عاما بواسطة مجلس الأمن، وهو ما يمكن أن تفاوض القوى الغربية بل والسودانية نظام البشير عليه من أجل تقديم المزيد من التنازلات.