فى ديسمبر الماضى أدلى طارق كامل وزير الاتصالات بحديث صحفى خلال لقائه وأعضاء نادى روتارى رويال كايرو، قال الوزير، لا فض فوه، أن التنصت على مكالمات المواطنين فى التليفون أمر واقع، وأن شركات الاتصالات ووزارة الاتصالات تقدم هذه الخدمة للحكومة التى لا يمكنها التنصت على40 مليون محمول و11 مليون تليفون أرضى. ثم ارتفعت درجة سخونة الوزير منتشيا باعتباره زعيما وقائدا سياسيا وقال: إننا نتيح التنصت لأنه لابد أن يكون هناك دور للدولة!. ولأنه إذا لم نتنصت فلن يأتى المستثمرون للاستثمار فى مصر!. منذ أن أدلى الوزير الزعيم بتصريحه وردود الفعل لم تتوقف من جانب الصحافة ومن جانب منظمات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان، ولكن الوزير نفسه لم يحاول أن يصحح نفسه فى هذا التصريح الفضيحة، وكل ما فعله أن أرسل للجريدة التى نشرت تصريحاته يؤكد أن التنصت يتم فى إطار القانون. وفى الأسبوع الماضى أثار النائب سعد خليفة القضية أمام مجلس الشعب، ولأن الوزير من ضمن الحاشية التابعة لرئيس الوزراء التى تفضل الترفع عن مخالطة بعض النواب الذين لا يعرف معظمهم يعنى إيه كمبيوتر ويعنى إيه انترنت، وبالتالى فمن الأفضل تحاشيهم والابتعاد عنهم. لذلك طلب الدكتور فتحى سرور من د. مفيد شهاب وزير المجالس النيابية الرد بصفته ممثل الحكومة بالمجلس. وتلفت د. شهاب حول نفسه فالرجل الذى يدافع عن الحكومة فى كل الأحوال لم يتوقع أن يطلب منه الدفاع عن مثل هذه الشطحات المحرجة لوزير لا يعرف يعنى إيه سياسة ويعنى إيه تصريحات. الدكتور شهاب استخدم سرعة البديهة فى استبعاد أن يكون قد صدر عن وزير الاتصالات مثل هذا الكلام، شهاب قال إنه «لا يتصور» أن يسمح وزير الاتصالات أو غيره من الوزراء لنفسه بقول مثل هذا الكلام!!!، فهى تصريحات لا يمكن أن يصدقها عقل!!!، ولا يمكن أن يقبل وزير أو غيره ممن يقدرون حقوق الإنسان بهذا الكلام، وعاد ليكرر: ولو حدث أن صدر مثل هذا التصريح من وزير فى الحكومة فإنه يكون مخالفة صريحة للدستور، لا يمكن أن نسمح بها، بل ونخضع بسببها للمساءلة!!!. رغم أن الدكتور شهاب قادر على الدفاع عن الحكومة باستماتة وتبرير الكثير من أفعالها وقراراتها، إلا أنه كان يستشعر الحرج فى دفاعه عن طارق كامل، ولسان حاله يقول: من أين يأتون بمثل هذا الوزير الغر الذى تغريه الميكروفونات والإعلام فيندفع فى إصدار التصريحات المحرجة للحكومة. لقد أقر د. شهاب بأن هذا لو حدث يكون مخالفا للدستور، وأوضح هنا أن الدستور ينص فى مادتيه 45 و57 على أن لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون، وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة ووفقا للأحكام. وزير الاتصالات عندما حاول تبرير موقفه رد على جريدة البديل التى نشرت تصريحاته بأن التنصت يتم وفقا لقواعد وإجراءات وضوابط قانونية محددة، ولم يقل الوزير هل هذه الضوابط تتوافق مع الدستور؟! إن الدستور يؤكد أن كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق العامة جريمة لا تسقط بالتقادم. فهل وزير الاتصالات يعلم بهذا ورغم ذلك يخالف الدستور؟!. إن التنصت موجود فى كل دول العالم، لكنه تنصت يخدم العدالة ومصالح الدولة، تنصت على المجرمين ولمنع الجريمة، لكن هل أدى التنصت فى مصر لمنع الجريمة!! هل منع المجرمين من الهرب للخارج ؟ هل منعهم من ارتكاب جرائم فظيعة ليس فى حق أفراد ولكن فى حق الشعب والدولة؟. بالطبع لا.. لكن لأن الوزير لم يعرف عنه أنه مارس السياسة من قبل، فهو تقمص دور الوزير الجرىء الذى لا يهاب شيئا وصرح بما يفيد أنه وحكومته يعتدون على الحريات مخالفين الدستور الذى أقسموا على احترامه. المفروض أنه قبل أن يعين الوزير، يجرى له اختبار لمعرفة مدى فهمه للممارسة السياسية، لا أن يجىء الوزير من الدار للنار ويتعلم فينا وكأنه فى صف كى جى وان.
