فى لقاء جمعه مساء الثلاثاء الماضى، بأعضاء «نادى روتارى كايرو رويال» قال وزير الاتصالات د. طارق كامل، رداً على سؤال من صحيفة «البديل» اليومية اليسارية، إن وزارته تسمح لأجهزة الأمن بالتنصت على مكالمات المواطنين الشخصية، سواء عبر الهاتف المحمول أو الأرضى، بحكم أن ذلك يحدث فى العالم كله، ولو لم نفعل ذلك، لما جاء إلينا أحد المستثمرين! وهذه أول مرة أسمع فيها أن التنصت على التليفونات يجلب الاستثمارات، إذ كنت أتوهم - قبل قراءة التصريح المنسوب للوزير - أن المستثمرين يقبلون على البلاد التى تتوفر لديها ضمانات الحريات والحقوق العامة كلها، ومن بينها ضمان حرية وسرية الاتصالات التى تتعلق بأنشطتهم الاقتصادية، حتى لا تتسرب إلى منافسيهم، وتضر - بالتالى - بمصالحهم. وصحيح أن الوزير استطرد يقول: إن التنصت على الهواتف يحتاج إلى إمكانيات تكنولوجية خاصة، وأن الحكومة لا تملك القدرات على التنصت على 40 مليون مشترك فى خدمة المحمول، ولذلك فإن هناك «قواعد» تحكم عملية التنصت، إلا أنه لم يحدد إذا كانت هذه القواعد دستورية وقانونية، أم مجرد قواعد تكنولوجية! ولو كان الوزير يهتم بالدستور، كما يهتم بتكنولوجيا الاتصالات، لجاءت إجابته أكثر مدعاة لطمأنة المستثمرين، ومن قبلهم عموم المواطنين، فالدستور ينص صراحة فى الفقرة الثانية من المادة 45 منه، على أن «للمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفقاً لأحكام القانون». ولو كان الوزير يهتم بالقانون لعرف أن إجراءات الرقابة على الهواتف، تبدأ ببلاغ يتقدم به جهاز الأمن المختص إلى النيابة العامة، يتضمن معلومات عن جريمة محددة، يرتكبها شخص أو أشخاص محددون، يطلب فى نهايته الإذن له بوضع هواتف هؤلاء تحت الرقابة، وتسجيل ما يدور بينهم من اتصالات لها صلة بالجريمة، فإذا اقتنعت النيابة العامة بجدية التحريات، طلبت من القاضى الجزئى إذناً بذلك، لمدة تحددها، لا تتجاوز فى العادة شهراً، لابد أن يتقدم بعدها الجهاز الأمنى للنيابة العامة بتفريغ للمكالمات التى سجلها، فإذا تبين للنيابة أنها تحمل مؤشرات على ارتكاب الجريمة، تجدد الإذن بالطريقة ذاتها.. وللمدة نفسها، إلى أن تتجمع الدلائل الكافية ضد المشتبه فيهم، ويجرى - بإذن من النيابة طبعاً - ضبطهم. ومعنى الكلام أنه ليس من حق وزارة الاتصالات - الأمينة على ضمان سرية الاتصالات الهاتفية والبريدية والبرقية - ولا شركات الاتصالات الخاصة التى تعمل فى هذا المجال وفقاً لقواعد مهنية، ولتعاقدات مع المشتركين تنص على صيانة سرية اتصالاتهم، أن تتنصت بنفسها ولحسابها، أو أن تأذن لأى جهاز من أجهزة الأمن بالتنصت على هواتفهم، دون الحصول على إذن من القاضى المختص، وإلا كانت بذلك تنتهك الدستور والقانون وتتجاوز اختصاصاتها وتفرط فى القيم المهنية التى تحكم هذه الأمور. وليس من حق أجهزة الأمن التى تسجل المحادثات الهاتفية، بهدف اكتشاف جريمة، أن تستخدم ما لا صلة له بهذه الجريمة، مما ورد فى هذه المحادثات، ويدخل فى نطاق حق المواطن - حتى لو كان متهماً فى جريمة - فى صيانة حرمة حياته الخاصة، أو أن تبيحه للاطلاع العام. حدث فى منتصف الثمانينيات، أن حصلنا فى «حزب التجمع» على جهاز مكننا من اكتشاف أجهزة تنصت زرعت فى أماكن متعددة من مقر الحزب الرئيسى، ومقر جريدة «الأهالى»، فاتصل الأستاذ خالد محيى الدين - متعه الله بالصحة وطول العمر - بوزير الداخلية حسن أبوباشا، وقال له: - أنتم تتنصتون علينا وهذا أمر لا نخشاه، لأننا لا نخالف القانون، وإذا كنتم تستخدمونه لحماية الأمن القومى للبلاد.. فلا اعتراض لدينا.. أما أن تقدموا أسرارنا الحزبية، للحزب الوطنى، وهو حزب منافس لنا، فهذا ما نعترض عليه، إذ لا صلة له بأمن البلد. ولا أحد بالطبع يعترض على وضع كل الإمكانيات، التى تمكن أجهزة الأمن المختلفة، من القيام بدورها فى حماية الأمن الوطنى والأمن الاجتماعى، والكشف عن الجواسيس والمتآمرين والإرهابيين والفاسدين وتجار السموم والبلطجية ولصوص المال العام، بل لعلنا فى حاجة ماسة لتخصيص الميزانيات الكافية التى تسمح لها بتحديث أدوات العمل فيها، وبإصلاح الأحوال المادية لمن يعملون بها، بما يتوازى مع ما يبذلونه من مجهودات شاقة، وما يتعرضون له من مخاطر جمة.. على نحو يمكنها من ممارسة دورها فى إطار الدستور والقانون! وقد يكون صحيحاً أن التعديل الدستورى الأخير، أباح فى المادة 79 منه إصدار قانون لمكافحة الإرهاب يضم أحكاماً خاصة بالإجراءات استثناء من الضمانات الواردة فى بعض مواد الدستور ومنها الفقرة الثانية من المادة 45 الخاصة بحظر الرقابة على الاتصالات الهاتفية، ولكن القانون لم يصدر، فضلاً عن أن التعديل الدستورى نفسه ينص على أن يتم ذلك تحت رقابة القضاء! وقد يكون صحيحاً أن قانون الطوارئ الذى تم تمديد العمل به إلى مايو 2010، يجيز فرض الرقابة على الاتصالات الهاتفية والبريدية.. ولكن الحكومة أعلنت أنها تطلب التمديد لأسباب تتعلق بجريمة الإرهاب، وليس بغيرها من الجرائم، فلا يجوز لها، أن تخضع هواتف غير الإرهابيين للرقابة دون إذن قضائى؟ مختصر الكلام، نريد بياناً رسمياً يزيل اللبس الذى أحدثه تصريح وزير الاتصالات، إن لم يكن لطمأنة أمثالنا من المواطنين الغلابة، فلكى يطمئن المستثمرون الأجانب، بحكم أن مصر بلدنا - على رأى المطرب محمد العزبى - بلد مستثمرين فيها الأجانب تتفسح! ويا أسيادنا الذين فى الحكومة: شوية حنية!