لم تمنع مشاورات تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجارية على قدم وساق تعلُّق أنظار المراقبين بأفيجدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» اليمينى المتطرف، والذى تشكل شروطه التفاوضية مع الحزبين المتنافسين «كاديما» و»الليكود» وقراراته النهائية رمانة الميزان، التى إما أن ترجّح كفة ائتلاف يمينى متطرف يقوده بنيامين نتنياهو، الأوفر حظا، أو آخر أقل تطرفا تقوده تسيبى ليفنى. من هنا ركز العديد من الصحف الغربية اهتمامها على اليمين الصاعد فى الساحة السياسية لإسرائيل بشكل عام، وبطبيعة الحال، كان ليبرمان طرفا مشتركا فى تلك الرؤى، ومثار اهتمام المتابعين سواء فى الصحف البريطانية أو الأمريكية، حيث اعتبر المحلل السياسى م. ج. روزنبيرج فى صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» أن إسرائيل برمتها تحولت لمعسكر اليمين، وأن هذا التحول لم يكن مفاجأة، بل جاء تدريجيا، مشيرا إلى أن المجتمع الإسرائيلى كان يتجه صوب اليمين منذ سنوات، بدليل أنه ما زال فى إسرائيل حتى الآن مَنْ ينظر لقاتل رئيس الوزراء العمالى الأسبق إسحق رابين، باعتباره «بطلا» وليس «إرهابيا»، كما أنه خلال الحملة الانتخابية الأخيرة لم يسع اليسار إلى استدعاء ذكرى رابين، بقدر ما لعب على وتر الحرب ضد «حماس» فى غزة. فى هذا السياق، ركز روزنبيرج على «صراحة» ليبرمان فى حملته الانتخابية المعادية للعرب، وعلى شعاره «لا مواطنة لمن لا يتعهد بالولاء»، والتى طالب فيها الفلسطينيين المقيمين داخل الخط الأخضر المعروفين ب «عرب 48» بالتوقيع على تعهد بالولاء لإسرائيل كدولة يهودية، وإلا سيُحرمون من حق التصويت ومزايا أخرى تضمنها المواطنة، فيعيشون بعد ذلك «غرباء فى أرض عاش فيها أسلافهم طوال ألفية كاملة»، على حد وصف الكاتب. ويرى روزنبيرج أن هذا الشعار «المهين، والذى من الواضح أنه أريد له أن يكون كذلك»، سيكون حقا «عنصريا» لو تحول إلى قانون، لكنه عاد واستبعد أن يستطيع المجتمع الإسرائيلى نفسه تحمُّل قانون كهذا. أما كارلو سترنجر، الكاتب فى صحيفة «The Guardian» البريطانية، فقد وصم شعار ليبرمان، المفترض فى الأساس أن يُطبَّق على نواب الكنيست العرب، ب»الفاشى»، وقال إن تعهده بتطبيق هذا الشعار على عرب إسرائيل «مثير للتشاؤم»، نظرا لأنه مطلب من الصعب أن يحظى برفض المعارضة، وذلك خلافا لروزنبيرج الذى أبدى تفاؤلا أكبر إزاء لفظ المجتمع الإسرائيلى مثل هذا الاتجاه. ورأى سترنجر أيضا أن جنوح الناخبين الآن نحو أقصى اليمين فى الانتخابات الأخيرة أعاد المجتمع الإسرائيلى إلى «جيتو» منغلق على نفسه، يعانى من جنون الكراهية تجاه العرب، بحيث بات لا يرى ولا يسمع العالم الخارجى من حوله، وهو ما برهنت عليه إسرائيل أثناء حرب غزة ب «صم أذنها» وتجاهلها القيم الغربية، التى طالما طالبت هى بالانتماء إليها. لكن اللافت أن سترنجر وروزنبيرج- على حد سواء- عقدا الأمل على الإدارة الأمريكيةالجديدة لباراك أوباما، إذ استبعد الأخير تبنى الرئيس الأمريكى دعوة كتلك التى يروِّج لها ليبرمان، خاصة فى ضوء الشكوك الإسرائيلية حول مدى تجاوب أوباما مع مفهوم الدولة اليهودية، فى حين رأى سترنجر أن الحل الوحيد لتجنب كارثة مرتقبة بالمنطقة هو أن تحشد واشنطن طاقتها من أجل الضغط على الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى للمُضى قدما فى طريق السلام، فإذا كان الفلسطينيون يفتقرون على ساحتهم إلى وجود شخصية مثل نيلسون مانديلا، فإن إسرائيل أيضا تخلو من شخصية مثل فريدريك وليام دى كليرك، آخر رئيس أبيض لجنوب أفريقيا، الذى قاد محادثات مع مانديلا أفضت إلى إنهاء نظام الفصل العنصرى. الأمر نفسه دعت إليه صحيفة «Lemonade» الفرنسية التى اعتبرت أن «بادرة الأمل يجب أن تأتى من واشنطن»، من خلالها قيامها بدور الوسيط، قائلة إن صعود اليمين فى هذه الانتخابات سيسفر «فى أفضل الحالات» عن جمود عملية السلام، لأنه أيا كان رئيس الوزراء المقبل، فلن يتمكن من تفكيك المستوطنات غير الشرعية دون تعريض الائتلاف الحكومى للخطر، فى حين اكتفت صحيفة «كورير» النمساوية بالتعليق، صبيحة إعلان النتيجة، بقولها: «الوقت لم يحن فى إسرائيل لعملية سلام جديدة»، رغم وجود رجل جديد فى البيت الأبيض و«رغم كل ما لديه من نوايا طيبة».