خبراء: ماسبيرو فى قلب الجمهورية الجديدة    الرسالة وصلت    أموريم: ما يهمني أننا لم نكن مملين أمام أرسنال    تدعيم الوسط مستمر.. أهلي جدة يستهدف صفقة سويسرية    لميس الحديدي تكشف تفاصيل غرق مدير التصوير تيمور تيمور    نادين الراسي في وصلة رقص وانسجام بحفل أصالة نصري | شاهد    الولايات المتحدة.. إطلاق نار في بروكلين يخلف 3 قتلى و8 جرحى    الولايات المتحدة تعيد تموضعها العسكري في العراق وسط تصاعد التوترات الإقليمية    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الأحد 17-8-2025 بالصاغة (آخر تحديث رسمي)    الناتج المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي يتجاوز تريليونين و143 مليار دولار    بعثة المصارعة النسائية تصل بلغاريا للمشاركة في بطولة العالم    رئيس محكمة النقض يَستقبل رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات للتهنئة    إغلاق 8 مراكز غير مرخصة لعلاج الإدمان والطب النفسي بالجيزة (تفاصيل)    نائب إيراني: أوروبا في مرمى صواريخنا وواشنطن ونيويورك ليستا ببعيدتين    الجوزاء والأسد.. 5 أبراج غيورة على شريكها (تعرف عليهم )    وصفات منعشة وصحية في الصيف.. طريقة عمل التين الشوكي عصير وآيس كريم (فيديو)    «صحة الإسكندرية»: إعداد خطط تطوير شاملة للمستشفيات وتفعيل غرف منسقي الطوارئ (صور)    جولات تفقدية لرئيس مياه الشرب والصرف بأسوان لمتابعة المحطات والروافع في ظل ارتفاع الحرارة    «البترول» تواصل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر أغسطس 2025    أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    مستشفى قها التخصصي ينقذ طفلة من فقدان ملامح أنفها بعد جراحة دقيقة    تحقيقات واقعة "فتيات الواحات".. الضحية الثانية تروى لحظات الرعب قبل التصادم    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    يسري الفخراني بعد غرق تيمور تيمور: قُرى بمليارات كيف لا تفكر بوسائل إنقاذ أسرع    اعتذار خاص للوالد.. فتوح يطلب الغفران من جماهير الزمالك برسالة مؤثرة    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    ريال مدريد يخطط لبيع رودريجو لتمويل صفقات كبرى من البريميرليج    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    وزير الثقافة يعلن عن بدء الاستعدادات لإطلاق مؤتمر وطني عن الذكاء الاصطناعي    وزير السياحة: ضوابط جديدة للمكاتب الصحية بالفنادق.. وافتتاح تاريخي للمتحف المصري الكبير نوفمبر المقبل    رئيس وزراء إسبانيا يقطع عطلته الصيفية لزيارة المناطق الأكثر تضررا من حرائق الغابات    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    توجيهات حاسمة من السيسي لوزيري الداخلية والاتصالات    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    أمر ملكي بإعفاء رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية ومساعد وزير الدفاع السعودي    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    فيضان مفاجئ في شمال الصين يخلف 8 قتلى و4 مفقودين    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    ربان مصري يدخل موسوعة جينيس بأطول غطسة تحت المياه لمريض بالشلل الرباعي    مهرجان شرم الشيخ للمسرح يعلن تفاصيل مسابقة «أبو الحسن سلام» للبحث العلمي    أحمد سعد يغني مع شقيقة عمرو «أخويا» في حفله بمهرجان مراسي «ليالي مراسي»    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    موعد آخر موجة حارة في صيف 2025.. الأرصاد تكشف حقيقة بداية الخريف    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    تعرف علي شروط الالتحاق بالعمل فى المستشفيات الشرطية خلال 24 شهرا    تعليق طريف من خالد الغندور على تألق محرف الزمالك    إصلاح الإعلام    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د‏. أسامة‏ الغزالى‏ حرب يكتب: حصاد‏ الحرب‏ العربية‏ - الإسرائيلية‏ السابعة‏ (2)‏ .. المأزق‏ التاريخى‏ لحماس

ذكرت‏ فى‏ الحلقة‏ السابقة‏ («‏المصرى‏ اليوم»‏ 26 يناير‏) أن‏ الانطباع‏ الأقوى،‏ الذى‏ خرجت‏ به‏ من‏ متابعة‏ الحرب‏ الإسرائيلية‏ على‏ غزة، «هو‏ أنها‏ كانت‏ حربا‏ خسرها‏ الجميع‏». وقد‏ تناولت‏ فى تلك‏ الحلقة «‏وهم‏ الانتصار‏ الإسرائيلى‏»، واليوم‏ أتناول‏ موقف‏ حماس‏. وابتداء‏، فإن‏ القول‏ إن‏ حماس‏ قد‏ هُزمت‏ فى‏ تلك‏ الحرب هو‏ قول‏ يتسم‏ بالتبسيط‏ الشديد‏، ولكن‏ لا شك فى‏ أن‏ القول‏ إن‏ حماس‏ قد‏ انتصرت‏ ينطوى‏ على‏ خطأ‏ بالغ‏ ومبالغة‏ فجة.
‏وربما‏ كان‏ الأمر‏ المؤكد‏ أن‏ حماس‏ كانت‏ -‏منذ‏ فوزها‏ فى‏ الانتخابات‏ التشريعية‏ الفلسطينية‏ فى‏ أول‏ عام‏ 2006، وحتى‏ معركتها‏ مع‏ إسرائيل‏ فى‏ نهاية‏ عام‏ 2008 -‏فى‏ ورطة‏ أو‏ مأزق‏ تاريخى‏، ولا‏ يزال مستمرا –بل متفاقما- حتى‏ تلك‏ اللحظة‏. ويعنى‏ ذلك‏ أنه‏ من‏ المستحيل‏ أن‏ ندرك‏ جميع أبعاد‏ موقف‏ حماس‏ فى‏ الحرب‏ على‏ غزة، التى‏ استمرت‏ اثنين‏ وعشرين‏ يوما‏ كاملا‏، بين‏ صباح‏ يوم‏ 27 ديسمبر‏ 2008 وفجر‏ يوم‏ 18 يناير‏ الماضى‏، منفصلا‏ عن‏ السياق‏ التاريخى‏ لوضع‏ حماس‏ فى‏ غزة منذ‏ يناير‏ 2006.‏
من‏ هذا‏ المنظور‏، يكون‏ من‏ الضرورى‏ أن‏ نذكّر‏ ابتداء‏ بأن‏ «‏حركة‏ المقاومة‏ الإسلامية‏» أو‏ حماس‏، التى‏ تمتد‏ جذورها‏ إلى‏ الإخوان‏ المسلمين‏ فى‏ فلسطين‏ ما‏ قبل‏ 1948، والتى‏ أعلنت‏ مولدها‏ عام‏ 1987، ترفض‏ -‏وفقا‏ لتوجهاتها‏ الفكرية‏ والسياسية‏- وجود‏ إسرائيل‏، وتعتقد‏ أن‏ «‏الجهاد‏» هو‏ السبيل‏ لتحرير‏ فلسطين‏ وأقصى‏ ما‏ تقبله‏ هو‏ القبول‏ -‏مؤقتا‏ وعلى‏ سبيل‏ الهدنة- بحدود 1967.‏
وترى‏ بالتالى‏ أن‏ اتفاق‏ أوسلو‏ عام‏ 1993 بين‏ منظمة‏ التحرير‏ وإسرائيل‏، وما‏ سبقه‏ من‏ اعتراف‏ متبادل‏ وحذف‏ للدعوة‏ إلى‏ القضاء‏ على‏ إسرائيل‏ من‏ ميثاق‏ المنظمة‏، هى‏ بمثابة‏ أوجه‏ للتفريط‏ فى‏ الحقوق‏ الفلسطينية‏ ينبغى‏ مقاومتها‏. وبناء‏ على‏ ذلك، كان من المنطقى‏ أن‏ ترفض‏ حماس‏ المشاركة‏ فى‏ الانتخابات‏ التشريعية‏ الفلسطينية‏ التى‏ أجريت‏ -‏وفقا‏ لترتيبات‏ أوسلو‏- فى‏ 1996، ولكنها‏ قبلت‏ بعد‏ ذلك‏ المشاركة‏ فى‏ انتخابات‏ عام‏ 2006 رغم‏ استمرار‏ معارضتها‏ بالطبع‏ لاتفاقيات‏ أوسلو‏ وما‏ يرتبط‏ بها‏ من التزامات.
صعود‏ حماس :‏
لم‏ يكن‏ فوز‏ حماس‏ فى‏ الانتخابات‏ التشريعية‏ الفلسطينية‏ عام‏ 2006 أمرا‏ مستغربا‏، لا‏ فى‏ سياق‏ الحالات‏ المماثلة‏ فى‏ العالمين‏ العربى‏ والإسلامى‏، ولا‏ فى‏ سياق‏ الوضع‏ الفلسطينى. فحيثما‏ توجد‏ سلطة‏ لا‏ ديمقراطية‏، يشوبها‏ الفساد‏ وتفتقد‏ الكفاءة‏ -‏فى‏ مجتمع‏ ذى‏ أغلبية‏ مسلمة‏- فإن‏ أقرب‏ النتائج‏ المباشرة‏ لذلك‏ هى‏ ظهور‏ القوى‏ الدينية‏، كأهم‏ البدائل‏ السياسية.
‏هذا‏ ما‏ حدث‏ فى‏ فلسطين،‏ مثلما‏ حدث‏ -‏ويحدث-‏ فى‏ إيران‏ والجزائر‏ والسودان‏ وغيرها‏ كثير.
وليس‏ جديدا‏ القول‏ إن‏ فساد‏ السلطة‏ الفلسطينية‏، وحركة‏ فتح‏، وانعدام‏ الديمقراطية‏ فيهما،‏ كانا‏ فى‏ مقدمة‏ العوامل‏ التى‏ أسهمت‏ فى‏ نجاح‏ الحركة‏ وحصولها‏ على‏ أصوات‏ ناخبين‏ لا‏ ينتمون‏ بالضرورة‏ إليها‏، ولكنهم‏ يرفضون‏ فتح. وفوق‏ ذلك‏، وبالإضافة‏ إلى‏ تأثير‏ الشعور‏ الدينى‏، لعبت‏ حماس‏ دورا‏ مهما‏ فى‏ المقاومة‏، وكذلك‏ فى‏ تقديم‏ الخدمات‏ الاجتماعية‏ والمعونات‏ الخيرية‏، فضلا‏ عما‏ قدمته‏ من‏ انطباع‏ عن‏ انضباطها‏ وبعدها‏ عن‏ الفساد‏.
 ‏ولذلك،‏ فقد‏ كان‏ من‏ المنطقى‏ تماما‏ أن‏ فازت‏ حماس‏ فى‏ الانتخابات‏ التشريعية‏ الفلسطينية‏ فى‏ يناير‏ 2006، وحصلت‏ على‏ 76 مقعدا‏ من‏ مقاعد‏ المجلس‏ التشريعى‏ الفلسطينى‏ ال‏ 132، فى‏ انتخابات‏ لم‏ تشك‏ أى‏ جهة‏ فى‏ نزاهتها‏ وحيادها.
ضغوط‏ هائلة :‏
غير‏ أن‏ هذا‏ كله‏ لم‏ يشفع‏ لحماس‏، ولم‏ يحظ‏ «‏الاختيار‏ الديمقراطى‏» للشعب‏ الفلسطينى‏ بالقبول،‏ لا‏ من‏ جانب‏ فتح‏، ولا‏ إسرائيل‏، ولا‏ عديد‏ من‏ القوى‏ الإقليمية‏ والدولية‏. ومنذ‏ اليوم‏ التالى‏ للانتخابات،‏ لم‏ تنقطع‏ المصادمات‏ بين‏ فتح‏ وحماس‏، والتى‏ كشف‏ بعضها‏ عن‏ ممارسات‏ بشعة‏ ومشينة‏ من‏ الطرفين‏ معا‏ تجاه‏ بعضهما‏ البعض.
 ‏استمرت‏ هذه‏ المصادمات‏ طوال‏ عام‏ 2006، إلى‏ أن‏ عُقد‏ اتفاق‏ مكة‏ بين‏ الطرفين‏ برعاية‏ سعودية‏ فى‏ فبراير‏ 2007، حيث مهد‏ لتشكيل‏ حكومة‏ «‏الوحدة‏ الوطنية‏» برئاسة‏ إسماعيل‏ هنية‏ فى‏ مارس‏ 2007. غير‏ أن‏ التفاؤل‏ المحدود‏ الذى‏ أوجده‏ تشكيل‏ تلك‏ الحكومة‏ لم‏ يلبث‏ أن‏ تحطم‏ مع‏ تجدد‏ الاشتباكات‏ بين‏ الطرفين‏، والذى‏ تبعه‏ اتفاق‏ جديد‏ لوقف‏ إطلاق‏ النار‏ بينهما‏ فى‏ مايو‏ 2007 بوساطة‏ مصرية‏ فى‏ تلك‏ المرة،‏ لم‏ يلبث‏ بدوره‏ أن‏ تعرض‏ للانتهاك‏ من‏ الطرفين‏.‏
إسرائيل‏، من‏ ناحيتها‏، كانت‏ شديدة‏ الوضوح‏ منذ‏ اليوم‏ الأول‏ لنجاح‏ حماس،‏ وهى‏ أنها ترفض‏ التعامل‏ مع‏ حماس،‏ باعتبارها‏ منظمة‏ «‏إرهابية‏» لا‏ تقبل‏ بوجود‏ إسرائيل‏، ولا‏ تقبل‏ عملية‏ السلام‏ معها،‏ بل‏ وشددت‏ حصارها‏ على الأراضى‏ المحتلة‏، عقب‏ فوز‏ حماس‏ فى‏ الانتخابات‏، وتشكيل‏ حكومتها‏ فى‏ مارس‏ 2006، و‏استمرت‏ فى‏ موقفها‏ هذا‏ بعد‏ تشكيل‏ حكومة‏ الوحدة‏ الوطنية‏ فى‏ مارس‏ 2007، فضلا‏ عن‏ أنها‏ لم‏ تتوقف‏ أبدا‏ عن استهداف وقتل‏ النشطاء‏ الفلسطينيين‏، سواء‏ من‏ حماس‏ أو‏ غيرها‏، الذين‏ لم‏ يتوقفوا‏ -‏بدورهم‏- عن‏ إطلاق‏ الصواريخ‏ على‏ جنوب‏ إسرائيل‏.
‏ولم‏ يخفف‏ من‏ واقع‏ الحصار‏ الذى‏ ضربته‏ إسرائيل‏ حول‏ الأراضى‏ الفلسطينية‏، حالة التميع‏ فى‏ المواقف‏ الأمريكية‏ (‏والتى‏ تحدثت‏ عن‏ التعامل‏ مع‏ شخصيات‏ معتدلة‏!) أو‏ المواقف‏ الأوروبية‏ التى‏ تفاوتت‏ من‏ بلد‏ لآخر‏.‏
وعلى‏ أى حال‏، فإن‏ انقلاب‏ حماس‏ على‏ القيادة‏ الفلسطينية،‏ واستيلاءها‏ بالكامل‏ على‏ السلطة‏ فى‏ غزة‏ فى‏ يونيو‏ 2007، فى‏ ظل‏ حكومة‏ إسماعيل‏ هنية‏ (‏التى‏ أصبحت‏ الحكومة‏ المقالة‏!)، وتنازعها‏ الشرعية‏ مع‏ حكومة‏ سلام فياض‏ التى‏ تشكلت‏ فى‏ الضفة‏ (‏حكومة‏ الطوارئ‏).. كل ذلك نقل‏ الحصار‏ عليها‏ وعلى‏ غزة‏ خاصة‏ إلى‏ درجات‏ أشد‏ خطورة‏ وقسوة.
‏وتحولت‏ غزة‏، بقيادة‏ حماس‏، إلى‏ سجن‏ كبير: فانتشر‏ الركود،‏ وتوقف‏ 90% من‏ المصانع‏ والورش‏ عن‏ العمل،‏ وتراجع‏ الإنتاج‏ الزراعى‏ بما‏ يزيد‏ على‏ 50%، وتراكمت‏ ا‏لخسائر‏ بملايين‏ الدولارات‏، وتوقف‏ أى‏ تصدير‏، وانتشرت‏ البطالة‏، وتدهورت‏ الأوضاع‏ الإنسانية‏ على‏ نحو‏ مخيف‏، خاصة‏ إزاء‏ الأطفال‏ والنساء‏ والشيوخ. وبعبارة‏ أخرى‏، فقد‏ تعرضت‏ غزة‏ «‏لعقاب‏ جماعى‏» خانق‏ لا‏ شرعى‏، لم‏ تفلح‏ البيانات‏ الدولية‏، ولا‏ محاولات‏ الناشطين‏ المناصرين‏ لغزة‏ فى‏ التخفيف‏ من‏ آثاره‏.‏
وفى‏ حين‏ شهدت‏ بداية‏ عام‏ 2008 ردة‏ فعل‏ عنيفة‏ وواسعة‏ من‏ حماس‏ إزاء‏ الحصار‏ فى‏ شكل‏ اقتحام‏ آلاف‏ (‏أو‏ عشرات‏ الآلاف‏!) من‏ أبناء‏ غزة‏ للحدود‏ مع‏ مصر، بكل‏ ما‏ أثاره‏ ذلك‏ من‏ تداعيات‏ معروفة‏، فإن‏ نهاية‏ العام‏ نفسه‏ شهدت‏ رد‏ فعل‏ آخر‏ أكثر‏ خطورة‏ وتهورا‏، وهو‏ رفض‏ حماس‏ فى‏ ديسمبر‏ 2008 تمديد‏ الهدنة‏ مع‏ إسرائيل‏، التى‏ كانت قد‏ عقدت‏ بوساطة‏ مصرية‏ فى‏ يونيو‏ من العام نفسه! وهو‏ الرفض‏ الذى‏ أعطى‏ إسرائيل‏ المبرر‏ لبدء‏ حربها‏ الوحشية‏ على‏ غزة‏ صباح‏ يوم‏ 27 ديسمبر‏ 2008.‏
رد‏ الفعل‏ !‏
لا‏ يماثل‏ قسوة‏ الضغوط‏ التى‏ تعرضت‏ لها‏ حماس‏ (‏بل‏ والشعب‏ الفلسطينى‏ كله‏، خاصة‏ فى‏ غزة‏) سوى‏ قصر‏ النظر،‏ بل‏ وربما‏ الحماقة‏ التى‏ اتسمت‏ بها‏ ردود‏ أفعال‏ حماس‏ طوال‏ الفترة‏ بين‏ بداية‏ عام‏ 2006 (‏فوزها‏ فى‏ الانتخابات‏) ونهاية‏ عام‏ 2008 (‏حرب‏ إسرائيل‏ على‏ غزة‏).
فأولا‏، وأيا‏ كانت‏ المبررات‏، فلا شك فى‏ أن‏ انقلاب‏ حماس‏ على‏ القيادة‏ الفلسطينية‏، وانفرادها‏ بالسلطة‏ فى‏ قطاع‏ غزة‏، مثلا‏ ضربة‏ قاصمة‏ للقضية‏ الفلسطينية‏ فى‏ مرحلتها‏ الراهنة،‏ وهو‏ تقسيم‏ سياسى‏ وأيديولوجى، مثلما‏ هو‏ تقسيم‏ جغرافى‏، يراكم‏ كل‏ يوم‏ مرارات‏ وحزازات‏، ويكرس‏ على‏ أرض‏ الواقع‏ أوضاعا‏ وترتيبات‏ يصعب‏ التخلص‏ منها‏.
 ‏حقا‏‏ إن‏ كلاما‏ كثيرا‏ قيل‏ وأشيع،‏ هنا‏ وهناك‏، بأن‏ حماس‏ أحبطت‏ مخططات‏ من‏ السلطة‏ الفلسطينية‏ للإطاحة‏ بها، وأن ما فعلته كان‏ بمثابة‏ ضربة‏ استباقية‏ لانقلاب‏ كانت‏ تعده‏ فتح؟‏!! ولكن‏ تظل‏ الحقيقة‏ المرة‏ هى‏ أن‏ شرخا‏ فلسطينيا‏ عميقا‏ حدث‏، وأن‏ هذا‏ كله‏ يعود‏ بالقضية‏ الفلسطينية‏ سنين‏ عديدة‏ إلى‏ الوراء‏، ويجمد‏ أى‏ حديث‏ جاد‏ عن‏ الدولة‏ الفلسطينية‏، وتقسيمها‏ -‏بل‏ و‏ذبحها‏-‏ قبل‏ أن‏ تولد‏!
‏وإعفاء‏ لكل‏ الأطراف‏ من‏ المسؤولية‏ السياسية‏ والأدبية‏ لإنشاء‏ تلك‏ الدولة. فمن‏ المنطقى‏ أن‏ تتوقف‏ كل‏ الجهود‏ الجادة‏، إلى‏ أن‏ يحل‏ الفلسطينيون‏ مشاكلهم‏ ويسووا‏ خلافاتهم.
من‏ ناحية‏ ثانية‏، فإن‏ حماس‏ -‏باستيلائها‏ على‏ غزة‏، وانفرادها‏ بحكمها‏- بدا‏ وكأنها‏ تقدم‏ نموذجا‏ لحكم‏ إسلامى‏ (‏أو‏ لإمارة‏ إسلامية، كما‏ يحلو‏ للبعض‏ أن‏ يسميها‏!) قام‏ على‏ أساس‏ «‏انقلابى‏» بالرغم‏ من‏ وصولها‏ أصلا‏ إلى‏ السلطة‏ عن‏ طريق‏ «‏ديمقراطى‏».
 ‏ومع‏ أنه‏ لم‏ تتح لها فرصة‏ كافية‏ فى‏ الواقع‏ لبناء‏ نموذجها‏ الإسلامى‏، إلا‏ أن‏ عديدا‏ من‏ الإشارات‏ والإرهاصات‏ أثار‏ المخاوف‏ المبكرة‏ من‏ سياسات‏ وتشريعات‏ وممارسات‏ (‏توصف‏ بأنها‏ إسلامية‏!) تتنافى‏ مع‏ مقتضيات‏ العصر‏ ومع‏ حقوق‏ الإنسان‏.
 ‏وفضلا‏ عن‏ ذلك‏، فإن‏ سلوك‏ سلطات‏ حماس،‏ عقب‏ وقف‏ إطلاق‏ النار‏، والبيانات‏ التى‏ تتحدث‏ عن‏ انتصار‏ حماس‏، وعن‏ أن‏ ما‏ قتلته‏ من‏ الإسرائيليين‏ يزيد‏ على ما قتله‏ الأخيرون‏ من‏ كوادرها‏!، واعتبار‏ كل‏ من‏ ينكر‏ ذلك‏ متواطئا‏ مع‏ العدو،‏ أو‏ خائنا‏ ويعرض‏ للاعتقال‏، بل‏ والقتل‏ الفورى‏ (‏انظر‏ تقرير‏ مكرم‏ محمد‏ أحمد‏ من‏ غزة‏ -‏الأهرام‏ 25 يناير‏).. كلها‏ ممارسات‏ غير‏ مطمئنة‏، وتقدم‏ نموذجا‏ يستدعى‏ الحذر‏ منه‏، والقلق‏ إزاءه‏.‏
غير‏ أن‏ جوهر‏ مأزق‏ حماس‏، وكما‏ تبدى‏ بقوة‏ منذ‏ بداية‏ 2006 حتى‏ اليوم‏، هو‏ عجزها‏ الفاضح‏ عن‏ التمييز‏ بين‏ الثورة‏ والسلطة‏، بين‏ مهام‏ المقاومة‏ ومسؤوليات‏ الدولة‏! وقبل‏ ذلك‏ تناقضها‏ المبدئى. فقد‏ شاركت‏ حماس‏ فى‏ الانتخابات‏ الفلسطينية‏ عام‏ 2006، مع‏ أن‏ هذه‏ الانتخابات‏ قامت‏ -‏كما‏ سبقت‏ الإشارة‏- على‏ أساس‏ اتفاقيات‏ أوسلو‏ التى‏ ترفضها‏ حماس،‏ وترفض‏ بالتالى‏ ما‏ ترتب‏ عليها‏ من‏ مؤسسات‏ وتشريعات‏.‏
وكان‏ الموقف‏ الأكثر‏ مبدئية‏، والأكثر‏ اتساقا‏، هو‏ إما‏ أن‏ تقبل‏ حماس‏ -‏أولا‏- باتفاقيات‏ أوسلو‏، قبل‏ أن‏ تشارك‏ فى‏ الانتخابات‏، أو‏ أن‏ تظل‏ رافضة‏ لها‏، ومتمسكة‏ بموقفها‏ الرافض،‏ وتظل‏ حركة‏ مقاومة‏ لها‏ جماهيرها‏ وشرعيتها‏ الوطنية‏ والثورية‏.‏
غير‏ أن‏ ما‏ هو‏ أكثر‏ أهمية‏ وخطورة‏ من‏ ذلك‏، أنه‏ بعد‏ أن‏ وصلت‏ حماس‏ للحكم‏ -عقب‏ فوزها‏ الكبير‏ فى‏ انتخابات‏ عام‏ 2006- عجزت‏ تماما‏ عن‏ إدراك‏ مقتضيات‏ وضرورات‏ التحول‏ من‏ موقع‏ المقاومة‏ إلى‏ موقع‏ الحكم،‏ أو‏ من‏ موقع‏ الثورة‏ إلى‏ موقع‏ السلطة‏. المقاومة‏ والثورة‏ لهما‏ منطقهما‏، والسلطة‏ والحكم‏ لهما‏ منطق‏ آخر‏. المقاومة‏ والثورة‏ التزامهما‏ الأساسى‏ هو‏ بتحقيق‏ هدفهما‏ فى‏ تحرير‏ الأرض‏ وإزالة‏ السلطة‏ الغاشمة‏ للعدو، أما‏ السلطة‏ والحكم‏ فهما‏ يلتزمان‏ بالحفاظ‏ على‏ الأرض‏ والشعب‏ وتحقيق‏ أمنه‏ ورخائه‏.‏
لم‏ تدرك‏ حماس‏ (‏خاصة‏ بعد‏ أن‏ انفردت‏ بالحكم‏ فى‏ غزة‏) أن‏ حكم‏ مليون‏ ونصف مليون‏ مواطن‏ فلسطينى‏ يفرض‏ عليها‏ مسؤولية‏ الحفاظ‏ على‏ حياتهم‏، وأرضهم‏، ومؤسساتهم‏، وممتلكاتهم، وأن‏ تولى‏ سلطة‏ الحكم‏ يفرض‏ عليها‏ حلولا‏ وسطا‏ ومواءمات‏ وترتيبات‏، حتى‏ ولو‏ كانت‏ ترفضها‏ أيام‏ أن‏ كانت‏ -‏فقط-‏ حركة‏ للمقاومة.
وللأسف،‏ فإن‏ قيادات‏ وكوادر‏ حماس‏ حاولت‏ -‏عقب‏ نجاحها‏ فى‏ 2006- تقديم‏ بعض‏ التنازلات‏ الشكلية‏ والحيل‏ اللفظية‏، والالتفاف‏ حول‏ المطالب‏ المحددة، وتوهموا‏ أن‏ بإمكانهم‏ الجمع‏ بين‏ الحسنيين‏: شعارات‏ وجماهيرية‏ المقاومة‏، وسياسات‏ وأبهة‏ السلطة‏. ولكن‏ ذلك‏ كان‏ مستحيلا‏، خاصة‏ مع‏ تربص‏ فتح‏ التى‏ حاولت‏ حماس‏ أن‏ تلصق‏ بها‏ كل‏ «‏سلبيات‏ التسوية‏»، وأن‏ تتقاسم‏ معها‏ كل‏ ثمار‏ «‏السلطة‏»‏؟‏!‏
وأخيرا‏، وتحت‏ الضغط‏ الخانق‏ للحصار‏، تصرف‏ الحمساويون‏ كحركة‏ مقاومة‏، وليس‏ كسلطة‏ مسؤولة‏ عن‏ شعب‏ وأرواح‏ وممتلكات‏.‏
وفى‏ الواقع‏، فإننى‏ لم‏ أجد‏ حتى‏ الآن‏ إجابة‏ شافية‏ عن‏ السؤال‏ البديهى‏: ماذا‏ كانت‏ حسابات‏ قادة‏ حماس‏ عندما‏ اتخذوا‏ قرارهم‏ بإنهاء‏ الهدنة‏ وإطلاق‏ الصواريخ‏ على‏ إسرائيل‏، بالرغم‏ من‏ التحذيرات‏ العديدة‏ والجادة‏ من‏ كل‏ الأطراف‏، وفى‏ مقدمتها‏ مصر؟‏ هل‏ أساءوا‏ تقدير‏ رد‏ الفعل‏ الإسرائيلى؟‏ أم‏ أنهم‏ كانوا‏ يحسنون‏ الظن‏ بقيادات‏ إسرائيل‏ وميولهم‏ الإنسانية؟‏!! أم‏ أن‏ هناك‏ عوامل‏ وقوى‏ أخرى‏ لعبت‏ فى‏ الظلام؟‏ هذا‏ هو‏ السؤال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.