التنمية المحلية تعتذر للزميلة هبة صبيح    وزارة «العمل» تنظم الحد الأقصى لتواجد العاملين يوميًا بمنشآت القطاع الخاص    دمشق تحذر من تصاعد التوتر مع الأكراد بسبب تأخر تنفيذ اتفاق الاندماج    علي ناصر محمد: مشروع الوحدة في مؤتمر القاهرة 2011 نموذج لاستقرار اليمن والرخاء    مصر تعبر جنوب أفريقيا بصعوبة وتعتلي صدارة المجموعة    الصين تتصدر إيرادات السينما العالمية فى 2025 بفيلم الرسوم المتحركة «نى زا 2»    وكيل الطب العلاجي يتابع أعمال التطوير بالسنبلاوين العام ويؤكد على سرعة الاستجابة للمرضى    خلال 3 أيام.. التفتيش على 1135 منشأة يعمل بها أكثر من 11 ألف عامل    القبض على 10 متهمين باستغلال الأطفال في التسول بالجيزة    ما هي حساسية الشتاء؟ وطرق علاجها والوقاية منها بالمنزل    الدولار يحافظ على استقراره أمام الجنيه في البنوك المصرية خلال تعاملات اليوم الجمعة    وزير المالية: ندعو الشركات الكورية لزيادة وتنويع أنشطتها الاستثمارية في مصر    مصر ضد جنوب أفريقيا.. ليفربول يوجه رسالة ل محمد صلاح بعد تأهل الفراعنة    مزاد علني لبيع محال تجارية ووحدات إدارية بحدائق أكتوبر    مؤتمر جوارديولا: انتصرنا في 7 مباريات متتالية لكننا لسنا في وضع جيد    وزير التعليم العالي يفتتح استوديو جامعة بورسعيد بتكلفة 21 مليون جنيه.. صور    15 ألف جنيه مخالفة تلويث الطريق العام.. العقوبات والغرامات في قانون المرور الجديد    الحكم على رمضان صبحي ومها الصغير والمتهمين بسرقة أسورة أثرية.. أبرز محاكمات الأسبوع المقبل    تصعيد جوي إسرائيلي متواصل.. غارات تمتد من جنوب لبنان إلى الهرمل    بالصور.. كواليس مسلسل «تحت الحصار» بطولة منة شلبي | رمضان 2026    انطلاق الامتحانات العملية لطلاب برنامج الصيدلة الاكلينيكية بجامعة القاهرة الأهلية    اللجنة الطبية العليا والاستغاثات تؤمّن ماراثون زايد الخيري بمنظومة متكاملة واستجابة فورية للطوارئ    رئيس جامعة كفر الشيخ يفتتح المؤتمر السنوي السادس لقسم القلب بكلية الطب    ياسر ثابت: تحييد أوكرانيا والعلاقة مع الناتو أبرز عقد التسوية المحتملة للحرب    وزارة العدل الأمريكية تكشف عن أكثر من مليون وثيقة مرتبطة بقضية جيفري إبستين وتأجيل الإفراج الكامل يثير جدلاً    أوقاف الفيوم تفتتح مسجد الرحمة ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعمار بيوت الله    قطع الكهرباء والمياه 5 ساعات في مطاي بسبب الصيانة    ضبط مناديَي سيارات لارتكابهما أعمال بلطجة بساحة انتظار بالجيزة    الداخلية تنفي ادعاءات مرشحة بالجيزة    وزارة الداخلية: ضبط عنصر جنائي بالجيزة تخصص في تزوير الشهادات الجامعية وترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي    رسميا.. أحمد سامي مديرا فنيا لمودرن سبورت    محافظ الجيزة: انطلاق 36 قافلة طبية علاجية بالمراكز والمدن بدءًا من 2 يناير    عميدة طب بنات الأزهر في حفل تخرج الوافدين: كونوا نبراسًا للرحمة ببلادكم    إصابة مواطنين إثر انقلاب سيارة ربع نقل على صحراوى جنوب الأقصر    اتحاد السلاح يستعين بخبير بولندي لتبادل الخبرات الفنية في سلاح السيف    الصورة الأولى للفنان محمود حميدة بعد مغادرته المستشفى    بعد 25 عاما.. إنعام محمد علي تكشف أسرار اختصار مسلسل أم كلثوم في 4 سهرات    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    كوريا الشمالية تعلن خطة لتوسيع إنتاج الصواريخ وتعزيز قدراتها العسكرية في 2026    رئيس وزراء السودان: اللقاءات مع الجانبين المصري والتركي كانت مثمرة    الداخلية تضبط أكثر من 21 طن دقيق مدعم في حملات مكثفة على المخابز    النقل تناشد المواطنين المشاركة لمنع ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    موعد مباراة المغرب ومالي في أمم أفريقيا 2025.. والقنوات الناقلة    «شيمي»: التكامل بين مؤسسات الدولة يُسهم في بناء شراكات استراتيجية فعّالة    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    باكستر: جنوب إفريقيا فرصتها أكبر في الفوز على مصر.. ونجحت في إيقاف صلاح بهذه الطريقة    كلية المنصور الجامعة تعزّز الثقافة الفنية عبر ندوة علمية    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    الكومي: صلاح أنقذ مصر أمام زيمبابوي.. وهدفنا صدارة المجموعة    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د‏. أسامة‏ الغزالى‏ حرب يكتب: حصاد‏ الحرب‏ العربية‏ - الإسرائيلية‏ السابعة‏ (1)‏ وهم الانتصار الإسرائيلى

عندما‏ شن‏ الطيران‏ الإسرائيلى‏ غاراته‏ المفاجئة‏ والشاملة‏ ظهيرة‏ يوم‏ السبت‏ السابع‏ والعشرين‏ من‏ ديسمبر‏ الماضى‏ (2008) على‏ قطاع‏ غزة‏، لم‏ يكن‏ فى‏ تصور‏ الكثيرين‏ (‏ربما‏ بمن‏ فيهم‏ الفلسطينيون‏ بل‏ قادة‏ حماس‏ أنفسهم‏!) أنها‏ البداية‏ لحرب‏ طويلة‏: شاملة‏ ومدمرة‏ ووحشية‏! إنها‏ -‏بعبارة‏ أخرى‏- الجولة‏ أو‏ الحرب‏ السابعة‏، فى‏ سلسلة‏ الحروب‏ العربية‏ - الإسرائيلية‏ الكبرى‏ (‏حروب‏ 48 و‏56 و‏67 و‏73 و‏82: غزو‏ لبنان و‏2006: الحرب‏ ضد‏ حزب‏ الله‏)،
غير‏ أنها‏ أيضا‏ الحرب‏ الإسرائيلية -‏ الفلسطينية‏ الأولى‏، فهى‏ -‏فى‏ الحقيقة‏- أول‏ مواجهة‏ عسكرية‏ شاملة‏ بين‏ إسرائيل‏ وطرف‏ مباشر‏ فلسطينى‏ فقط‏، وفوق‏ أرض‏ فلسطينية‏ فقط‏، وهو‏ ما‏ يضفى‏ عليها‏ مغزى‏ سياسيا‏ لا يمكن‏ تجاهله.
الآن‏، وبعد‏ أن‏ تم‏ وقف‏ إطلاق‏ النار‏ منذ‏ فجر‏ يوم‏ 18 يناير‏ الماضى،‏ فإن‏ من‏ المنطقى‏، بل‏ من‏ الحتمى‏ والضرورى‏ تماما‏، أن‏ نراجع‏ -‏بأقصى‏ قدر‏ من‏ الأمانة‏ والموضوعية‏- ما‏ تم‏ فى‏ تلك‏ الحرب‏، وأن‏ نستخلص‏ دروسها‏ وعبرها‏،
‏وسوف‏ يكون‏ مهما‏ للغاية‏ أن‏ نسمع‏ مثلا‏ أن‏ السلطات‏ المعنية‏ فى‏ البلاد‏ العربية‏ (‏خاصة‏ تلك‏ المتصلة‏ مباشرة‏ بما‏ جرى‏)، وفى‏ السلطة‏ الفلسطينية‏ وحماس‏، قد‏ كلفت‏ أجهزة‏ أو‏ لجانا‏ً معينة‏ بدراسة‏ مجريات‏ وآثار‏ تلك‏ الحرب‏، وتخضع‏ أداءها‏ للتقييم‏ العلمى‏ والموضوعى‏، لتستخلص‏ دروسه‏ وعظاته‏. وعلى‏ أى حال،‏ فإنه‏ من‏ المؤكد‏ أن‏ مثل‏ هذه‏ العملية‏ تجرى‏ الآن‏ فى‏ إسرائيل‏ بشكل‏ أو‏ بآخر‏.. فهكذا‏ عودونا‏ فى‏ جميع حروبهم‏ ومعاركهم‏ السابقة.
إن‏ الانطباع‏ الأقوى‏ الذى‏ تولد‏ لدى‏ّ، من‏ متابعة‏ هذه‏ الجولة‏ من‏ الحروب‏ العربية‏ - الإسرائيلية‏، ومتابعة‏ ما‏ كتب‏ عنها‏ من‏ تحليلات‏، هو‏ أنها‏ كانت‏ -‏بشكل‏ عام‏- حربا‏ خسرها‏ الجميع‏، سواء‏‏ الطرفان‏ المباشران‏ (‏حماس‏ وإسرائيل‏) أو‏‏ الأطراف‏ الأخرى‏ العربية‏ والدولية. وسوف‏ أتناول‏ فى‏ هذا‏ المقال‏ الخسارة‏ الإسرائيلية‏.‏
* فشل‏ عسكرى
إن نجاح‏ أى‏ حرب‏ يرتبط‏ بتحقيق‏ أهدافها‏. فماذا‏ كان‏ هدف‏ إسرائيل‏ من‏ تلك‏ الحرب؟‏ هذا‏ الهدف‏ كان‏ -‏كما‏ أعلنته‏ إسرائيل‏ مرارا‏- هو‏ منع‏ إطلاق‏ الصواريخ‏ على‏ الأراضى‏ الإسرائيلية. ومع‏ بدء‏ العمليات،‏ قال‏ إ‏يهود‏ أولمرت‏ إن‏ هدفها‏ هو‏ «‏إعادة‏ الحياة‏ الطبيعية‏ والهدوء‏ إلى‏ سكان‏ جنوب‏ إسرائيل‏». وقالت‏ ليفنى‏ فى‏ مقابلة‏ مع‏ محطة‏ «‏فوكس‏ نيوز‏» إن‏ العملية‏ تستهدف‏ «‏تغيير‏ الحقائق‏ على‏ الأرض‏، وتوفير‏ السلم‏ والهدوء‏ للمواطنين‏ فى‏ جنوب‏ إسرائيل‏».‏
لقد‏ انطوى‏ هذا‏ التحديد‏ لهدف‏ الحرب على‏ مهمتين، الأولى: عسكرية‏ وهى‏ الضرب‏ المباشر‏ لمخزون‏ الصواريخ‏ لدى‏ حماس‏، وتدمير‏ ورش‏ تصنيعها‏، أو‏ مسالك‏ تهريبها‏، وكذا‏ تدمير‏ مواقع‏ إطلاقها‏. أما‏ المهمة‏ الثانية،‏ فهى‏ «‏سياسية‏» تستهدف‏ حماس‏ كمنظمة‏ وكسلطة .. فهل‏ حققت‏ إسرائيل‏ هذين‏ الهدفين؟
الأغلب‏ أن‏ إسرائيل‏ استطاعت‏ تدمير‏ مخازن‏ للصواريخ‏، وورش‏ لتصنيعها‏، وأنفاق‏ لتهريبها‏.. وأنها‏ استخدمت‏ فى‏ ذلك‏ معدات‏ عسكرية‏ وتكنولوجية‏ فائقة‏ التقدم،‏ كما‏ استهدفت‏ إسرائيل‏ قتل‏ أكبر‏ عدد‏ من‏ جنود‏ وكوادر‏ حماس. غير‏ أنه‏ من‏ المؤكد‏ أنه‏ ليس‏ بإمكان‏ أى‏ قائد‏ إسرائيلى‏، بل‏ ولا‏ أى‏ محلل‏ عسكرى‏ فى‏ العالم،‏ أن‏ يقول‏ إن‏ إسرائيل‏ قد‏ حققت‏ نصرا‏ عسكريا‏ بالمعنى‏ الدقيق‏ للكلمة!
‏وليس‏ فى‏ هذا‏ الاستنتاج‏ أى‏ مبالغة‏. فلم‏ يحدث‏ أبدا‏، فى‏ أى‏ مواجهة‏ من‏ هذا‏ النوع‏ -‏بدءا‏ من‏ حرب‏ فيتنام‏، وحتى‏ حرب‏ الجزائر‏، ومرورا‏ بحروب‏ التحرير‏ والحروب‏ الشعبية‏ العديدة‏ فى‏ آسيا‏ وأفريقيا‏ وأمريكا‏ اللاتينية‏، التى‏ انطوت‏ على‏ مواجهة‏ بين‏ جيوش‏ نظامية‏، وقوات‏ مقاومة‏ غير‏ نظامية-‏ أن‏ استطاعت‏ تلك‏ الأولى‏ أن‏ تهزم‏ الثانية.
وليست‏ المواجهة‏ فى‏ فلسطين‏ استثناء‏ من‏ تلك‏ القاعدة‏! لذا‏ فمن‏ المؤكد‏ أنه‏ لا يزال‏ فى‏ إمكان‏ حماس‏ تهريب‏ صواريخ‏، وتصنيع‏ صواريخ‏، وإطلاق‏ صواريخ.
*‏سيناريوهان‏‏
إن‏ هذا‏ ينقلنا‏ إلى‏ الهدف‏ الثانى‏ -‏السياسى‏- والأكثر‏ أهمية،‏ والمتعلق‏ بحماس‏. فماذا‏ أرادت‏ إسرائيل‏ بالضبط؟‏ قال‏ الإسرائيليون‏ عبارات‏ عامة‏ مثل‏ معا‏قبة‏ حماس‏ والقضاء‏ على‏ حماس‏... إلخ‏، ولذلك‏ لم‏ يكن‏ غريبا‏ أن‏ كانت‏ أهداف‏ إسرائيل‏ من‏ الحرب‏ ضد‏ حماس‏ موضعا‏ لمناقشات‏ وتحليلات‏ مهمة‏ فى‏ الصحافة‏ العالمية.‏
‏وفى‏ معرض‏ الإجابة‏ عن التساؤل‏ حول‏ أهداف‏ إسرائيل‏ إزاء‏ حماس‏ من‏ حربها‏ فى‏ غزة‏، ساد‏ الحديث‏ عن‏ سيناريوهين، الأول‏ هو‏ سيناريو‏ تدمير‏ حماس‏، والقضاء‏ النهائى‏ عليها‏، أى أن‏ يستهدف‏ الجيش‏ الإسرائيلى‏، بشكل‏ دقيق‏ ومباشر،‏ جميع قيادات‏ حماس‏، وكوادرها‏، وكذلك‏ مؤسساتها‏ وبنيتها‏ التنظيمية‏، بحيث‏ يتم‏ -‏ماديا‏ وسياسيا‏- استئصال‏ حماس‏ من‏ غزة‏ تماما‏.
‏أما‏ السيناريو‏ الثانى،‏ فهو‏ أن‏ يتم‏ استهداف‏ حماس‏ فى‏ إطار‏ استهداف‏ المؤسسات‏ الفلسطينية‏ والمواطنين‏ الفلسطينيين‏، إلى‏ الدرجة‏ التى‏ تجعل‏ سكان‏ غزة‏ أنفسهم‏ -‏بعد‏ أن‏ تنتهى‏ الحرب‏- يمنعون‏ حماس‏ من‏ العودة‏ إلى‏ إطلاق‏ الصواريخ‏ على‏ إسرائيل،‏ خوفا‏ من‏ تعرضهم‏ مرة‏ ثانية‏ للأهوال‏ التى‏ شهدوها‏ فى‏ أثناء‏ الحرب.
‏هذا‏ السيناريو‏ أطلق‏ عليه‏ اسم‏ السيناريو‏ اللبنانى‏، نسبة‏ إلى‏ الاستراتيجية‏ التى‏ اتبعتها‏ إسرائيل‏ فى‏ حربها‏ ضد‏ حزب‏ الله‏ فى‏ لبنان‏ عام‏ 2006. ووفقا‏ لذلك‏ السيناريو،‏ فإن‏ إسرائيل‏ استهدفت‏ -‏عمدا‏- ليس‏ فقط‏ ضرب‏ قوات‏ ومنشآت‏ حزب‏ الله‏ فى‏ لبنان‏، وإنما آلاف الأهداف‏ اللبنانية‏ العادية‏ المجاورة‏ أو‏ القريبة‏ من‏ مواقع‏ ومؤسسات‏ حزب‏ الله‏، بما‏ فى‏ ذلك‏ قتل مئات الأبرياء‏ وتدمير‏ آلاف‏ المنشآت‏ اللبنانية‏، قبل‏ أن‏ يتم‏ التوصل‏ إلى‏ تسوية‏ بضمانات‏ دولية‏ صارمة.
هذان‏ السيناريوهان‏ تناولهما‏ -‏فى‏ غمار‏ التعليق‏ على‏ الحرب‏- اثنان‏ من‏ أشهر‏ المعلقين‏ فى‏ الصحافة‏ الأمريكية، أولهما‏: تشارلز‏ كروثمر‏، المعروف‏ بمواقفه‏ المحافظة‏ وتعصبه‏ الشديد‏ لإسرائيل‏، وثانيهما: توماس‏ فريدمان،‏ الكاتب‏ ب«نيويورك‏ تايمز‏»، وأبرز‏ الصحفيين‏ الأمريكيين.
تشارلز‏ كروثمر‏ -‏من‏ ناحية‏- كتب‏ مقالا‏ فى‏ صحيفة‏ هيوستن‏ كرونيكل‏ (10 يناير‏) بعنوان‏ «‏تدمير‏ حكم‏ حماس‏ هو‏ النتيجة‏ الأفضل‏ لحرب‏ غزة‏»، قال‏ فيه‏ إن‏ السيناريو‏ اللبنانى‏ سوف‏ يفشل‏ فى‏ تحقيق‏ مصالح‏ إسرائيل‏، لأنه‏ سوف‏ يؤدى‏ إلى‏ نفس‏ النتائج‏ التى‏ تمت‏ فى‏ لبنان‏، أى أن‏ توجد‏ قوة‏ دولية‏ تتجنب‏ أى‏ استعمال‏ فعال‏ للقوة‏، وحظر‏ للسلاح‏ يتم‏ فى‏ ظله‏ -‏عمليا‏- تهريب‏ السلاح‏ مرة‏ أخرى‏، إلى‏ أن‏ تتم‏ إعادة‏ تسليح‏ «‏الإرهابيين‏» بالكامل‏ ويصبحوا‏ قادرين‏ على‏ شن‏ هجماتهم‏ مرة‏ أخرى.
‏ولذلك،‏ فإنه‏ دعا‏ -‏بكل‏ قوة‏- إسرائيل‏ إلى‏ أن‏ تتبع‏ السيناريو‏ الأول‏ أى تفكيك‏ حماس‏، وإهانتها‏، واستئصالها‏! وقال:‏ لقد‏ ضاعت‏ تلك‏ الفرصة‏ من‏ أولمرت‏ فى‏ لبنان‏، وعليه‏ أن‏ يقتنصها‏ الآن. وخاطب‏ كروثمر‏ الإسرائيليين‏ قائلا‏: «‏إن‏ الفرصة‏ سانحة‏ الآن‏ لإسقاط‏ حماس‏، فقط‏ إذا‏ كانت‏ إسرائيل‏ مستعدة‏ -‏ومسموحا‏ لها‏- بذلك‏، أى‏ أن‏ تنجز‏ مهمتها‏ الحقيقية‏».‏
على‏ العكس‏ من‏ ذلك‏ تماما‏، كانت‏ رؤية‏ توماس‏ فريدمان‏! ففى‏ مقاله‏ فى‏ نيويورك‏ تايمز‏ فى‏ 14 يناير‏ الماضى‏، بعنوان‏ «‏أهداف‏ إسرائيل‏ فى‏ غزة‏» تساءل‏: ماذا‏ تستهدف‏ إسرائيل‏ من‏ حرب‏ غزة؟‏ هل‏ هو‏ تأديب‏ حماس‏ أم‏ استئصال‏ حماس؟
‏ورد‏ على‏ السؤال‏ بأنه‏ يفضل‏ «‏تأديب‏ حماس‏»! لماذا؟‏ لأن‏ استئصال‏ حماس‏ سوف‏ يؤدى‏ - كما‏ يقول‏- إلى‏ ضحايا‏ وخسائر‏ مرعبة‏ ربما‏ تقود‏ إلى‏ وضع‏ أشبه‏ بالفوضى‏ فى‏ الصومال‏. وعلى‏ النقيض‏ مما‏ ذكره‏ كروثمر،‏ قال‏ فريدمان‏ إن‏ السيناريو‏ اللبنانى‏ قد‏ نجح‏ فى‏ كبح‏ جماح‏ حزب‏ الله‏، لأن‏ اللبنانيين‏ الآن‏ -‏وفق‏ تعبيره-‏ «‏سوف‏ يقولون‏ لحزب‏ الله‏ ماذا‏ تظن؟‏ انظر‏ ما‏ أحدثته‏ من‏ دمار‏ لبلادنا؟‏ لماذا‏ ومن‏ أجل‏ من؟‏!!» وبالمثل‏، فإن‏ مواطنى‏ غزة‏، بعد‏ أن‏ تهدأ‏ الأوضاع‏، سوف‏ يتصدون‏ لحماس‏ ويمنعون‏ هم‏ إطلاق‏ الصواريخ‏، حتى‏ لا‏ تتكرر‏ الأهوال‏ التى‏ عانوا‏ منها‏!!‏
* ‏العار‏!‏
ولكن‏ ماذا‏ فعلت‏ إسرائيل‏ فعليا؟‏ الواقع‏ أن‏ إسرائيل‏ تصرفت‏ وفق‏ السيناريوهين‏ معا‏، فتعقبت‏ حماس‏ وكأنها‏ تستهدف‏ تدميرها‏ بالكامل: قتل‏ كوادرها‏، وتحطيم‏ منشآتها‏، وهى‏ أيضا‏ استهدفت‏ -‏وفق‏ السيناريو‏ اللبنانى‏!- المدنيين‏ الفلسطينيين‏ عن‏ عمد‏ وقصد‏ مبيت‏، على‏ نحو‏ إجرامى‏ ودموى‏ غير‏ مسبوق‏. وبشكل‏ أكثر‏ تفصيلا‏، فقد‏ اتسم‏ السلوك‏ الإسرائيلى‏ فى‏ الأيام‏ الثلاثة‏ والعشرين‏ للحرب‏ بثلاث‏ سمات‏:‏
الأولى: هى‏ الغرور‏ والعجرفة‏ والزهو‏ بآلات‏ القتل المتطورة‏ التى‏ تحت‏ أيديهم‏، والتى‏ صورت‏ لهم‏ أن‏ بإمكانهم‏ أن‏ ينجحوا‏ -‏فى‏ مواجهة‏ الحرب‏ الشعبية‏ فى‏ غزة‏- فيما‏ فشلت‏ فيه‏ قبلهم‏ كل‏ القوى‏ الاستعمارية‏ والعنصرية.
السمة‏ الثانية: هى‏ النزعة‏ العنصرية‏ الكامنة‏ فى‏ السلوك‏ إزاء‏ الفلسطينيين‏. إن‏ الإسرائيليين‏، وعلى‏ رأسهم‏ قادتهم‏، يرفضون‏ بشدة‏ هذه‏ الأوصاف،‏ لأنهم‏ درجوا‏ على‏ أن‏ يبيعوا‏ للعالم‏ فكرة‏ أن‏ اليهود‏ كانوا‏ هم‏ ضحايا‏ العنصرية‏، وأنهم‏ لن‏ يكونوا‏ كذلك‏.
ولكن‏ ماذا‏ يعنى‏ الاستهتار‏ المشين‏ بأرواح‏ المدنيين‏ العزل‏ من‏ الأطفال‏ والنساء‏ والشيوخ‏ الفلسطينيين‏ الذين‏ استهدفتهم‏ نيران‏ الأسلحة‏ الفتاكة‏ بدم‏ بارد؟‏ ماذا‏ يعنى‏ تصور‏ أن‏ مقتل‏ إسرائيلى‏ يساوى‏ مقتل‏ مئات‏ الفلسطينيين‏، وأن‏ احتجاز‏ أسير‏ إسرائيلى‏ يبرر‏ اجتياح‏ قرى‏ وأحياء‏ فلسطينية؟‏ وماذا‏ يعنى‏ استخدام‏ أسلحة‏ محرمة‏ دوليا‏ تحرق‏ وتشوه‏ البشر‏ والثمر؟
غير‏ أن‏ هناك‏ سمة‏ ثالثة‏ لا‏ يمكن‏ إغفالها‏، هى‏ الجبن‏ وتجنب‏ المواجهة‏ المباشرة‏ مع‏ المقاتلين‏ الفلسطينيين‏، وهى‏ السمة‏ التى‏ تجعل‏ استخدام‏ الطائرات‏ المحلقة‏ من‏ أعلى‏ هو‏ الوسيلة‏ المثلى‏ لضرب‏ دراجة‏ نارية‏ على‏ الأرض‏، والتخندق‏ فى‏ دبابة‏ لضرب‏ بيت‏ أعزل‏ صغير.‏ فإذا‏ اضطر‏ جندى‏ المشاة‏ للنزول،‏ فهو‏ محصن‏ بالدروع‏ ومدجج‏ بالأسلحة‏ على‏ نحو‏ يجعله‏ أشبه‏ بالروبوت‏ وليس‏ بإنسان‏ سوى.
ولكن‏: هل‏ حققت‏ إسرائيل‏ أهدافها؟‏ هل‏ انتصرت؟‏ بالقطع‏ لا‏. نعم‏ هى‏ قتلت‏ وأصابت‏ آلاف‏ الفلسطينيين، ودمرت‏ آلاف‏ البيوت‏ والمنشآت‏ والمرافق‏ العامة‏.
‏وإذا‏ كانت‏ قد‏ نجحت -بذلك‏ جزئيا-‏ فى‏ تحقيق‏ أهدافها‏ قصيرة‏ الأمد، فعوقت‏ إطلاق‏ الصواريخ‏ عليها‏، وسددت‏ ضربة‏ قوية‏ إلى‏ حماس‏، فإنها‏ لم‏ ولن‏ تمنع‏ تلك‏ الصواريخ‏ نهائيا‏، وحماس‏ لا‏ تزال‏ قائمة‏!
ولكن‏ الأهم‏ من‏ ذلك‏ كله أن‏ الإنجاز‏ الذى‏ تحقق‏ تكتيكيا‏ أصاب‏ -‏فى‏ مقتل‏- الهدف‏ الإسرائيلى‏ الاستراتيجى‏ الأهم‏، وهو‏ أن‏ تتقبل‏ شعوب‏ المنطقة‏ أن‏ تعيش‏ إسرائيل‏ بينها‏ فى‏ سلام، وتلك‏ هى‏ النتيجة‏ الوحيدة‏ المؤكدة‏ للحرب‏ التى‏ شنتها‏ على‏ غزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.