عقد الدكتور أحمد نظيف اجتماعاً أمس الأول حضره وزراء الرى والاستثمار والزراعة ورؤساء مراكز البحوث الزراعية وكان الموضوع الوحيد المطروح على مائدة الاجتماع هو ترشيد استخدام المياه وتطوير نظم الرى. وكنت قد كتبت فى هذا الموضوع تحديداً يوم 12 يناير الحالى وقلت ما معناه إن التفريط فى أى قطرة مياه على أرض هذا البلد إنما هو جريمة فى حق كل مواطن وأننا إذا كنا نسمع كل يوم عن اجتماع مجلس أعلى من نوع مختلف فلا نزال نفتقد وجود المجلس الأعلى الأهم على الإطلاق وهو المجلس الأعلى للمياه بحيث تكون مهمته محصورة فى تحديد الطريقة الأمثل لاستغلال ما فى حوزتنا من ماء وهو قليل للغاية إذا ما قارنا بين كمياته المتاحة لنا والمعروف أولها وآخرها وبين حاجتنا الآن وفى المستقبل. وكان تقديرى يوم أن كتبت أن الأمل فى ترشيد استغلال ما لدينا من مياه يبقى فى رجل اسمه الدكتور محمود أبوزيد ليس فقط لأنه الوزير المختص فقد جاء من قبله وزراء كثيرون لم يقدموا شيئاً ملموساً فى هذه القضية الخطيرة، وإنما لأن الدكتور أبوزيد عالم متخصص فى المياه وله مكانته فى هذا الميدان بين أقرانه على مستوى العالم وبالتالى فهو يدرك تماماً معنى ما نقول ويعرف جيداً ما يجب أن يكون. وأغلب الظن أن الذين يتابعون طريقتنا فى التعامل مع مصادر المياه عندنا سواء كانت فى النيل أو فى غيره سوف يتهموننا بالسفه المؤكد ويقطعون بأننا لا نعرف مطلقاً قيمة ثروة من هذا النوع بين أيدينا! وكنت قد تلقيت خطاباً من الدكتور أبوزيد يوم 13 يناير يقول فيه ما معناه إنه كان على موعد فى اجتماع مع رئيس الوزراء فى الأسبوع الأول من هذا الشهر قبل أن أكتب من ناحيتى بأيام وأنه قد عرض عليه فكرة إنشاء مجلس أعلى للمياه وأوضح له ضرورتها ومخاطر التأخر فى تنفيذها فوافق رئيس الوزراء وأن مثل هذا المجلس فى الطريق الآن إلى النور. وقد فهمت من خطاب الدكتور أبوزيد - العالم قبل الوزير - أن هناك حالياً لجنة عليا لمياه النيل تضم عدداً من الوزراء برئاسة رئيس الوزراء إلى جانب لجنة وزارية لموضوعات المياه بوجه عام يرأسها الوزير نفسه! ولابد أن السيد الوزير يعلم أن المصريين عموماً قليلو الثقة فى قدرة أى لجنة على إنجاز أى شىء حقيقى لدرجة أن المعتقد الشعبى يقول بأنك إذا أردت أن تقتل أى موضوع فلا تفعل أكثر من أن تحيله إلى لجنة! وقد كان الأمل ألا ينتهى اجتماع أمس الأول إلا وقد اتفق بوضوح على إنشاء المجلس الأعلى للمياه بحيث يطمئن المصريون على أن تبديد ثروتهم من الماء لن يستمر كما هو قائم فى الوقت الحالى مع ما نعرفه من أن هذه الثروة سوف تكون موضع صراع وحروب بين الدول فى المستقبل، كما هو حاصل الآن حول النفط! وما نعلق عليه الأمل فى الوزير - العالم مرة أخرى قبل الوزير - أن يشكل المجلس الأعلى حين ينشأ على نحو مختلف تماماً من حيث طبيعة أعضائه بحيث يضم فى عضويته خبرات وأسماء عالمية تعرف كيف تتصرف فى الماء بصدق وأمانة ومواكبة لما فى العصر من نظم حديثة لأن تشكيله من الأسماء التقليدية المطروحة حولنا لن يؤدى أى شىء... فعيوننا جميعاً قد تلوثت بما فيه الكفاية ونشأنا على أن الطريقة الحالية فى التعامل مع المياه هى الطريقة العادية مع أنها جريمة كاملة الأركان فى حق أنفسنا.. يا سيادة الوزير.. نريد فى المجلس الأعلى للمياه، عيوناً مختلفة لم تتلوث فى إدراكها للملف إجمالاً بحكم العادة والنشأة!.. وهذه أمانة معلقة فى عنقك وسوف تظل مسؤولاً عنها أمام الله وأمام التاريخ كما قال المهندس حسب الله الكفراوى حين علق على ما كتبت إليك فى المرة الأولى!