رحل جورج بوش، تاركا لخلفه مهمة إكمال ما لم ينته منه، والأخير بدوره يحاول انتشال أقوى دولة فى العالم من براثن حروب سلفه وإنقاذ اقتصادها شبه المنهار، معلنا استراتيجيته لإدارة الأزمة عبر إشراك الخصوم والمؤيدين على حد سواء من ديمقراطيين وجمهوريين، واضعا نصب عينيه حجم التحديات والإخفاقات التى قد يواجهها. كل ذلك يجرى، فيما تتجه أنظار العالم صوب الرئيس الأمريكى الجديد وقدراته الموعودة، وحزمة القرارات المرجوة التى سوف تنبثق بعد فترة ولايته، علها ترمم ما تم إفساده. فالانطباع السائد لدى الكثيرين أن الإدارة الجديدة ستركز فى أولويات أجندتها، على إعادة ترتيب البيت الداخلى الأمريكى ووضع الحلول للمعضلات المتراكمة. وخير دليل على ذلك استهلال أوباما عهده فى الرئاسة الأمريكية بانقلاب مباشر وسريع على سياسة بوش عبر تعليقه محاكمات معتقلى جوانتانامو. إلى هنا والأمر لايزال فى إطاره المعقول، ولكن الغرابة فى أن الجميع يتمادى فى حجم آماله، وتعويله على سيد البيت الأبيض الجديد، متجاهلين كون أوباما مجرد رئيس جديد ضمن سياق سلسلة الرؤساء الأمريكان السابقين، وهو سياسى تقوده مصالح بلاده أولا وآخرا، مهما وُصف بالمثالية التى قد تكون مجرد مغالاة فى حقيقة الامر. فالاقتصاد والعراق وأفغانستان.. ثلاثة أضلاع تمثل مثلثا يحاصر أوباما ويؤرقه، علما بأنه لا يختلف اثنان على أن الاقتصاد هو حجر الزاوية، وأبرز ما يراهن عليه أوباما فى استراتيجيته، فى حين يشكك العديد فى قدرته على النجاح فيه دون التنصل ولو بشكل جزئى من مسؤولية احد تلك الأضلاع أو كليهما المتمثلين فى العراق وأفغانستان، إن اضطرته الظروف، تاركا للمجتمع الدولى مسؤولية تحمل بعض القضايا الشائكة التى قد لا يرغب فى ولوج دروبها الموحلة، والانشغال بأمور خارج حدود دولته المنهكة، دون اكتراث بمواجهة اللوم أو النقد من أحد. أما حجم وضخامة الهالة والابتهاج التى صاحبت صعود أوباما، فتعود فى الأغلب إلى الارتياح السائد فى التخلص من حقبة جورج بوش وفترة ولايته الدموية لا أكثر، مع إضافة الاعتبار إلى كونه أول رجل من أصول افريقية يعتلى منصب الرئاسة الأمريكية. قد يكون أكثر حكمة من بوش واعتدالا وحرصا على حفظ ماء وجه أمريكا، لكن تبقى السياسة هى دفة الرجل التى يبحر من خلالها. والسياسة فى الغالب لا تعرف الأخلاق. فمهما امتلأت جعبة هذا الرجل بالآمال والوعود، فقد لا ترى النور، فلا يُستبعد أن يجد أوباما نفسه عاجزا عن الوفاء والالتزام بالكثير من تلك التعهدات الانتخابية التى قد تتهشم فوق صخور الالتزامات الرسمية والضوابط السياسية. وإن افترضنا صحة ما يشاع، وكون أوباما محط الآمال لعالم يبحث عن الاستقرار والأمن.. فإن هناك خطوات يمكن أن يسير عليها أوباما ستحدد مستقبل هذه الآمال ومدى واقعيتها: 1- سياسته فى تطبيق مبادئ حقوق الإنسان فى العالم واعتماد معيار أحادى فى التعامل مع القضايا الإنسانية، وإلغاء سياسة الكيل بمكيالين. 2- خطواته فى تحقيق السلام العالمى، خصوصا فى عمليات الحد من التسلح وتفعيل اتفاقية حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، دون التفريق بين إسرائيل وإيران. 3- اعتماده نشر الديمقراطية كمعيار أساسى فى التعامل مع الدول، وتجميد دعم واشنطن الواضح للنظم الديكتاتورية المنتشرة فى المنطقة. 4- تناوله المشكلة الاقتصادية، وطريقته فى حل الأزمة فى إطارها العالمى الواسع، والنأى عن انتهاج سياسة النظام الرأسمالى السابق القائم على الجشع وتغليب المصالح الضيقة للشركات الكبرى.. والكف عن تأجيج الصراعات والحروب التى تصب فى خدمة مصالح أمريكا الاقتصادية بين دول العالم. محمد حميد الصواف نقلاً عن جريدة «القدس العربى»