انتهت حرب الحمم.. وتوقفت حرب القمم.. وبدأت حرب المبادرات، واشتعلت حرب الملاسنات الفضائية بين الإخوة الفلسطينيين الأعداء كفّت طائرات الأباتشى عن إطلاق صواريخها.. وتبددت سحب دخان الفوسفور الأبيض.. وخرج السفاح «أولمرت» من غزة، يرفع ذراعيه مستسلماً وخلفه «إسماعيل هنية» يضع فى ظهره صاروخاً من طراز «الفرقان»، وهو يقول له: لو رجعت تانى ح اضحضحك.. تسرّح الزبالة الصهيونية اللى عندك.. وترجّع كل واحد لبلده، وتعلن إسلامك فى المسجد الأقصى، وتبعت لى مفتاح القدس مع الجدع ده اللى اسمه «باراك أوباما».. فيرد عليه «أولمرت» بصوت مرتعش: أمرك يا سعادة الباشا.. أشهد أن لا إله إلا الله.. وأشهد أن محمداً رسول الله! وحتى الآن، لم يظهر أى رئيس عربى على شاشة تليفزيون الجزيرة، ليدعو للتبكير بعقد القمة العربية السنوية العادية، التى يفترض أن تعقد بعد ستة أسابيع من الآن، للنظر فيما بعد حرب الرصاص المسكوب ومعركة الفرقان وعملية بقعة الزيت المتسعة، وتخصيص جلسة لإتمام المصالحة العربية، يتبادل فيها الزعماء العرب الأحضان والقبلات، تسمى «قمة المبوسة».. لكن الرئيس اليمنى آثر ألا يفوته الواجب القومى، فأطلق مبادرة جديدة للمصالحة الوطنية الفلسطينية برعاية سورية تركية مصرية.. تطبيقاً للمثل الشهير: إيش ناقصك يا عريان؟ قال له: المبوسة اليمنية يا مولاى! واستأنفت المقاومة الفلسطينية نشاطها وكسرت وقف إطلاق النار، فأعلنت حركة فتح، أن جماعة حماس أعدمت بعض أعضائها أثناء الحرب، واعتقلت عشرات منهم، لكنها لم تجد سجوناً تحبسهم فيها، بعد أن دمرت طائرات الأباتشى سجون غزة، فحولت بعض المساجد إلى محابس، تطبيقاً للقاعدة الشرعية، «السجن - كالعمل - عبادة»، وأضافت «فتح» أن المعتقلين هم من كوادرها المقاومين الذين كانوا يشاركون فى صد العدوان الإسرائيلى على غزة، وأنهم يعذبون وتطلق النار على أقدامهم - على الرغم من قرار وقف إطلاق النار - لكى يسلموا ما لديهم من أسلحة، بعد أن فوجئت حماس بأنها لم تكمل تجريد أعدائها الفتحاويين من السلاح، ونفى أحد أقطاب حماس ادعاءات فتح جملة وتفصيلا، وأكد أنها افتراءات فتحوية.. لكن قطباً آخر منهم ممن يؤمنون بأن الكذب حرام شرعاً، أكد أن هناك بالفعل من تم إعدامهم أثناء المعركة ومن جرى اعتقالهم فى أعقاب النصر الإلهى الذى تحقق فى غزة.. ولكن لأنهم جواسيس للعدو، كانوا يرسلون إلى قادة فتح معلومات عن مواقع مقاتلى حماس لتتسرب بالطبع عن طريقهم إلى العدو الصهيونى.. فضلاً عن أنهم كانوا يحرضون أهالى غزة للتظاهر ضد حكومتهم الشرعية. وليس الأمر فى حاجة إلى ذكاء كبير، لنعرف أن اعتقال أنصار فتح فى غزة، وتجريدهم من السلاح واتهامهم بالتجسس، هو رد على حملة الاعتقالات التى شنتها فتح ضد أنصار حماس فى الضفة الغربية، وبررت ذلك بأنهم اعتقلوا لأسباب جنائية تجمع بين الاتجار فى المخدرات والأدوية المغشوشة.. ولنجزم بأن سياسة كل من الطرفين تقوم على تجريد أنصار الطرف الآخر فى «البلد» التى يحكمها من السلاح، حتى لا يستخدمه فى القيام بانقلاب لصالح الطرف الآخر.. وأن الوظيفة الأولى - وربما الوحيدة - للسلاح فى «أيدى الفلسطينيين»، هى حماية الاستقلال بالسلطة.. وليس محاربة العدو، أو تحقيق تحرير فلسطين نفسها. وفى السياق نفسه اشتعلت حرب الملاسنات الفضائية بين «إمارة غزة الإسلامية» و«إمارة رام الله الكافرة» حول قضية أموال إعمار غزة، فالإمارة الإسلامية تطالب بتسليم هذه الأموال إلى الأيدى المتوضئة التى تحكمها، وليس للأيدى الفاسدة التى تحكم رام الله، وإمارة رام الله تؤكد أنها السلطة الشرعية المعترف بها دولياً وعربياً، وتسليم الأموال إلى الانقلابيين يعنى الاعتراف بهم، وتكريس الانقسام الفلسطينى، وهى خناقة حامية لا مبرر لها، فليس لدى حكومة الأيدى المتوضئة مشكلة أموال، ولديها زكائب وأجولة وقفف من الدولارات واليوروهات أشك فى أن لدى حكومة بلد كمصر نصفها، بدليل أنها ستبدأ غداً فى توزيع 28 مليون يورو على المتضررين من العدوان كدفعة أولى. مشكلة الإعمار ليست فى الأموال ولكن فى حديد التسليح، الذى تحظر حكومة العدو الإسرائيلى دخوله إلى غزة حتى لا يستخدم فى بناء الأنفاق على الحدود أو داخل المدن لإخفاء المقاتلين ومنصات الصواريخ وزكائب اليورو، وبصرف النظر عن أن بنوك غزة لا تستطيع تلقى تحويلات مالية إلا عبر بنوك إسرائيل، فإن كل هذه الأموال لا تصلح إلا لتعمير غزة ببناء مساكن من الطين أو أكواخ من البوص. ومعنى الكلام أن مشكلة الإعمار مرتبطة بمشكلة إنهاء الحصار وفتح المعابر، وهو ما يرتبط بإتمام مصالحة وطنية فلسطينية تسفر عن تشكيل حكومة وحدة وطنية من شخصيات مستقلة أو تكنوقراطية على صلة طيبة بكل الأطراف، تعيد توحيد الإمارتين الفلسطينيتين، وتقوم نيابة عن الأيدى المتوضئة، ب«الأعمال القذرة» التى تتعفف عن القيام بها، فتتفاهم مع إسرائيل ومع المجتمع الدولى.. على إنهاء الحصار وفتح المعابر ودخول الأسمنت وحديد التسليح ليأخذ الفلسطينيون هدنة من تكسير العظام.. ما أدهشنى أن يقول خالد مشعل: «إنه على استعداد لإتمام هذه المصالحة الوطنية، ولكن على أساس برنامج المقاومة فى الوقت الذى أعلنت فيه حركة حماس، قبولها وقف إطلاق النار لزمن غير محدد، والذى يعرف الجميع فيه، أن إطلاق صاروخ واحد على البلدات الإسرائيلية، سوف يدفع المجنون «أولمرت» - أو خليفته نتنياهو» فى موكب من 500 طائرة «أباتشى» ليدمر كل ما أعيد تعميره فيها، بدلاً من أن ينفذ وعده لإسماعيل هنية، بأن يرسل له مفتاح القدس مع الجدع ده اللى اسمه «باراك أوباما».. ولو كنت فلسطينياً لرفعت يدى إلى السماء داعياً: اللهم احمنى من أصدقائى.. أما أعدائى فأنا كفيل بهم.