تسعى مجموعة من الدول العربية لعقد قمة طارئة لمناقشة العدوان الإسرائيلى على غزة، على رأسها قطر وسوريا. فى الوقت الذى تتزعم فيه رفض عقد القمة وترى عدم جدواها مجموعة أخرى من الدول على رأسها مصر والسعودية. ولا شك أن الدول الرافضة لانعقاد القمة هى دول تتمتع بحصافة وحكمة تجعلها تدرك أن القمم العربية لا تسفر اجتماعات أصحاب الجلالة والفخامة فيها عن أى شيء له قيمة. لكن الأمر المؤسف هو أن الدول الحكيمة الواعية بعقم اجتماعات القادة العرب فاقدى الإرادة هى نفسها التى شاركت بالسهم الأوفر فى فقدان هذه الإرادة، ولا تعفيها حكمة زعمائها المفرطة من كونها جزءاً أساسياً من مشكلات العرب لا جزء من الحل. ورغم أننى لا أتوقع أى خير عندما يجتمع الزعماء العرب، وأرى أن تشرذمهم رحمة، لأنهم لا يجتمعون إلا بغرض إلحاق الأذى بنا، فإننى أستغرب أن ترفض بعض الدول العربية عقد القمة رغم أنها تشكل فرصة طيبة لخداع شعوبهم والإيحاء بأنهم يفعلون شيئاً. والدول الرافضة اليوم لعقد القمة هى نفسها التى سارعت إلى عقد قمم سابقة فى 24 ساعة عندما شاء الأمريكان والإسرائيليون، مثلما كان الحال عند غزو صدام حسين للكويت عام 90. والقاهرة التى تتدلل اليوم وتضع العقبات فى وجه انعقاد القمة هى التى سبق لها عقد قمة فى شرم الشيخ عام 96 بحضور الرئيس الأمريكى عندما تعرضت إسرائيل لهجمات استشهادية متتالية أسفرت عن مقتل عشرات الإسرائيليين..يومها سارعت مصر إلى نجدة الصديق الصهيونى فوراً ودون تردد. وأتصور أن الدول التى تحاول اليوم تعطيل انعقاد مؤتمر قمة عربى تخشى توجيه انتقادات لها عن موقفها الداعم لإسرائيل، وترى أنه لا محل للمزايدة، فكلهم فى الوكسة سواء والفرق بينهم وبين بعضهم فى مؤازرة العدو ودعمه هو فرق فى الدرجة وليس فى النوع، فهناك من يغلق المعابر فى وجه الفلسطينيين ويمنع رحمة ربنا من الوصول إليهم، وهناك من يضخ أمواله فى شرايين الدولة العبرية، وهناك من يمنح قواعد عسكرية على أرضه تمتلئ بالضباط الإسرائيليين الذين ينالون تدريباً ميدانياً بالذخيرة الحية ساحته الأرض العربية ومموّلوه أثرياء العرب، وضحاياه الأطفال العرب فى العراق وفلسطين! ترتفع الأصوات فى وسائل إعلامنا تتحدث عن المزايدين على موقف مصر، الناكرين لفضلها، ويقولون: إن إيران لم تطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل فكيف لها أن تعطينا دروساً فى الوطنية؟ ويقولون: إذا أراد حسن نصر الله مساعدة غزة فليفتح جبهة للقتال من الجنوب اللبنانى وليحارب إسرائيل بدلاً من خطبه التحريضية. ويقولون أيضاً: إن قادة حماس يختبئون فى ملاجئهم تحت الأرض ويتركون شعبهم يتعرض للدمار. هذا الكلام نقرأه فى الصحف كل يوم للبعض يعيدون فيه ويزيدون. وأخشى ما أخشاه أن يتأثر الجمهور بهذا الكلام الفارغ وقد يجد من يصدقه. على سبيل المثال فحكاية إيران التى لم تطلق رصاصة على إسرائيل هى حكاية مضحكة لفرط مأساويتها، فهل أصبحنا ندعو إيران لتصد العدوان الإسرائيلى لا أقول عن فلسطين وإنما أقول عن رفح المصرية؟، هل نطلب من إيران أن تثأر للجنود المصريين الذين صرعتهم القذائف الإسرائيلية التى انهمرت داخل حدود مصر؟ أم مطلوب من إيران أن تأخذ موقفاً من الإسرائيليين الذين استباحوا مصر وحلقوا داخل الأجواء المصرية لضرب الفلسطينيين. إن إيران دولة تسعى لتحقيق مصالحها هى ولا تعمل لحسابنا نحن أو غيرنا، وإذا اتفقت اليوم مصلحتها معنا وتصادف أن أحد بنود أجندتها يعادى إسرائيل فهل نقبل يدها الممدودة بالسلاح وبالدعم السياسى أم نعاديها ونشتمها لأنها تكتفى بمد المقاومين بالأسلحة ولا تدخل الحرب بدلاً منهم! وهل إذا تهورت ودخلت الحرب (وهو الأمر المستحيل) هل سنؤيدها ونقف معها، أم سنقود تحالفاً ضدها ينتهى باحتلال طهران؟ أما بالنسبة لدعوة السيد حسن نصر الله بأن يذهب لمحاربة إسرائيل، فبالله عليكم هل إذا استجاب الرجل لدعوتكم وقام بقصف إسرائيل كما طلبتم منه، هل تساندونه وتنصرونه وتقفون إلى جانبه أم تتبرأون منه وتنعتونه بالمغامر المتهور الذى سيجلب لبلده الدمار؟ أما بالنسبة لقادة حماس الذين يعيب عليهم الكتاب والصحفيون الأشاوس اختباءهم تحت الأرض، فهل تراكم تعبرون دون قصد عن أمنياتكم بأن تقوم إسرائيل بقتلهم؟ أم أنكم تعتقدون حقاً أن القادة السياسيين والعسكريين يتعين عليهم الخروج بالبنادق فوق أسطح العمارات لتحصدهم أول غارة إسرائيلية وتريحكم منهم؟ إن المرء فى هذه الأيام المأساوية يتمنى من الله صدقاً لو كان يملك جلد خنزير يقيه شر الموصلات العصبية التى تحمل له ألماً لا يطاق، ويتساءل لماذا لم يخلقه الله بليداً مثل نفر منا يشتمون الضحايا ويحملونهم المسؤولية ويلتمسون الأعذار للقاتل، ويمسكون عن الحديث عن الجنود المصريين الذين قصفتهم إسرائيل، ويتسلون بمشاهدة الطفل الفلسطينى الذى فقأت إسرائيل عينيه وحرمته من نور البصر دون أن يندفع شلال الدمع من أعينهم التى زاغت، ودون أن تتحرك ضمائرهم التى تعفنت من فرط الحكمة!