يقترب عدوان غزة من نهايته، ونقترب نحن من أزمة كبرى سوف تطول كل بيت، ولاتزال الحكومة تتكلم عنها برفق وحياء، وكأنها أزمة تخص موزمبيق، مع أن التقديرات الأولية، التى يعرفها أهل الشأن، تقول إن 400 ألف مواطن سوف يفقدون أعمالهم، مع نهاية فبراير وأول مارس المقبل، وسوف يجدون أنفسهم على الرصيف، بلا عمل ولا أمل، وساعتها سوف يكون كل واحد فيهم مسؤولية الحكومة، وليس مسؤولية أى جهة أخرى.. وهناك تقديرات موازية تقول إن عددًا مماثلاً من المصريين سوف يفقد عمله فى الدول العربية، وسوف يعود هو الآخر يناكف فى الحكومة، وتناكف هى فيه، ويطالبها بوظيفة، وما نعرفه أن 425 ألف أمريكى قد فقدوا وظائفهم فى ديسمبر الماضى فقط، وتقول تقديرات منظمة العمل الدولية إن معدل البطالة فى الولاياتالمتحدة، سوف يبلغ فى العام الحالى، مستوى لم يصل إليه منذ الحرب العالمية الثانية عام 1945، وأن عدد العاطلين فى العالم سوف يكون عند حدود 215 مليون بنى آدم، مع نهاية العام ذاته، من بينهم 14 مليون عربى، ولنا أن نتخيل نحن فى مصر، نصيبنا فى هذا الرقم! ولا نريد أن تفاجئ الأزمة حكومتنا، عند باب البيت، كما حدث مع أزمة الغذاء خلال الصيف الماضى، فارتبكنا أمام الدنيا كلها، وتصرفنا بمنطق رد الفعل وليس الفعل نفسه، وصرنا فرجة على الفضائيات! ونريد أن يكون هناك إجراء استباقى تجاه الموضوع، يبدأ من هذه اللحظة، ويستمر إلى نهاية الأزمة، ويبقى السؤال على النحو الآتى: لماذا لا تفكر الحكومة، منذ الآن، فى إنشاء صندوق خاص بضحايا الأزمة، بحيث يساهم فيه القطاع الخاص والحكومة، سواء بسواء، وتكون مهمته المحددة صرف إعانة شهرية لكل ضحية من هؤلاء، إلى أن نجتاز شهور أو حتى سنوات الأزمة، وعندها سوف يصدر قرار بحل الصندوق، كما كان قد نشأ بقرار، يقرأ المستقبل ويعمل عليه! وأغلب الظن أن هذه فكرة تستحق من الحكومة أن تفكر فيها منذ الآن، إن لم تكن تفكر فيها فعلاً، فالوقت متأخر ولا يحتمل الانتظار، وما بيننا وبين عمق الأزمة لا يزيد على رمية حجر! وميزة هذه الفكرة أنها سوف تحصر أثر الأزمة علينا فى ركن محدد، وسوف نكون وقتها أقدر على التعامل معها أياً كان حجمها، وسوف يكون متاحاً فى النهاية، وبعد زوال الأثر، أن تستعيد الشركات والمصانع عمالها الذين استغنت عنهم تحت وطأة وثقل الأزمة، وسوف يسهم إنشاء صندوق من هذا النوع فى إضفاء وجه إنسانى على الرأسمالية المصرية، لابد أن يكون موجوداً بالضرورة، خصوصاً فى لحظات حرجة كهذه، وسوف.. وسوف، إلى آخر ما يمكن أن تؤدى إليه مثل هذه الخطوة، حين نتخذها متطوعين مبكراً، قبل أن تفرضها الظروف علينا فرضاً، وقبل أن نفاجأ بأن الأزمة من أمامنا، وضحاياها من ورائنا، فيتوقف العقل عن التفكير! مرة أخرى.. وعاشرة.. بيدنا لا بيد الأزمة!