كانت الأجواء تنبئ بوقوع شىء ما، ربما اجتياح أو قصف إسرائيلى اعتاده الفلسطينيون وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية، وتقارير صحفية عربية ومصرية، تتحدث عن التهدئة، وعناوين الصحف المصرية الرسمية تؤكد رضوخ إسرائيل للمطالبات المصرية بعدم شن هجوم عسكرى على غزة، إلا أن مواطنى غزة انتابتهم حالة ترقب حذر. جاء السبت الماضى لينهى حالة الترقب، وتصحو غزة على صواريخ طائرات «إف 16» و«الأباتشى» ويفقد «محمد زكى جبر»، ابن حى الزيتون، ساقه وتخترق الشظايا جسده وتتضاءل آمال «جبر رمضان» 76 عاماً، فى إنقاذ حفيده «محمد»، أحد ضحايا اليوم الأول للهجوم الإسرائيلى أو «السبت الدامى»، كما يطلق عليه، فالأسرة لا تكفى الجرحى والشهداء. ويعقد الجد العجوز الأمل على مصر، ويصر على اصطحاب حفيده للعلاج بمستشفياتها ليستقبله مستشفى «معهد ناصر»، فى الساعات الأولى من صباح أمس، بعد رحلة شاقة استمرت لأكثر من 5 ساعات، نقلتهم خلالها سيارات «الإسعاف الطائر» التى انتشرت قرب معبر رفح منذ اللحظات الأولى لبدء الهجوم الإسرائيلى. كانت إدارة المستشفى جاهزة لاستقبال الجرحى منذ السبت الماضى، ورفعت حالة الاستعداد القصوى منذ العاشرة مساء أمس الأول، بعد إبلاغها بتحرك 10 سيارات إسعاف «طائر»، مجهزة من العريش، تحمل مصابين فلسطينيين. توافدت سيارات الإسعاف أمام مدخل الطوارئ منذ الثالثة صباح أمس، ليستقبل فريق الأطباء الجرحى الفلسطينيين وتكسوهم مظاهر البتر والتشوهات والجروح الغائرة، والضمادات وتوصيلات الأجهزة الطبية. فى ساحة الاستقبال، وقف مرافقو الجرحى يتصلون بذويهم فى غزة للاطمئنان عليهم، فيما ارتسمت علامات الإرهاق على أوجه المسعفين وسائقى الإسعاف، وخرجت صرخات «حمودة محمد أحمد شلدان» لتهز أرجاء المكان، وهرع الأطباء والممرضون إليه، وقدموا له الرعاية المطلوبة، خاصة أن أنحاء جسده تكسوها الإصابات الغائرة، بعد أن سقط بين عشرات الجرحى والقتلى، أمام مقر معسكر الجوازات، إثر انفجار صاروخ أطلقته طائرة «إف 16» إسرائيلية بالقرب منهم. من لم يسقط ضحية صواريخ «إف 16» و«الأباتشى»، أو دانات دبابة «الميركافا»، أسقطته صواريخ «طائرات دون طيار»، أو «الطنانة» كما يصفها «نضال عبدالعزيز فضل» 21 عاماً، الذى كان فى طريق عودته من حطام منزل أقاربه بعد الاطمئنان عليهم صباح الأحد الماضى، عندما فوجئ بطائرة «دون طيار» تطلق عليه صاروخاً، دمر «الفيسبا» التى يركبها وأصابه بجروح بالغة فى ساقه اليمنى. بحلول التاسعة من صباح الأحد، تلقى «عبدالعزيز فضل» نبأ إصابة ابنه «نضال»، وذهب يبحث عنه بين مئات الجرحى فى مستشفى «كمال عدوان» بغزة الذى لم يكن جاهزاً لاستقبال الجرحى. ويضيف: «لم أجد أمامى سوى مصر وفوجئت بطائرات إف 16 والأباتشى تطلق نيرانها باتجاه الحدود، فحدثت حالة من التوتر الشديد والتدافع وقررت العودة بابنى إلى القطاع، إلى أن عبرت الحدود صباح الاثنين، ليحصل ابنى على الرعاية الطبية فى مصر». المصابون وذووهم أثنوا على الجهود التى بذلتها الأطقم الطبية وأعربوا عن رغبتهم فى فتح المعابر، ومساعدة قطاع غزة، ورفع الحصار عنه، وكان من بين المصابين الذين استقبلهم المستشفى حتى السادسة من صباح أمس: محمد زكى جبر رمضان، أحمد عثمان حسن الخطيب، زينة عزت نصرالله، شكرى محمد موسى، مازن عبدالفتاح البحطيطى، رمضان خالد العفش، زيدان محمد أبوحمامة، نضال عبدالعزيز فضل، سامى صالح عبداللطيف، حمودة محمد أحمد شلدان. من جانبه قال الدكتور بهاء أبوزيد، مدير عام مستشفى معهد ناصر، إن الجرحى مصابون بجروح وإصابات متفرقة، وتهتك فى الأنسجة، وكسور، وبعض حالات البتر، إضافة إلى حالة انفصال فى الشبكية وتشوهات، نتيجة الصواريخ والانفجارات.