تريد نصيحتى: لا تحقد ولا تشمت ولا تسمح لانفعالك أن يكون مجانياً أو يأخذك إلى شخص خطأ. استخدم حقك أولاً، ثم عقلك، لتعرف بالضبط من هو عدوك: الرئيس أم الحكومة أم الحزب أم رجال الأعمال أم المثقفون.. أم أنك عدو نفسك؟ لكنك لا تعرف أو لا تريد أن تعترف. قف قليلاً لتتأمل وتفهم، وبلغة صلاح جاهين: «ارفع غماك يا تور وارفض تلف.. اكسر تروس الساقية واشتم وَتِف». أو افهم بإحساسك مادمت تقول إنك فى «قلب الحالة»، وأنك «مجنى عليك»، أو خذ حقك بقوة القانون لا بقوتك أنت، ثم افهم على مهلك، وبلغة صلاح جاهين أيضاً: «خوض معركتها زى جدك ما خاض.. صالب وقالب شفتك بامتعاض».. المهم: لا تكن سلبياً زيادة فتموت «فطيس»، ولا إيجابياً زيادة فتنفجر فى وجوه الواقفين حولك ووراءك وإلى جوارك. سأقربها إليك: أنا مثلاً لم أقرأ أو أسمع تعريفاً علمياً أو أكاديمياً قاطعاً لمصطلح «حراك سياسى واجتماعى».. هو شكله فى الكتابة حلو، وجرسه الموسيقى أحلى، وإحساسى يقول إنه توصيف ل«حالة» سياسية واجتماعية نشطة، يفترض أن تؤدى إلى «تغيير ما» - كلى أو جزئى - ولها أسبابها بطبيعة الحال، لكننا نضرب كفاً بكف، ونسأل أنفسنا منذ نحو عشر سنوات: لدينا «حراك» يكاد يمزق أحشاء البلد، ومع ذلك لا شىء يتغير، فأين الخلل؟ الإحساس هنا لا يكفى، وقد لا يفيد، لا لأن الفرق بين «الحراك» و«العراك» حرف، بل لأن الإجابة عن سؤال «أين الخلل؟» تتطلب أولاً تفكيك هذا «الحراك» إلى عناصره الأولية: النظام والنخبة والمواطن (ولا رابع سوى يد القدر)، وتتطلب ثانياً تأمل كل عنصر فى ضوء علاقته بالعنصرين الآخرين. وأزعم أننى ككثيرين غيرى، تأملت، وكانت النتيجة بعد كل مقال أو حتى نقاش بيزنطى: لن يحدث تغيير، لأن العناصر الثلاثة فى الحقيقة لا تتصارع، أو هى توافقت على حدود صارمة للصراع، بحيث يبقى كل عنصر آمناً فى موقعه. فالمواجهة بين المواطن والنظام لا ينبغى أن تتجاوز دروع وخوذات عساكر الأمن المركزى. . والمواجهة بين النخبة والنظام لا ينبغى أن تتجاوز صفحات الصحف وبرامج التوك شو (هى فى الحقيقة مواجهة بين فصيلين من النخبة، أحدهما يمثل المواطن والآخر يمثل النظام، لكن المؤسف أن النظام هو الذى يدفع أتعاب الاثنين سراً وعلناً!). أما علاقة المواطن بالنخبة فملتبسة إلى حد كبير: هى ليست صراعاً ولا مواجهة، بل تجاهل وعدم ثقة من قبل المواطن، تقابلها مزايدة ومتاجرة من قبل النخبة. السؤال بعد ذلك: أيهم ضحية؟ ستقول: «المواطن» طبعاً، وأنا أوافقك، لكننى سأضيف إليك أن المواطن هو الذى اختار، بكامل إرادته، موقع الضحية واستمرأه، وهو الذى وضع مصيره «طازجاً» بين شاطر ومشطور، فكان لابد أن يؤكل. أوافقك، لكننى أسألك: ألا يعرف المواطن أن النظام يحتقره، وينفيه، ويتفرج عليه وهو يأكل بعضه بعضاً، ويقتل بعضه بعضاً، ويسرق بعضه بعضاً، وكلما شخص أو التفت إليه ليحاسبه، أعطاه كارثة أو فضيحة «يتلهى فيها ويحل عن دماغه».. وما أكثر كوارث الحكومة، والكروت والملفات الجاهزة ل«الحرق» فى أمانة الحزب! ألا يعرف المواطن أن النخبة.. «لا بتحبه ولا بتقدر على بعده»، وأنها تقرف منه وتخاف من أن ينتفض فلا يجد سوى يابسها وأخضرها، لأن خصومه الحقيقيين ركبوا طائراتهم الخاصة وفروا إلى حيث خبأوا زلعهم، وجواريهم، وكلابهم، وأدلة جرائمهم! ألا يعرف المواطن أن النظام هو الذى حوّل حياته إلى محتوى مخيف، وأن النخبة بدورها حولت هذا المحتوى إلى فولكلور تنال به حسنيين: فلوس.. ونضال! إذا كان عارفاً وساكتاً فهو يستحق الاثنين: هذا النظام وتلك النخبة. أما إذا لم يكن يعرف، فليسمح لى بأن أحيله إلى «زوربا»، يقول لأستاذه فى رواية «كازانتزاكس» الشهيرة: «أنت تريد أن تنير الشعب كما قلت وأن تفتح عيونه. دع الناس مطمئنين أيها الرئيس. لا تفتح أعينهم. إذا فتحت أعينهم فما الذى سيرون؟.. بؤسهم!. دعهم إذن مستمرين فى أحلامهم.. إلا إذا كان لديك عندما يفتحون أعينهم عالم أفضل من عالم الظلمات الذى يعيشون فيه الآن.. ألديك هذا العالم؟».