لا أحد يعرف حتى الآن، ما هى طبيعة التعديلات التى سوف تدخلها الحكومة على قانون مجلس الشعب، بعد أن وافق المؤتمر الأخير للحزب الوطنى على تخصيص مقاعد للمرأة، اللهم إلا التأكيدات التى وردت على لسان الرئيس مبارك بأن هذه المقاعد لن تكون خصماً من المقاعد الحالية وعددها 444 مقعداً بل ستكون إضافة لها، فى محاولة لطمأنة نواب الحزب الحاليين، إلى أن مقاعدهم - ومقاماتهم - محفوظة، حتى لا يعارضوا الفكرة، ويعرقلوا تنفيذها. كل ما رشح - بعد ذلك - عن هذا الموضوع، هو الإشارات التى قالت إن من بين الخيارات المطروحة إضافة 56 مقعداً للمرأة، بواقع مقعدين لكل محافظة، ليصل عدد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين إلى 500 عضو، فضلاً عن الأعضاء العشرة، الذين يعطى الدستور للرئيس حق تعيينهم، وهو خيار لا يمكن تنفيذه مع التمسك بالنظام الحالى للانتخابات بالدوائر الفردية، إلا بإجراء عمليتين انتخابيتين منفصلتين، تقسم البلاد فى الأولى إلى 222 دائرة طبقاً للتقسيم الحالى، ويجرى خلالها انتخاب عضوين عن كل دائرة، أحدهما من العمال والفلاحين، لاختيار ال 444 عضواً، بينما تقسم البلاد فى العملية الانتخابية الثانية إلى 56 دائرة فقط، بواقع دائرتين لكل محافظة ويقتصر الترشيح فيها على النساء المتنافسات على المقاعد المخصصة للمرأة. ومن بين التعقيدات الأخرى التى تترتب على الأخذ بهذه الفكرة، أن إجراء الانتخابات على دوائر المرأة فى دوائر متسعة، تشمل كل منها نصف محافظة، ومئات الآلاف من الأصوات، يكبد المترشحات منهن ما لا طاقة لهن به، سواء من حيث القدرة على التواصل مع الناخبين فى مساحات جغرافية شاسعة، أو من حيث القدرة على تغطية نفقات الدعاية الأخرى. والحقيقة أن تخصيص مقاعد للمرأة فى مجلس الشعب، الذى جرى قبل ذلك مرتين فى انتخابات عامى 1979 و1984 - وقد أجريت الأولى بنظام المقعد الفردى، والثانية بنظام القائمة الحزبية النسبية - قد ارتبط بانتقاء دائرة أو أكثر فى كل محافظة - تقع غالباً فى عاصمتها - تتنافس فيها النساء على المقاعد المخصصة لهن.. دون بقية الدوائر فى المحافظة ذاتها، خاصة الدوائر التى يغلب عليها الطابع الريفى، والغالب أن هذا هو الاتجاه الذى ستأخذ به الحكومة! لكن تعديلات قانون مجلس الشعب لا ينبغى أن تقتصر على النصوص الخاصة بعدد الأعضاء، وإجراءات انتخابات النسبة المخصصة للنساء، بل لابد أن تشمل - كذلك - كثيراً من النصوص التى يتضمنها هذا القانون، وعلى رأسها الأخذ بنظام انتخابى جديد، غير النظام الفردى المعمول به الآن، الذى يهدر نصف أصوات الناخبين، خاصة بعد أن حررت التعديلات الدستورية الأخيرة المشّرع من العقبات الدستورية، وأجازت له أن يأخذ بالنظام الانتخابى الذى يحدده بما يكفل تمثيل الأحزاب السياسية، وأن يجمع بين النظام الفردى والقوائم الحزبية بأى نسبة بينهما يحددها. أما الذى لا يجوز أن يفلت من التعديل فهو قانون مباشرة الحقوق السياسية، وهو القانون الذى ينظم إجراء عملية التصويت فى الانتخابات العامة، وهى عملية تتطلب إصلاحاً وتحديثاً شاملاً، لسد الثغرات الكثيرة، التى تفتح الباب للتلاعب فى إرادة الناخبين، وعلى رأسها جداول الانتخابات العامة، التى تزدحم بعشرات الآلاف من الأخطاء فى أسماء المقيدين بها، وبمثلها من الأسماء المكررة، فضلاً عن أسماء الموتى والمهاجرين. ومنذ ما يقرب من ثلاثين عاماً، وأحزاب المعارضة تطالب بمراجعة هذه الجداول وتنقيتها بحيث تصبح صورة دقيقة لمجتمع الناخبين، وتقلل من المصاعب الجمة، التى يتعرضون لها عند الإدلاء بأصواتهم، مما يدفعهم للعزوف عن المشاركة فى الانتخابات العامة، وبتنظيم العملية الانتخابية بطريقة عصرية تؤدى إلى أن يعرف كل ناخب مكان اللجنة التى يدلى فيها بصوته فى كل الانتخابات والاستفتاءات، ويؤدى واجبه الانتخابى بسهولة ويسر.. وفى كل مرة كانت الحكومة تعتذر بأن تنقية الجداول الانتخابية بعد أن ارتفع عدد المقيدين فيها إلى 32 مليون ناخب - عملية صعبة وتتطلب إمكانيات هائلة، وأنها سوف تنقى هذه الجداول بمجرد الانتهاء من مشروع الرقم القومى. أما وقد انتهى أخيراً مشروع الرقم القومى وأصبح كل مواطن يحمل بطاقة إلكترونية تشمل كل البيانات الخاصة به، بما فى ذلك البيانات الخاصة بموطنه الانتخابى، فقد آن الأوان لتنقية جداول الانتخاب، ولإجراء الانتخابات العامة المقبلة فى عام 2010، بأسلوب عصرى يسد الثغرات، التى ينفذ منها المتلاعبون بنتائج هذه الانتخابات، ويكفل لها حداً أدنى من النزاهة! هذا بالطبع إذا كانت الحكومة ترغب فى سد هذه الثغرات وهو ما أشك فيه!