نخطئ عربياً إن نظرنا إلى فوز أوباما بالانتخابات الرئاسية الأمريكية فقط من خلال عدستنا الإقليمية، أو حاولنا اختزاله فى بحث متعجل بحدود التغير المحتمل فى سياسات واشنطن الشرق أوسطية. ثمة معانٍ إنسانية فارقة لفوز أوباما، علينا أن نتدبرها قبل الاندفاع نحو القراءة الإقليمية للحدث. مجدداً، وظَّف المجتمع الأمريكى حيويته المبهرة وقناعاته الليبرالية لتغيير وجهته والانقلاب انتخابياً على السياسات والممارسات اليمينية المتطرفة، التى ورطته داخلياً وخارجياً فى سلسلة من الأزمات غير المسبوقة، وأفقدت نموذج الحياة الأمريكى توازنه وإنسانيته وبريقه العالمى. اختار الأمريكيون أن يودّعوا عهد المحافظين الجدد واليمين الدينى الأصولى وعتاة المغرمين بالقوة العسكرية الأمريكية فى لحظة واحدة، وبصورة حاسمة، عبر الإتيان بالمرشح ذى الأصول الأفريقية إلى سدة الحكم، ومنحه ما يحتاج من تفويض شعبى لإنجاز التغيير المطلوب. هنا جوهر الحدث، ومعناه الإنسانى الأهم الدال على مجتمع أمريكى يبحث عن إعادة اكتشاف قناعاته الليبرالية، ويتخلص - فى سياق هذا البحث - من عقيدة الخوف، التى صاغها بوش ومَنْ معه فى أعقاب الحادى عشر من سبتمبر 2001، ومكنتهم من البقاء بالبيت الأبيض لأعوام ثمانية، بل وتقفز أغلبيته على مخاوفها التقليدية بانتخاب المرشح ذى الأصول الأفريقية والخلفية الأبوية الإسلامية. دعونا - كعرب - نأخذ خطوة إلى الوراء، ونتدبر فى هذه المعانى، ونعترف للمجتمع الأمريكى بجرأته على التغيير، وقدرته على ممارسته ديمقراطياً فى لحظة عالمية مليئة بالتراجعات. وبعيداً عن مجتمعاتنا العربية التى ما لبثت عاجزة عن صياغة علاقة متوازنة بين أغلبياتها وأقلياتها، وتغيب عن مشهدها السياسى فى الأغلب الأعم اختيارات المواطنين، تعانى مجتمعات الغرب الأوروبى، التى استقرت ديمقراطيتها، من معضلات عديدة، كعزوف المواطنين عن المشاركة، وفقدان السياسة مصداقيتها، واستمرار التهميش السياسى النسبى للأقليات - أولا تبدو اليوم إمكانية وصول مواطن أو مواطنة من أصول عرقية غير بيضاء ودينية غير مسيحية إلى موقع القيادة السياسية فى بريطانيا وفرنسا وألمانيا بمثابة المستحيل المرفوض مجتمعياً، بل غير المطروح كأمل مستقبلى على الضمير الجمعى هناك؟ واجبنا نحن العرب، ومعنا غيرنا من الشعوب المفتقدة للديمقراطية، التى تحدد مصائرها نخب حاكمة لا تملك لمحاسبتها سبيلاً أن نتأمل ملياً فى حيوية الديمقراطية كنموذج وعظمة آليات التصحيح الذاتى، التى تتيحها للمواطنين حين يستفيقون للحظات، وإن بعد سبات طويل. فى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات أخطأنا فى اختزال قراءة انهيار الاتحاد السوفييتى والمعسكر الاشتراكى إلى سلسلة من التوقعات السطحية حول تداعيات الحدث الدولية والإقليمية، دون بحث فى التساؤلات الكبرى، التى طرحها انهيار نظم قمعت الحرية الفردية وأرادت، بعنف بالغ، خلق مجتمعات لا اختلافات ولا تفاوتات بها فتناهت إلى كيانات مفككة لا رابط يجمعها. ومع بداية الألفية الجديدة تخاذلنا جماعياً عن ممارسة نقد ذاتى واجب بعد أحداث سبتمبر 2001، إن بتحميل الآخر المسؤولية، فى سياق خطاب مظلومية لا عقلانى الجوهر وشمولى الروح أو بنزوع مريض نحو نظريات مؤامرة ألهتنا عن خطايانا. فهل ننجح، اليوم فى التوقف أمام حدث انتخاب أوباما رئيساً للولايات المتحدة، ونعيد النظر بعدسة أمريكية رائعة الرونق فى واقع دولنا ومجتمعاتنا، ونبحث لنا عن مخارج ربما قاربت بيننا وبين الجوانب المشرقة فى الحضارة الإنسانية؟