غدا.. "الوطنية للانتخابات" تعقد مؤتمرا صحفيا لإعلان نتائج الجولة الأولى من انتخابات النواب    تعليمات حاسمة لمديري المدارس بمتابعة التقييمات وسجلات رصد الدرجات بالفيوم    شروط استحقاق حافز التدريس للمعلمين    انطلاق المفاوضات الحكومية المصرية الألمانية لتعزيز الشراكة الاقتصادية الأسبوع الجاري في برلين    مفتي الجمهورية يعزي أسر المعتمرين الهنود المتوفين قرب المدينة المنورة    الدفاع المدني بقطاع غزة: جهود مصرية كبيرة لاحتواء تداعيات موجة المطر    بركلات الترجيح.. مصر تنتزع برونزية بطولة العين من كاب فيردي    محمد صبرى بكل هدوء    مصرع عامل وطفلة في سمالوط صعقًا بالكهرباء في حادثين منفصلين    ارتفاع تدريجي في الحرارة.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الثلاثاء 18 نوفمبر 2025    جهود مكثفة لكشف ملابسات العثور على جثة شخص فى حلوان    تأجيل محاكمة 29 متهما بقضية خلية العملة لجلسة 3 فبراير    "ترندي" يسلط الضوء على لقاء مجدي يعقوب ومحمد صلاح والحالة الصحية لعمر خيرت    حماة الوطن: توجيهات الرئيس السيسى بشأن الانتخابات ترسخ لسيادة القانون    أن تسلبك إسرائيل وظيفتك الصحفية    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة بالغربية    «ويبقي الأثر»، مدحت صالح يختتم مؤتمر انتخابي لحماة الوطن بالقليوبية    قطع الكهرباء عن عدة مناطق ببني سويف غدًا لهذا السبب    بالصور.. جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تنظم ندوة "عودة الوعي الإسلامي الرشيد لشباب الجامعات" بحضور مفتي الجمهورية    وزير الصحة يبحث مع معهد NICE تطوير منظومة تقييم التكنولوجيا الصحية    الحكومة تدرس مقترح بتشكيل لجنة لتعزيز الهوية الوطنية بالمناهج الدراسية    غيرت عملة لشخص ما بالسوق السوداء ثم حاسبته بسعر البنك؟ أمين الفتوى يوضح    مواصفة امتحان اللغة الإنجليزية لطلاب الإعدادية للفصل الدراسي الأول    كيف تغير الموسيقى مزاجك؟.. دليلك لاختيار الأغاني المناسبة    "هنو" و"حبشي" يتفقدان قصر ثقافة بورسعيد للوقوف على الأعمال المطلوبة لتطويره    نائب محافظ الدقهلية يتفقد مدينة جمصة والمنطقة الصناعية    وزيرة التضامن ومحافظ الفيوم يتفقدان مشروع خدمة المرأة العاملة بالحادقة    "من أجل قلوب أطفالنا"، الكشف الطبي على 288 حالة في مبادرة جامعة بنها    رئيسة وزراء بنجلاديش السابقة تعقب على حكم الإعدام.. ماذا قالت؟    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء اللجنة الاستشارية للشئون السياسية    صادرات مصر من السلع نصف المصنعة بلغت 868.7 مليون دولار خلال يوليو 2025    مولاي الحسن يحتضن مباراة الأهلي والجيش الملكي    هبوط المؤشر الرئيسى للبورصة بنسبة 0.35% بختام تعاملات جلسة الإثنين    شيخ الأزهر يستقبل وزير التعليم العالي التشادي ويناقشان تعزيز التعاون الدعوي والعلمي    شاهد مناورة ودية.. "بث مباشر" مباراة مصر والجزائر اليوم الاثنين 17 نوفمبر 2025    المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية في التحقيقات : صليت العصر وروحت أقتله    مجمع البحوث الإسلامية يطلق مسابقة ثقافية لوعاظ الأزهر حول قضايا الأسرة    الجيش الملكي يعلن تغيير ملعب مباراته أمام الأهلي.. اعرف السبب!    الكرة النسائية l مدرب نادي مسار: نستهدف التتويج برابطة أبطال إفريقيا للسيدات    وكيل تعليم بني سويف تتابع انتظام الدراسة بمدارس المحافظة    انسحاب مئات العناصر من قوات الحرس الوطني من شيكاغو وبورتلاند    توم كروز يتوّج ب أوسكار فخري بعد عقود من الإبهار في هوليوود    أبو الغيط: الحوار العربي- الصيني ضرورة استراتيجية في مواجهة تحولات العالم المتسارعة    مصلحة الجمارك: منظومة ACI تخفض زمن الإفراج الجمركي جوا وتقلل تكاليف الاستيراد والتصدير    موعد قرعة الملحقين الأوروبي والعالمي المؤهلين ل كأس العالم 2026    محافظ كفر الشيخ: الكشف على 1626 شخصا خلال قافلة طبية مجانية فى دسوق    إعادة الحركة المرورية بعد تصادم بين سيارتين على طريق "مصر–إسكندرية الزراعي"    جاتزو بعد السقوط أمام النرويج: انهيار إيطاليا مقلق    كوريا الجنوبية تقترح محادثات مع نظيرتها الشمالية لترسيم الحدود    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا .. تفاصيل    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    وزير الصحة يشهد الاجتماع الأول للجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض.. ما نتائجه؟    «العمل» تكثف التفتيش على 668 منشأة وتمهلها لتصويب العقود    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    لأول مرة منذ 7 سنوات.. محمد بن سلمان يزور واشنطن للقاء ترامب    أحمد سعد: الأطباء أوصوا ببقائي 5 أيام في المستشفى.. أنا دكتور نفسي وسأخرج خلال يومين    رئيس شعبة الذهب: البنك المركزي اشترى 1.8مليون طن في 2025    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن أوباما – حدود التغيير
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 06 - 2010

أجاد الرئيس الأمريكي أوباما في توظيف الأيام الأولى لولايته لصناعة صورة لدور وسياسة القوة العظمى تجاه الشرق الأوسط مغايرة عن تلك التي خلفتها سنوات بوش بحروبها الاستباقية ومغامراتها العسكرية واستهزائها الشديد بقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان.
أصدر أوباما أوامرً تنفيذيةً بمعاملة معتقلي جوانتانامو وفقاً للمواثيق الدولية (معاهدات جنيف) وبتعليق محاكماتهم الاستثنائية لأشهر أربع تراجع خلالها أساليب التقاضي المتبعة إزائهم ضماناً لاحترام حكم القانون وبالإغلاق النهائي للمعتقل بداية عام 2010 وكذلك بإلزام وكالات الاستخبارات الأمريكية بإغلاق السجون السرية لمعتقلي الحرب على الإرهاب خارج الولايات المتحدة وباحترام مبادئ حقوق الإنسان.
وجه أوباما أيضاً القيادة العسكرية للجيش الأمريكي في العراق إلى دراسة خطط للانسحاب السريع وفقاً لوعده الانتخابي القاضي بإنجاز انسحاب خلال 16 شهراً كما عين السيناتور السابق جورج ميتشيل مبعوثاً رئاسياً لقضايا السلام في الشرق الأوسط وأرسله سريعاً في جولة استكشافية للمنطقة بعد محادثات هاتفية مع عدد من الرؤساء والملوك.
وتواكب مع هذه الفاعلية التنفيذية دبلوماسية عامة نشطة وجذابة للإدارة الجديدة قلبها أحاديث وتصريحات أوباما المتتالية حول أهمية تطوير علاقة إيجابية بين واشنطن والعالم العربي-الإسلامي تستند إلى الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
ولا شك أن حوار أوباما الطويل نسبياً (17 دقيقة) مع فضائية العربية قبل أيام قليلة جاء الأكثر شمولاً وتكثيفاً لكونه تطرق به إلى كل القضايا الناظمة للدور والسياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. هنا تدلل القراءة التحليلية لنص الحوار على حضور خمس نقاط ارتكاز أساسية تصاغ استناداً إليها الصورة المغايرة للولايات المتحدة:
1. اعتماد الأداة الدبلوماسية كإطار رئيس لممارسة الدور وتنفيذ السياسات الأمريكية والانفتاح تفاوضياً على جميع الأطراف الإقليمية الفاعلة بالشرق الأوسط ومن بينها تلك الدول التي وضعتها إدارة بوش مراراً وبمنطق إقصائي في خانة أعداء واشنطن وعلى رأسها إيران وسورية.
2. التشديد على رغبة القوة العظمى في الإصغاء إلى رؤى الأطراف الإقليمية والبحث عن القواسم المشتركة ومساحات التوافق معها وعلى كون الإدارة الجديدة عازمة على التخلي عن نهج بوش المتمثل في الفرض القسري للرؤية الأمريكية على المنطقة ("الشرق الأوسط الكبير" بين 2003 و2005 متبوعاً "بالشرق الأوسط الجديد" منذ 2006) والإصغاء أحادي الاتجاه إلى طرف وحيد هو إسرائيل.
3. العمل على إنتاج مقاربة متكاملة إزاء قضايا وأزمات الشرق الأوسط تربط الولايات المتحدة في سياقها بين ملفات الصراع العربي-الإسرائيلي (عملية السلام في لغة واشنطن السياسية) ومستقبل العراق وأمن الخليج والأمور العالقة بينها وبين إيران وسورية ومكافحة الإرهاب، وهو ما يشكل انقلاباً بيناً على نزوع إدارة بوش الأولى والثانية للفصل بين الملفات الإقليمية والتعاطي مع بعضها وكأنها بمثابة جزر منفصلة لا علائق بينها والتهميش التام للبعض الآخر.
4. التفرقة فيما خص الحرب على الإرهاب بين دوائر ثلاث خلطت إدارة بوش دوماً بينها وطالب حلفاء الولايات المتحدة قبل أعدائها بأهمية مقاربتها بأساليب متباينة على نحو سيرشد حتماً من الممارسات الأمريكية في هذا المجال ويحول دون الربط بين الإسلام والإرهاب. وفي حين تقتصر أولى هذه الدوائر على تنظيم القاعدة وما عداه من تنظيمات إرهابية أخرى تتقاطع معه تنظيمياً في بعض الساحات وتتمايز عنه في غيرها ويوحدها جميعاً العداء للقوة العظمى والرغبة في تهديد مصالحها وتلك ستتعامل معها إدارة أوباما بنهج المواجهة الأمنية والعسكرية والضربات الاستباقية المحدودة في استمرارية واضحة مع نهج الإدارة السابقة وإن رشد ذلك جزئياً في ظل التزام حد أدنى متوقع من الجيش والاستخبارات الأمريكية بمبادئ حقوق الإنسان، تتسع الدائرة الثانية لتشمل القوى والتنظيمات الفاعلة في الشرق الأوسط التي ترى في واشنطن عدواً محتملاً لها أو تمتلك رؤيةً مغايرةً لرؤيتها حول كيفية إدارة شئون وصراعات المنطقة إلا أنها تنبذ استخدام العنف ولا تهدد المصالح الأمريكية.
إزاء هذه القوى والتنظيمات، وفي موقع القلب منها حركات الإسلام السياسي غير العنفية، ستتبع إدارة أوباما مقاربة غير صراعيةً تعترف بنقاط الاختلاف الجوهرية معها دون أن تناصبها العداء بإدراجها كأطراف في الحرب على الإرهاب. أما الدائرة الثالثة والأخيرة فهي ملك للمسلمين من مواطني المجتمعات العربية والإسلامية وعليهم تريد الإدارة الجديدة أن تنفتح بخطاب علني متوازن يركز على احترام الإسلام ويرفع عنهم عبء التوصيف كأعداء محتملين للولايات المتحدة فقط لكونهم مسلمين. وقد جاءت صياغة أوباما لهذه الأفكار شديدة الدقة في حواره مع العربية؛ "ستكون إدارتنا حاسمة في التمييز بين منظمات كالقاعدة تعتنق العنف والإرهاب وتوظفهما وأولئك الذين قد يختلفون مع إدارتي وبعض أفعالها أو قد يمتلكون رؤيةً خاصةً بشأن الكيفية التي يتعين على مجتمعاتهم أن تتطور في سياقها. مع هؤلاء سنختلف ولكن باحترام متبادل. بالمقابل لا أستطيع أن احترم منظمات إرهابية تقتل الأبرياء وسنستمر في مطاردتهم. أما العالم الإسلامي الواسع فسنمد له يد الصداقة".
5. الابتعاد في الخطاب العلني لإدارة أوباما وفي أحاديث المسئولين الأمريكيين عن استخدام مفاهيم ومفردات لغوية سيئة السمعة دأبت إدارة بوش، عمداً أو بغير وعي، على التعويل عليها كالفاشية الإسلامية والإرهاب الإسلامي والحرب الصليبية على الإرهاب واستعدت بذلك قطاعات واسعة من العرب والمسلمين على القوة العظمى التي بدت وكأنها تقود حرباً ضد الإسلام.
ثم يكمل هذه الحساسية الأولية، وهي بكل تأكيد وإلى جانب ارتباطها بالنقاش النقدي الرائع الذي دار في المجتمع الأمريكي خلال السنوات الماضية حول العلاقة مع الإسلام والمسلمين وثيقة الصلة بخلفية أوباما الأسرية ومعيشته في اندونيسيا المسلمة لفترة وثقافته العالية، توجه نحو اعتماد لغة صريحة تعترف بالمصالح الرئيسية للولايات المتحدة دون مواربة (أمن إسرائيل على سبيل المثال) وبوجود اختلافات حولها مع العالم العربي-الإسلامي أو مع قوى بعينها داخله ومن ثم لا تخشى الحوار بشأنها.
وعلى الرغم من جاذبية هذه الصورة المغايرة بنقاط ارتكازها السالفة والدبلوماسية العامة الذكية التي تبدو إدارة أوباما ساعية إلى إنتاجها وكونها تشكل بدايةً إيجابيةً بعد كارثية بوش، إلا أن رفع هذه العناصر إلى مصاف التغير الجذري في الدور والسياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط يعد خطيئة منهجيةً وسياسيةً كبرى.
فأولويات الولايات المتحدة لا يحددها ساكن البيت الأبيض بمفرده، بل تمليها المصالح الإستراتيجية المحددة في مستويات تنفيذية وتشريعية عدة وهي في الشرق الأوسط ما لبثت تتعلق بأمن إسرائيل وضمان السيطرة على الخليج الغني بالنفط. ولا يعني التعويل الهام على الأداة الدبلوماسية والانفتاح التفاوضي على الأطراف الإقليمية أن واشنطن ستتخلى عن انحيازها لإسرائيل – الذي دخل مع البروتوكول الأمني الموقع بين الدولتين في يوم العمل الأخير لإدارة بوش مرحلةً نوعيةً جديدةً - لصالح احترام الحقوق والمطالب العربية أو ستكف عن محاولة احتواء نفوذ إيران الإقليمي وإيقاف برنامجها النووي. كذلك لن يسبب ترشيد الحرب الأمريكية على الإرهاب تحولاً سريعاً في السياسة الرافضة لاعتبار حزب الله وحماس (على معارضتي الواضحة لتوجهاتهما وممارساتهما) حركات مقاومة أفرزتها حقائق المنطقة ولا سبيل لإلغائها.
ظني إذاً أننا مع أوباما من جهة أمام نقلة نوعية في أسلوب إدارة دور وسياسات القوة العظمى في الشرق الأوسط دون تغير جذري في قراءة المصالح الإستراتيجية ومن جهة أخرى أمام عودة للتوازن المفقود خلال إداراتي بوش بين النهج الدبلوماسي وتوظيف الأداة العسكرية على نحو يعطي كافة الأطراف الإقليمية قدرة أفضل على الحركة والتعاطي بانفتاح مع الولايات المتحدة بعد إرهاق واستقطاب السنوات الماضية. وفي الجهتين ما يكفي لتفاؤل محدود دون مبالغة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.