ربما يبدو بديهيا ومنطقيا أن نطرح السؤال على الحكومة قبل شروعها فى تنفيذ خطة البيع المقترحة لما تبقى من شركات القطاع العام للشعب أو توزيع صكوكه عليه، فى إطار خطة المشاركة فى إدارة أصول ممتلكات الدولة، التى فاجأتنا بها حكومة الدكتور نظيف، ممثلة فى وزير الاستثمار. فإذا كانت الحكومة قررت دون سابق إنذار بالكرم الفائض منها، مشاركة الشعب فى إدارة بعض حصص من أصول 155 شركة ومصنعاً وهو ما تبقى من 350 شركة قطاع عام، قامت الحكومة ببيعها منذ بدء تطبيق برنامج الخصخصة وإعادة الهيكلة فى عام 1990، فمن يحاسبها على عمليات البيع لحوالى 195، ومن يجرؤ على فتح ملف إهدار ثروات الشعب وممتلكاته فى هذه الشركات طوال ال18 عاما الماضية؟ هذا هو السؤال. فمع الحديث عن بدء برنامج الخصصة وتوسيع قاعدة الملكية للقطاع الخاص فى نهاية الثمانينات، كانت التقديرات المبدئية لخبراء الاقتصاد الحكوميين وغير الحكوميين تتفق، فى أن حجم أصول شركات ومصانع القطاع العام يلامس سقف التريليون جنيه بأسعار ذلك الوقت. وخرجت المؤشرات الأخيرة لبرنامج البيع تقدر بأن حصيلة ما تم بيعه من مصانع وشركات يقدر بالثلاثين مليار جنيه، فى وقت تقدره مؤشرات أخرى بما لا يتجاوز 20 ملياراً.. وهناك فارق شاسع فى عمليات البيع والتقديرات لحجم الأصول.. فأين ذهب وكيف تمت عمليات البيع وبأى مقاييس وقواعد اقتصادية؟ فى دول عديدة غيرنا نجحت برامج الخصخصة، لأن تلك الدول عرفت كيف تستفيد منها وتتعامل معها بشكل علمى وبأدوات محاسبة ورقابة صارمة، تحافظ بها على ثروات شعوبها وفرضياتها الاجتماعية والاقتصادية وبما يحقق لها توازنها النفسى، فى حين فشلت الخصخصة فى دول تعاملت معها بنوايا سيئة وبعشوائية ودون مسؤولية وتقدير ورقابة فاعلة فتحولت أملاك الدولة إلى مال سايب علم السرقة والفساد والنهب. وسوف نعتبر قرار الحكومة بمشاركة الشعب خطوة شجاعة واعترافاً صريحاً وجريئاً بفشل برنامج الخصخصة ويعكس صدق الأصوات التى طالبت بوقف نزيف بيع القطاع العام، وتلك قد تكون البداية التى يمكن للحكومة بعد فتح الملفات والمحاسبة أن تستعيد بها ثقة الشعب المفقودة فى مجمل سياستها على جميع الأصعدة. فهناك شكوك كثيرة حول الغرض والنوايا المبيتة والأهداف غير الواضحة أو المعلنة من القرار الأخير. فليس الظاهر فى رأيى -كما أشارت بعض الكتابات- أن القرار بمثابة حنين الحكومة للرجوع إلى الشعب، وما أحلى الرجوع إليه، لأنه ببساطة كان الشعب موجودا ومنتظرا ولم يغادر إلى مكان آخر، حينما تمنعت عليه الحكومة واستكثرت حنينها وعشقها له، فزهدته وأذاقته مرارة الفراق والبعاد وتحولت إلى «عواد»- صاحب الملحمة الغنائية الشهيرة- فى بيع ثرواته وممتلكاته ومصيره دون أخذ رأيه أو «الرجوع إليه!.»، أم أنه وبالمنطق نفسه «الشعب دلوقت بس حلى» على رأى أيضا الرائعة نجاة الصغيرة. ربما تبدو المفارقة فى القرار « الاشتراكى» الجرئ، أنه جاء مباشرة عقب انتهاء أعمال مؤتمر الحزب الوطنى الذى شهد هجوما حادا من قادته على المعارضة والمطالبين بعودة مصر إلى ثلاثين أو أربعين سنة إلى الوراء على حد قول السيد جمال مبارك فى كلمته أمام المؤتمر والتى جاء الرد الشعبى عليها بكلمة واحدة وفى نفس واحد.. «ياريت..». وهى المفارقة التى تزيد من حدة الشكوك والريبة فى القرار، مع التسليم بحسن النوايا، إذا خلصت. كل المرجو ألا نستيقظ على كارثة فى حالة إذا ما قرر الشعب بدوره أن يتحول إلى عواد كبير ويبيع صكه لمن يدفع أكثر، لأنه وقتها لن يحق له مطالبة الحكومة بشىء بعد ذلك، وعليه وقتها أن يبحث عن وطن آخر خالىٍ من «الصكوك».. كل شىء جايز!