لا أستبشر خيراً بمستقبل هذا البلد ليس لأننى متشائم ولا لأنى أرى الحاضر مظلماً، كما يراه المعارضون، بل على العكس فقد أجد فى الحاضر بعض التحسن فى مجالات عدة، لكنى فى المقابل أرى كفاءة الفرد المصرى فى تراجع على جميع المستويات، وإذا كانت الحكومة تملك من الأرقام الاقتصادية ما تفتخر به لكنها لا تملك بالدرجة نفسها تطبيقات فى التعليم، بحيث تكون كافية لنهضة هذا البلد. التعليم ثم التعليم ثم التعليم.. هذا هو الطريق الوحيد للنهضة والنمو.. وبعيداً عن أكذوبة أن الطفل المصرى من أذكى أطفال العالم، وأن الفرد المصرى عبقرى بالفطرة، فإن العالم من حولنا ركز على التعليم كأساس للنهضة، واستطاع من خلاله تكوين إنسان واع ووطنى ومنتمٍ لبلده.. وكل المشكلات التى نعانى منها فى مصر استطاع العالم أن يعالجها مع مواطنيه منذ الصغر فى مناهج التعليم المختلفة فحتى لو تحسنت الطرق، وصدرت قوانين حازمة للمرور، وتم تنفيذها، ستظل الأزمة الحقيقية فى ثقافة الناس ووعيهم لتقبل مثل هذه الأمور ونفس الأمر يمكن تطبيقه فى مجالات أخرى كالزراعة والبيئة والصحة ولعل أبرز مثال على ذلك هو مشروع صكوك الملكية الشعبية للشركات العامة، فالمعارضة ترفضه، خوفاً من عدم وعى الناس بقيمته واتجاههم لبيعه مباشرة. حتى الحكومة تزعم أحياناً أن الناس لا تستوعب ما تنجزه.. والمعارضة كذلك تخشى المراهنة على تحرك الشعب ووعيه.. ومع ذلك فلا توافق، ولا حوار مجتمعياً حول أهم قضية يمكن أن تشغل وطناً، وهى التعليم. هل تستطيع الحكومة أن تطرح مبادرة للتركيز على التعليم أم أنها لا تستطيع الصبر 8 سنوات على أن تلمس نتائج تطبيق سياسات التعليم وتفضل أن تلعب بالمضمون.. وهل تملك المعارضة من القوة ما تدفع به الحكومة لإعلان هذه المبادرة ومساندتها.. وهل يملك المجتمع المدنى توجيه كل إنفاقه إلى مشروعات التعليم.. وهل يقدر رجال الأعمال على التنازل عن شهواتهم الفنية والسياسية ويشاركون فى مبادرات تعليمية بدلاً من صرف الأموال الطائلة على الانتخابات والحفلات والإعلانات؟! سمعت مرة من د. إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، أن الدول المتقدمة التى يبلغ متوسط دخل الفرد فيها 40 ضعف الدول الفقيرة، تصرف استثمارات فى مجال التعليم توازى 220 ضعف ما يصرف فى الدول الفقيرة، وأن دول جنوب شرق آسيا تجاوزت الدول الأفريقية والعربية خلال العقد الأخير بعد أن ركزت على التعليم بجدية وباهتمام كبير جداً.. فهل نفعلها؟ إذا كانت الحكومة تبحث عن الشعبية السريعة عبر مشروع صكوك الملكية الشعبية ولا تريد الدخول فى مبادرة مضمونة النتائج بعد سنوات طويلة.. والمعارضة لا يشغلها سوى الكلام والانتقادات والشعارات على أساس أنها أقصر الطرق للحصول على شعبية الشارع الذى ابتعدت عنه.. فالأمل الوحيد سيقتصر على المجتمع المدنى من خلال توجيه كل الدعم إلى الأنشطة التعليمية وابتكار أفكار جذابة وقوية يمكن أن تكون نموذجاً للحكومة بعد ذلك إذا أرادت أن تبحث عن الشعبية البعيدة بدلاً من النظر تحت قدميها، بدليل أن الحكومة نفذت معظم ما جاء فى برامج الفكر الجديد فى الحزب الوطنى فى مختلف المجالات، خاصة الاقتصادية منها، بينما لم تنفذ سوى 25% فقط من خطط وبرامج التعليم حسبما صرح لى من قبل د. حسام بدراوى. ■ بالمناسبة هذا الكلام ليس موجهاً لوزيرى التعليم والتعليم العالى.