ماذا كان يقصد «أحمد عز» أمين التنظيم بالحزب الوطنى عندما وصف السيد جمال مبارك أمين لجنة السياسات بأنه «مفجر ثورة التطوير»؟. هل كان يعنى أن ثورة من التحديث تشهدها مصر حالياً – على يد جمال مبارك - تستهدف التخلص من حالة التراجع التى أصابتها خلال السنوات الماضية. وهل يدرك «أحمد عز» مغزى ودلاله هذه العبارة التى يؤكد من خلالها أن أمين لجنة السياسات بالحزب يقوم الآن بإصلاح ما أفسده الدهر فى هذا البلد الطيب. من واجبنا أيضاً أن نسأل عن هؤلاء الذين «رجعوا البلد ورا» كما تشير عبارة المهندس أحمد عز، وجاء السيد جمال مبارك بعد ذلك لينقذ ما يمكن إنقاذه ويتدخل بقوانينه وسياساته وحزم قراراته من أجل التطوير. تطوير ضد من يا باشمهندس؟!. ومن المثير أن المسألة لم تتوقف عند هذا الحد!، فقد كان من اللافت أن يوجه صلاح الديب عضو مجلس الشورى أثناء مناقشة موضوع «العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر» فى اليوم الأول لمؤتمر الحزب الوطنى عبارات تستحق التوقف، قال فيها موجهاً حديثه إلى السيد جمال مبارك «رأيت فيك قوة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وطموح الرئيس الراحل أنور السادات وحكمة حسنى مبارك». ويبدو أن «العضو» نسى فى غمرة انفعاله بهذه «الدرر اللفظية» أن يفرق بين التاريخى والآنى، والذكرى والحاضر!. وقد يكون من الممكن أن نفهم الآن أبعاد الزيارة التى قام بها الرئيس مبارك إلى السودان بعد أيام قليلة من انتهاء فعاليات المؤتمر الخامس للحزب الوطنى. فهى تكاد تحسب فى مجال الرد على مثل هذا الكلام. فقد فاجأ الرئيس الجميع بهذه الزيارة التى وصفتها الصحف القومية ب «التاريخية»، حيث شهدت للمرة الأولى لقاء بين رئيس مصرى ومسؤولين فى جنوب السودان بهدف بحث العلاقات الثنائية بيننا وبين القطر السوادنى بشقيه، ومناقشة سبل إقامة مشروعات تنموية بشراكة مصرية فى الجنوب. كذلك كان لقاء الرئيس بالقيادات البرلمانية ، بالإضافة إلى الرسائل التى توالت إلى ميدفيديف وبوتين حول العلاقات الثنائية بين مصر وروسيا . فقد شهدت مؤسسة الرئاسة نشاطاً ملحوظاً – خلال الأيام الماضية - يبدو أنه جاء رداً على وصلات «الغنا» وعبارات المديح من فصيلة «مفجر الثورة». ورحم الله جمال عبدالناصر، أول من ارتبطت هذه العبارة باسمه عندما قام بثورة يوليو وكان يحلو لمريديه أن يصفوه ب«مفجر الثورة» مشيرين إلى تمرده على الملك فاروق، وإخراجه وأهله من مصر ، وتخليص البلاد من الاحتلال، ثم اتخاذ حزمة القرارات التى قدمته للشعب المصرى كزعيم جديد، يستمد شرعيته من جرأته وإقدامه على قيادة الثورة ، وكان أبرز هذه القرارات إصدار قانون الإصلاح الزراعى، الذى قام عبد الناصر من خلاله بتوزيع أرض الإقطاع على الفلاحين المصريين، فنقل الملكية من حيز المحتكرين إلى فضاء أفراد الشعب العاديين، فهل أقدم المهندس أحمد عز على استخدام هذا الوصف من منطلق انبهاره ب « مشروع قانون المشاركة الشعبية لإدارة أملاك الدولة» الذى تمخض عنه المؤتمر الخامس للحزب الوطنى، وأصبح السيد جمال مبارك الشارح الأول له. وهو القانون الذى سيمنح للمواطنين صكوك «غفران» حكومية بدخول جنة «الملكية»، ليقوم كل مواطن ببيع نصيبه فى الأملاك العامة التى أسماها القانون «أموال الدولة – يقصد الحكومة» إلى رجال الأعمال بأبخس ثمن بالطبع، لتنتقل الأملاك العامة – التى يفترض أنها تخص الناس – إلى المحتكرين من كبار رجال الأعمال. ألم يستمع المهندس أحمد عز إلى تنويهات حملة «احسبها صح تعيشها صح» التى يقودها الحزب الوطنى منذ عدة أسابيع. وهى تنويهات توجه المواطن إلى أن يحاول أن يحل مشاكله بيديه، وأن يصبح وزير مالية واستثمار وتعليم وصحة وخلافه لنفسه، فبدلاً من أن تشترى علبة دواء يكفى شراء شريط واحد (بنصف ثمن العلبة)، والنصف الآخر يمكن أن تشترى به عدة أرغفة من الخبز أو «حتة جبنة» أو كتاباً من مهرجان القراءة لجميع أفراد شعب (نصفه أميون)!. الناس استمعت إلى التنويهات الخاصة بحملة «احسبها صح» دون أن تستوعب فيما يبدو أنها نذير من جانب الدولة لهم بأنها «خلعت إيديها منهم». ويبدو أن هذه الحملة استهدفت تهيئة المناخ لتفجير ثورة التطوير التى يقودها السيد جمال مبارك ضد الأفكار والسياسات التى حكمتنا لعقود، و«جابتنا ورا» كما تشير عبارة المهندس أحمد عز. ولست أظن أن الرجل قصد أن الثورة تتم ضد أفكار رئيس الدولة! لكنها الرغبة فى إرضاء السيد جمال مبارك. ولو أن «الباشمهندس» ركز قليلاً فيما يقول فأتصور أنه كان سيصوغ عبارة مدح أكثر لياقة، بعيداً عن هذه الطريقة الفظة التى يصف فيها قرارات ومشروعات لجنة السياسات بأنها ثورة تطوير، وكأن القيادة السياسية لدينا لا تطور ولا تطرح فكراً جديداً يتناسب مع معطيات العصر!!. وكذلك عضو مجلس الشورى الذى تحدث عن الرئيس فى سياق التاريخ بعطفه على الراحلين الكريمين: عبد الناصر والسادات!!. إننى أفهم حماس المهندس أحمد عز وكذا العضو المحترم للسيد جمال مبارك، لكننى لا أستطيع أن أستوعب أن يتورط الاثنان فى مثل هذا الكلام بهذه السهولة. فالتركيز يمكن أن يغيب عن المواطن العادى الذى يدور كما يدور «التور فى الساقية» بحثاً عن لقمة عيشه، لكن هؤلاء المتوردين بالمال والمناصب كيف يفقدون تركيزهم بهذه الصورة . يبدو أن التفكير فيمن يحكم مصر قد أدار رؤوسهم، ذلك السؤال الذى يسيطر أيضاً على أدمغة الكثيرين حالياً، والكل يحاول أن يجهد ذهنه وعقله فى بناء السيناريوهات المستقبلية بهدف تحديد اسم من يحكم هذا الشعب الطيب. وما بين إجماع على اسم معين وخلاف على آخر، وحديث لدى المعارضة عن ضرورة تكوين ما يشبه الائتلاف القومى من أجل حل مشكلة هذا البلد ، يتوه السؤال الأجدر بالطرح، وهو: كيف تحكم مصر؟.