لجان السيسي تدعي إهداء "الرياض" ل"القاهرة" جزيرة "فرسان" مدى الحياة وحق استغلالها عسكريًا!    شرطة الاحتلال تفرق مظاهرة في تل أبيب تطالب بإنهاء الحرب وإبرام صفقة تبادل أسرى    السيتي يتصدر ويوفنتوس يرافقه إلى دورال16 والعين يودّع بفوز شرفي على الوداد    السيطرة علي حريق مصنع زيوت بالقناطر    حبس عنصر إجرامي لقيامه بجلب وتصنيع المخدرات بالقليوبية    وزير الأوقاف يشهد احتفال الطرق الصوفية بالعام الهجري الجديد بمسجد الحسين    أيمن أبو عمر: الهجرة النبوية بداية جديدة وبشارة بالأمل مهما اشتدت الأزمات    صحة دمياط تقدم خدمات طبية ل 1112 مواطنًا بعزبة جابر مركز الزرقا    حسام الغمري: الإخوان خططوا للتضحية ب50 ألف في رابعة للبقاء في السلطة    عراقجي: إيران صمدت أمام "الضغوط القصوى" لحرمانها من حقوقها النووية    الخارجية الأمريكية: الموافقة على 30 مليون دولار لتمويل "مؤسسة غزة الإنسانية"    إسرائيل توافق على مقترح «ويتكوف» للدخول في مفاوضات بشأن غزة (تفاصيل)    السودان: تصاعد الأزمة الإنسانية وتآكل سيطرة المليشيا في دارفور    المأساة الإنسانية في غزة تتفاقم وسط تصعيد دموي وضغوط دولية متزايدة (تقرير)    إسرائيل توافق على مقترح ويتكوف لوقف إطلاق النار    «30 يونيو».. نبض الشعب ومرآة الوعي المصري    العين يودع مونديال الأندية بفوز معنوي على الوداد بهدفين    مانشستر سيتي يقسو علي اليوفنتوس بخماسية رائعة في كأس العالم للأندية ويحسم صدارة المجموعة السابعة    بمشاركة ربيعة.. العين يهزم الوداد في قمة عربية بكأس العالم للأندية    الأهلي يضع شرطا حاسما لبيع وسام أبوعلي (تفاصيل)    أزمة بين زيزو وتريزيجيه في الأهلي.. عبدالعال يكشف مفاجأة    يرفعون علم فلسطين ويشهرون «الكارت الأحمر» في وجه إسرائيل.. قصة مشجعي أولتراس سياتل ساوندرز    البحوث الإسلامية: الهجرة النبوية لحظة فارقة في مسار الرسالة المحمدية    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في بداية تعاملات الجمعة 27 يونيو 2025    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 36.. حالة الطقس اليوم    مصرية من أوائل ثانوية الكويت ل«المصري اليوم»: توقعت هذه النتيجة وحلمي طب بشري    مصرع سيدة وإصابة آخر في تصادم سيارة ملاكي مع نصف نقل بالجيزة    حسام الغمري: معتز مطر أداة استخباراتية.. والإخوان تنسق مع الموساد لاستهداف مصر    حجاج عبد العظيم وضياء عبد الخالق في عزاء والد تامر عبد المنعم.. صور    صلاح دياب يكشف سر تشاؤمه من رقم 17: «بحاول مخرجش من البيت» (فيديو)    رجل يفاجأ بزواجه دون علمه.. هدية وثغرة قانونية كشفتا الأمر    3 أبراج «أساتذة في التعامل مع التوتر».. هادئون يتحكمون في أعصابهم ويتمتعون بالثبات والقوة    عرض «عروس الرمل» ضمن الموسم المسرحي لقصور الثقافة بأسوان    ترامب: خفض الفائدة بنقطة واحدة سيوفر لنا 300 مليار دولار سنويا    متحدث البترول: إمداد الغاز لكل القطاعات الصناعية والمنزلية بانتظام    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    جدول أعمال مكثف لمجلس النواب الأسبوع القادم    فيديو متداول لفتاة تُظهر حركات هستيرية.. أعراض وطرق الوقاية من «داء الكلب»    نائب رئيس هيئة الدواء: ملتزمون بدعم التصنيع الدوائي المحلي والتكامل الأفريقي    التأمين الصحي بالقليوبية: برامج تدريبية متخصصة ومستمرة للكوادر الطبية والتمريضية    تنويه مهم من محافظة الجيزة بشأن تنسيق القبول بالثانوية العامة ومدارس التعليم الفني    السيدة انتصار السيسى تهنئ الشعب المصرى والأمة الإسلامية بالعام الهجرى الجديد    وزير السياحة والآثار الفلسطينى: نُعدّ لليوم التالي في غزة رغم استمرار القصف    مصطفى قمر يتألق فى حفل غنائى كامل العدد ومى فاروق والعمروسى بين الجمهور    مفتى الجمهورية: الشعب المصرى متدين فى أقواله وأفعاله وسلوكه    عراقجي: لم نتخذ قرارا ببدء مفاوضات مع الولايات المتحدة    السياحة: عودة جميع الحجاج المصريين بسلام إلى مصر بعد انتهاء الموسم بنجاح    إصابة 12 شخصا إثر سقوط سيارة ميكروباص فى أحد المصارف بدمياط    رمضان 2026 أقرب مما تتخيل.. هذا هو موعده المتوقع فلكيًا    الإنقاذ النهرى تكثف جهودها لانتشال جثمان طفل غرق بأسيوط    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 27 يونيو 2025 والقنوات الناقلة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 27 يونيو 2025    هيئة الشراء الموحد توقع شراكة استراتيجية لإطلاق برنامج لتعزيز القدرات البشرية    صحة دمياط تقدم الخدمة الطبية ل1112 مواطنًا فى قافلة طبية بعزبة جابر    نقل الكهرباء : تشغيل المحول رقم (1) بمحطة زهراء المعادي    عقب احتفالية العام الهجري الجديد.. محافظ المنيا يشهد عقد قران عروسين    تسليم 16 عقد عمل لذوي الهمم بالقاهرة    هل يُستَحبُّ شرعًا الصوم في شهر الله المحرم.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هو.. صدى السنين
نشر في المصري اليوم يوم 11 - 11 - 2009

لقد كتبت عشرات المقالات حول شخصيات مصرية وعربية وإقليمية ودولية وهاأنذا اليوم أخرج عن السياق لكى أكتب عمن أزعم أنه أكثر مخلوق عرفته فى حياتى فقد عشت معه على امتداد خمسة وستين عاماً كاملة منذ لحظة ميلاده.. فى النوم واليقظة، فى اليأس والأمل، فى الحزن والفرح، أكاد أعد عليه أنفاسه، وأدرك جميع مزاياه وأعرف كل نواقصه..
لقد ولد فى إحدى قرى ريف الدلتا فى الرابع عشر من نوفمبر عام 1944 وهو ذات اليوم - مع اختلاف السنوات - الذى ولد فيه الزعيم الهندى «نهرو» وعميد الأدب العربى «طه حسين» وملك الأردن الراحل «الحسين بن طلال» والأمير «تشارلز» ولى عهد المملكة المتحدة والدكتور «بطرس بطرس غالى»، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، ولقد عانى صاحبنا فى طفولته معظم العقد النفسية التى عرفها جيله والتى تبدأ بالقلق الدائم فى الأعماق والخوف المستمر من المجهول، والتحسب أمام الصدمات، لقد كان طالباً متفوقًا، هو أول دفعته فى المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية كما كان الأول على محافظة «البحيرة» فى الشهادة الإعدادية عام 1958،
وعندما التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جرفته أمواج الاهتمام السياسى والاندفاع نحو الحياة العامة من خلال اتحاد الطلاب و«منظمة الشباب الاشتراكى» حتى صدر قرار من الرئيس «عبدالناصر» بنقله من العمل الذى كان قد بدأ فيه برئاسة الجمهورية ليعين ملحقاً دبلوماسياً فى وزارة الخارجية،
حيث خدم فى بريطانيا والهند والنمسا، ثم عمل بالقرب من الدائرة الضيقة لصنع القرار السيادى لثمانى سنوات تعلم فيها الكثير وأدرك معها أن الإنسان يتولى هذه المواقع باختيار غيره ويتركها أيضاً بغير إرادته وهذا ما حدث له أمام عاصفة مفاجئة فرضت عليه أحداثها أن يكون طرفاً ثانوياً فيها، ولكن جرفه تيارها ليأخذه إلى وزارة الخارجية المنطلق الأصلى وقاعدة الأساس ليتولى إدارة المعهد الدبلوماسى المعنى بتخريج الدبلوماسيين الجدد وتدريب نظرائهم من الدول العربية والأفريقية والأجنبية، ثم اختير سفيراً فى العاصمة النمساوية حيث العمل فيها غير تقليدى لأنها تجمع بين الدبلوماسية الثنائية ومتعددة الأطراف،
كما أن فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة التنمية الصناعية «اليونيدو» والمقر الثالث للأمم المتحدة، وقد استطاع صاحبنا أن يرتقى بالوجود المصرى فى «فيينا» كما ترك خلفه قلاعًا شامخة تضم السفارة والقسم القنصلى ومنزل السفير وتتوسطها مسلة فرعونية ضخمة من «جرانيت أسوان» وهى لا تزال مزاراً لكل قادم إلى العاصمة النمساوية حتى الآن،
كما شارك بجهد متواضع فى تمهيد الطريق للدبلوماسى الدولى القدير ابن مصر الدكتور «محمد البرادعى» وهو يشق طريقه ليكون مديراً عاماً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد حصل صاحبنا على جائزة «الدولة التشجيعية» فى العلوم السياسية عام 1993 وجائزة «الدولة التقديرية» فى العلوم الاجتماعية عام 2003،
كما أصدر ما يقرب من عشرين كتاباً فى العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط والفكر القومى المعاصر، وكان المتحدث الرئيسى فى الجلسة الافتتاحية لمنتدى «دافوس» عام 1995 فى محاضرة حول «الدين والسياسة فى الشرق الأوسط»، وقد عرف صاحبنا الكثير من اللحظات الصعبة، ومنها يوم أن تم إبعاده عن مؤسسة الرئاسة فى ظروف مؤسفة، ويوم أن ترك وزارة الخارجية ليكون عضواً معيناً فى مجلس الشعب فى ظروف متشابكة، ويوم أن جرى إعفاؤه من رئاسة لجنة «مصر والعالم» بالحزب الوطنى الديمقراطى لأسباب مجهولة قد يكون منها رفضه قبول زيارة إسرائيل للمشاركة فى العيد الفضى لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية دون أن يسمح له بالحديث أمام «الكنيست»!
كذلك يوم أن طلب منه أن يستقيل من «المجلس القومى للمرأة» نتيجة صيحات انفعال صدرت عنه فى لحظة غير محسوبة مع مسؤول المراسم لخلاف حول مقعد فى إحدى المناسبات! إنه ذلك الذى يقتحم حالياً حاجز الشيخوخة وهو يحمل على كاهله مأساة «جيله المسروق»، وقلق وطنه الكبير فى وقت تكثر فيه التساؤلات وتنتشر الشائعات وتشيع التأويلات، إنه ذلك البرلمانى الذى لوثته الانتخابات النيابية عام 2005 وفتحت عليه أبواب الجحيم حتى انتقصت من قدره وما كان أغناه عنها فهى التى جعلته ينظر بشكل مختلف لمستقبل الديمقراطية فى بلاده..
لقد تأثَّر صاحبنا بالشخصيات الموسوعية فى الحضارة الإسلامية وعصر النهضة الأوروبية فامتد أفقيًا فى أكثر من مجال، فهو الدبلوماسى الذى وصل إلى منصب مساعد أول وزير الخارجية، وهو البرلمانى الذى ترأَّس لجنة «العلاقات الخارجية» فى مجلس الشعب، وهو الأكاديمى الذى اشتغل بالتدريس فى الجامعة الأمريكية لسنواتٍ طويلة ثم كان أول رئيس للجامعة البريطانية فى مصر، إنه انتشار أفقى يشتت الجهود ويبعثر القدرات ولو أن صاحبنا مضى فى طريقٍ واحد لكان تأثيره أوقع ومكانته أرفع!
ومازال صاحبنا يذكر لنفسه بعض المواقف الطيبة فى خدمة الوحدة الوطنية والانصهار الاجتماعى يوم أسهم بشكل فاعل فى رفع الملصقات الدينية من السيارات الخاصة فى شوارع مصر، ويوم وظف حياته الأكاديمية من أجل مشروعين أساسيين،
أولهما هو «التوافق الكامل بين أشقاء الوطن من المسلمين والأقباط» منطلقاً من أطروحته للدكتوراه من جامعة «لندن» التى حصل عليها يوم 26 أغسطس عام 1977،
والثانى هو مشروعه «لتجديد الفكر القومى» الذى أصدر عنه كتاباً حاز به جائزة أفضل كتاب فى المعرض السنوى للكتاب عام 1994 وأتبعه بكتابه عن «الرؤية الغائبة» مكملاً وشارحاً وموضحاً، إنه ذلك الرجل الذى يخطو نحو النصف الثانى من ستينيات العمر يحمل وصمة الأخطاء التى وقع فيها قبل نشوة الإنجازات التى حققها، ويفكر فى خطاياه قبل أن ينظر إلى مزاياه لأنه أقام حياته كلها على «السيناريو الأسوأ» لاحتمالات جميع المواقف والأحداث،
بل والبشر حتى أصبح يفضل المأثورة الشهيرة «اتق شر من أحسنت إليه»، خصوصًا أنه قد نذر حياته على امتدادها لخدمة الناس بدءًا من الفقراء والبسطاء، وها هو اليوم فى مفترق الطرق ينظر خلفه فلا يجد ما يخجل منه، ثم ينظر أمامه فلا يرى ما يحتفل به، إنها أزمة عمر ودرس زمن ومحنة حياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.