كتب الدكتور الصاوى حبيب، طبيب عبدالناصر الخاص، مقالا بعنوان: «عبدالناصر بين طبيبه وكاتبه» نشرته صحيفة «الأهرام» بتاريخ 22/9 رد فيه على ما جاء على لسان الأستاذ محمد حسنين هيكل فى قناة الجزيرة حول ملابسات وفاة الرئيس عبدالناصر وما يحوم حولها من شبهات تشكك فى أنه مات مسموما. وكان هيكل قد أشار فى حديثه إلى واقعتين محددتين حول هذا الموضوع. الأولى: تتعلق بحوار دار فى السفارة الأمريكية بالقاهرة، بين مسؤول أمريكى وآخر إسرائيلى، يؤكد «وجود نية للتخلص من عبدالناصر بالسم أو بالمرض»، سجلته أجهزة المخابرات المصرية. والثانية: تتعلق بقيام الرئيس السادات بإعداد فنجان قهوة وتقديمه بنفسه للرئيس عبدالناصر أثناء تواجده معه فى مقر إقامته بفندق هيلتون لحضور مؤتمر القمة فى سبتمبر، ولكن بعد أن طلب من السفرجى الخاص بعبدالناصر مغادرة المطبخ. ويستدل منهما: 1- أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل سعيا لقتل عبدالناصر بالسم. 2- وجود شكوك تشير إلى أنهما استطاعا الوصول إلى عبدالناصر باستخدام أدوات مختلفة ربما يكون السادات نفسه إحداها. أما طبيب عبدالناصر الخاص فلا يعتقد أنه يمكن الاستناد إلى أى من هاتين الواقعتين لإقامة الدليل على أن عبدالناصر مات مسموما ويرجح أن وفاته كانت طبيعية تماما. ففيما يتعلق بالواقعة الأولى يرى الدكتور الصاوى أن «القتل لا يكون بالنية ولكن بالوصول إلى جمال عبدالناصر، وهو ما لم يحدث». غير أن حجة الطبيب هنا تبدو ضعيفة لأن الدكتور الصاوى ليست لديه معلومات تنفى استحالة وصول المخابرات الأمريكية أو الإسرائيلية إلى عبدالناصر، سواء عن طريق السادات أو غيره. أما فيما يتعلق بالواقعة الثانية، فيرى الدكتور الصاوى أن هيكل، الذى رفض اتهام السادات بدس السم لعبدالناصر، ساهم متعمدا فى الوقت نفسه فى توسيع نطاق الشكوك حول السادات عن طريق نشر واقعة فنجان القهوة على نطاق واسع. لذا يرى أن شهادة هيكل حول هذه النقطة تعتبر مجروحة بسبب الخلاف بين الرجلين، والذى وصل إلى حد إقدام السادات على اعتقال هيكل وسجنه. وهنا أيضا أعتقد أن حجة الطبيب واهية، لأن هيكل ليس هو أول من تحدث عن واقعة فنجان القهوة ولم يعتبرها دليل إدانة للسادات، لكن كان الصعب عليه وهو يحاول الإسهام فى كتابة تاريخ مصر فى هذه الفترة، أن يتجاهل ذكر شائعة بهذه الخطورة أو عدم التعليق عليها. غير أن لدى الدكتور الصاوى نقطة بالغة الأهمية تتعلق بالتاريخ المرضى لعائلة عبدالناصر استند إليها للتدليل على أن الوفاة كانت طبيعية، حين أكد أن ثلاثة من أشقاء عبدالناصر ماتوا فى نفس السن وبنفس الطريقة. وقد استنتج من هذه المعلومة المهمة أن وفاة عبدالناصر سببها مرض وراثى. فهل يوجد تناقض جوهرى بين وجهتى النظر؟. لا أعتقد ذلك. فهيكل يعرض وجهة نظره كسياسى يملك من الشواهد ما يدفعه لعدم استبعاد احتمال أن تكون الوفاة غير طبيعية، وهو محق فى هذا. والدكتور الصاوى يعرض وجهة نظره كطبيب لديه ما يرجح كفة أن الوفاة طبيعية، ومعه الحق أيضا. ولأن أحدا لا يملك دليلا قاطعا حول السبب الحقيقى للوفاة، فلا أظن أن هناك جدوى من استمرار الجدل حول مسألة شائكة إلى هذه الدرجة. هو جدل عقيم إذن لا طائل من ورائه وضرره أكثر من نفعه بكثير. لذا أعتقد أن المصلحة العامة تقضى بترك المسألة برمتها للمؤرخين كى لا تتحول إلى قضية سياسية ملغومة يراد لها أن تنفجر فى وجه الجميع.