شهدت مصر مع بدء القرن الجديد ما يمكن أن يسمى الثورة المؤسسية التى استهدفت تصحيح أخطاء مرحلة سابقة كانت تمثل فيها المؤسسات الحكومية وهيئات القطاع العام عبئا تئن الدولة بحمله كما أنه كان يعطل إمكانيات استثمارية كامنة أوقفتها ولزمن طويل قيود بيروقراطية وأفكار عتيقة رسختها فترة الحكم الاشتراكى، غير أنها استطاعت المقاومة والاستمرار لسنوات بعده رغم توجه مصر الاقتصادى فيما بعد نحو الانفتاح على العالم خلال الربع الأخير من القرن الماضى. ثم كانت حركة إصلاح للهيكل الحكومى الذى بدأته وزارة الدكتور عاطف عبيد ثم من بعدها وزارة الدكتور أحمد نظيف التى أحدثت ثورة اقتصادية تناولت هذا الكيان الذى ورثناه من عهد الثورة وهو القطاع العام وشركاته التابعة وذلك بتحويله إلى قطاع أعمال عام وشركات قابضة يمكن من خلالها إدارة العمل من منطلق اقتصادى بحت يرفع عبء الشركات الخاسرة عن كاهل الحكومة ويهدف لتحويلها لشركات ذات منهاج اقتصادى يهدف للاكتفاء الذاتى أولا ثم الربحية. وبصرف النظر عما شاب هذا التحول من مآخذ وما استطاع أن يحققه من أهداف، فإن الهيكل الوظيفى الحكومى بشكله التقليدى كان أكبر المتأثرين من هذا الزلزال الذى غير من تركيبته وفقا لمتطلبات وأهداف المرحلة إذ إنه كان يعتمد فى الأساس على أطر بيروقراطية ونظامية انهارت مع تداعى منظومة القطاع العام الجامدة، فكان أن توقف التعيين عن طريق القوى العاملة لتخفيف عبء العمالة الزائدة التى شلت الجهاز الحكومى لسنوات، وكان الخروج للمعاش المبكر حلا آخر للمشكلة ذاتها، ولكن مع ذلك فقد أصيب الهيكل ذاته بفيروس الاضطراب من جراء تعيينات من خارج إطاره و كوادر خاصة لا تخضع لمنظومته ووظائف مستحدثه لا تندرج فى بنائه وكان ذلك دائما من سلطة الوزير المختص المباشرة التى لا تستند لمعايير إدارية وإنما إما للكفاءة المهنية والدرجة العلمية أو لأشياء أخرى. اليوم، ومع ظهور ما ترتب على هذا من خلل فى هيكل الكيان الوظيفى بمصر، ها هى الحكومة ممثلة فى وزارة الدولة للتنمية الإدارية تطرح ثمرة جهدها الكبير الذى بذلته على مدى خمس سنوات منذ أن تولى وزيرها الشاب والطموح د.أحمد درويش مهام هذه الوزارة الوليدة.. ها هى تطرح شكل السلم الوظيفى الجديد المعروض على مجلس الشعب فى دورته القادمة، يضم السلم الجديد دون الخوض فى تفاصيله تقسيما إداريا مكوناً من 3 مجموعات هى العليا والإدارية والخدمية وتندرج تحت كل منها فئات تصنيفية لكل مجموعة على حدة تغطى على السواء كلاً من الكوادر الوظيفية التقليدية وتلك التى أسفرت عنها حركة التطوير المؤسسى الحكومى بإجمالى 10 درجات وظيفية تغطى كل المجالات الإدارية والفنية والاستشارية. بالتأكيد، إذا ما أُقِرّ مشروع القانون الجديد فإنه سيحقق لحد كبير قدرا معقولا من العدالة الوظيفية وفق قواعد تقييم مقننة ومحددة المعالم ترفع الكثير من الظلم الذى وقع على شريحة معينة من الموظفين الذين تأثر وضعهم الوظيفى من إعادة الهيكلة المؤسسية، كما أنه يضع ضوابط لفئات الأجور تحد من الفجوة الكائنة حاليا بين وظائف وأخرى تتشابه فى طبيعة العمل وتتباين فى الأجر وبما لا يتنافى مع الأخذ بالمهارة المهنية والكفاءة العلمية كمعيار أساسى فى التقييم. أعزائى القراء.. ها هى أعمال وزارة د. نظيف تؤتى ثمارها، وكما سبق أن قلنا مرارا فإن إصلاح نظام إدارى بحجم وتعقيد النظام الحكومى المصرى الذى أثقلته الدولة على مدى عقود عديدة بأحمال من موظفى العمالة المقنعة.. أن يتحقق هذا بهامش أضرار لا يذكر فى ضوء ما تم من إنجازات إنما يحسب لحكومة د.نظيف الذكية التى غيرت من خريطة الاقتصاد المصرى وعبرت به مراحل حرجة، وصولاً بهذا البلد لبر الأمان، نعم.. هناك إخفاقات لكنها لا تقاس بما تم من إنجازات.