«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان‏..‏ والصعود إلي الهاوية‏11‏

البنا ذهب يستجدي عبد الرحمن عمار في محاولة لإيقاف قرار الحل في اللحظات الأخيرة صدام الإخوان والسعديين انتهي بقتل النقراشي والبنا وحل الجماعة التشابه الفكري بين الإخوان والثورة كان يحمل داخله بذرة الصدام الذي ظهر لاحقا
مقابلة عبد الرحمن عمار
لما لم تفلح شكاية البنا للملك‏,‏ حيث قام الأخير بإرسالها إلي رئيس الوزراء‏,‏ لم يجد مرشد الإخوان بدا من السعي لمقابلة النقراشي باشا‏,‏ الذي رفض من جانبه مقابلته‏,‏ وبعد أكثر من أربع ساعات ظل فيها البنا منتظرا لقاء رئيس الوزراء ووزير الداخلية قابله عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية آنذاك في مكتبه وكتب بعد المقابلة هذا التقرير الذي رفعه الي النقراشي باشا بما دار في اللقاء هذا نصه كاملا‏:‏
حضر الليلة الشيخ حسن البنا إلي ديوان وزارة الداخلية وطلب مقابلتنا بحجة الافضاء الينا بأمور هامة يرغب في ابلاغها فورا إلي حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء‏,‏ فلما قابلناه حدثنا بأنه قد علم أن الحكومة أصدرت قرارا بحل جماعة الاخوان المسلمين أو هي في سبيل اصدار هذا القرار وأنه يريد أن ينهي إلي دولة رئيس الوزراء بأنه قد عول نهائيا علي ترك الاشتغال بالشئون السياسية وقصر نشاط الجماعة علي الشئون الدينية كما كان الحال في بداية قيام جماعة الإخوان المسلمين وأنه يود من كل قلبه التعاون مع دولة الرئيس تعاونا وثيقا مؤيدا للحكومة في كل الأمور وأنه كفيل بتوجيه رجاله في جميع الجهات بالسير علي مقتضي هذا الاتجاه‏,‏ كما أعرب عن أسفه لما وقع من جرائم ارتكبها اشخاص يري أنهم اندسوا علي الإخوان المسلمين‏,‏ وراح يترحم علي سليم زكي باشا قائلا انه كان صديقا حميما له وكان بينهما تعاون وثيق وتفاهم تام ثم تكل مادحا دولة النقراشي باشا قائلا انه علي يقين من نزاهته وحرصه علي خدمة وطنه وعدالته في كل الامور‏.‏ وأنه لو تمكن من مقابلة دولته بعد أن مضت سنتان لم يلتقيا فيهما بسبب جفوة أثارها الوشاة لأقنع دولته بأنه من صالح الحكومة والامة معا أن يبقي الصرح الضخم الذي جاهد الاخوان المسلمون سنوات طويلة في اقامته كما قال أنه يعز عليه بل ويزعجه ويؤلمه أن ينهار هذا الصرح علي يد دولة النقراشي باشا الحريص علي خدمة بلاده‏.‏
ثم قال انه اذا قدر أن تمضي الحكومة في ما اعتزمته من حل الجماعة فانه يؤكد أنه ورجاله سوف لا تبدر منهم بادرة تعكر صفو الأمن اذ لا يقدم علي مثل هذا العمل الا مجنون‏,‏ كما أكد أن الحكومة لو تعاونت معه لضمن للبلاد أمنا شاملا‏.‏
وختم حديثه بقوله أنه علي استعداد للعودة بجماعة الاخوان المسلمين الي قواعدها بعيدا عن السياسة والاحزاب متوفرا علي خدمة الدين ونشر تعاليمه بل انه يتمني لو استطاع أن يعتكف في بيته ويقرأ ويؤلف مؤثرا حياة العزة ثم جعل يبكي بكاء شديدا ويقول انه سيعود الي مقره في انتظار تعليمات دولة رئيس الوزراء داعيا له بالخير والتوفيق‏.‏ وكيل الداخلية 8‏ ديسمبر سنة‏1948.‏
ويتضح من تقرير وكيل وزارة الداخلية‏,‏ والمذكرة التي وجهها البنا قبلها الي الملك‏,‏ أن السيف كان قد سبق العزل‏,‏ وأن أوان صعود الجماعة التي الهاوية قد حل‏,‏ وسقطت الجماعة بالفعل الي الهاوية‏,‏ التي أسموها بتعبيرهم المحنة الأولي‏,‏ حيث تم حل الجماعة‏,‏ ورد الإخوان بإغتيال النقراشي‏,‏ ورد السعديون فاغتالوا البنا لتبدأ الجماعة مرحلة أخري من الصعود إلي الهاوية‏.‏
وبعد التصادم مع السعديين ومحنة الجماعة الأولي كما يسمونها في أدبياتهم بسنوات قليلة جاءت ثورة يوليو‏,‏ وتكرر الصدام مع ثورة يوليو خلال الحقبة الناصرية‏,‏ علي الرغم من البداية التي توحي بالتعاون والتنسيق‏,‏ ذلك أن الخطاب الفضفاض قادر علي صناعة التقارب والتصادم معا‏!.‏
القراءة التي نقدمها للعلاقة بين جماعة الإخوان وثورة يوليو‏,‏ في مرحلتها الناصرية‏,‏ تبدأ بتحليل عن طبيعة السلطة الناصرية‏,‏ سياسيا وفكريا واجتماعيا‏,‏ وصولا إلي رصد التقارب الملموس بين الحركة والثورة‏,‏ وهو ما يتطلب الإشارة التحليلية الموجزة إلي موقف ثورة يوليو وعبد الناصر من الدين‏,‏ السلاح الأساسي الأكثر بروزا وفاعلية في خطاب الإخوان المسلمين‏.‏
لقد أدت عوامل موضوعية متداخلة إلي صناعة التقارب والتعاون المؤقت بين الإخوان والثورة‏,‏ وعوامل أخري مماثلة قادت إلي الصدام الدموي العنيف‏.‏ وليس منطقيا بطبيعة الحال أن يتحمل أحد طرفي الصدام مسئولية كاملة منفردة عن التوتر والتناحر‏,‏ فالأخطاء مشتركة‏,‏ والأهداف المختلفة تسفر عن صراع كان كامنا ومؤجلا‏.‏
وقد انتهت أغلب الدراسات في مجال النظم السياسية المقارنة كما تورد الدكتورة هالة مصطفي في كتابها المهم الدولة والحركات الإسلامية المعارضة إلي إدراج النظام السياسي المصري في عهد الرئيس عبد الناصر ضمن النظم السلطوية‏AuthoiyarianRegine‏ وذلك في إطار التفرقة بين كل من النظم الديمقراطية‏,‏ والسلطوية‏,‏ والشمولية‏,‏ ووفق هذا التصنيف فإن النظام السلطوي يتسم بعدد من الخصائص تميزه عن كل من النمطين السابقين أهمها‏:‏
‏*‏أنه نظام لا ينهض علي وجود أيديولوجية سياسية قوية متماسكة‏.‏
‏*‏ وجود حزب سياسي واحد يحتكر القوة السياسية وإن كان ذلك لا يمنع وجود تنظيمات سياسية أخري مستقلة عنه ولكنها تكون في العادة محدودة الفعالية‏,‏ وفي المقابل فإن هذا الحزب السلطوي ليس تنظيما عقائديا‏,‏ ولا توجد شروط صارمة لعضويته بل يعتبر حزبا مفتوحا‏,‏ ولذلك فقد توجد معارضة للنظام من داخل الحزب‏.‏
‏*‏ لاتوجد تعبئة سياسية في النظام السياسي السلطوي إلا في بداية قيامه‏,‏ أما بعد استقراره فإن النظام لا يميل إلي الاعتماد علي التعبئة الجماهيرية‏.‏
‏*‏ يهتم النظام بالسيطرة علي الجيش ويحتل القادة العسكريون وضعا متميزا في النظام السياسي‏,‏ حيث يتحولون إلي سياسيين‏,‏ ويشتركون مع الفنيين والبيروقراطيين في اتخاذ القرارات الرئيسية‏,‏ ولكن كلما استقر النظام قلت نسبة العسكريين الذين يعينون في المناصب السياسية ويتجه النظام إلي إبعاد الجيش عن السياسة‏,‏ وتأكيد صفة الاحتراف العسكري‏,‏ ولكن مع احتفاظ قادة النظام بصلات قوية مع الجيش لضمان استمرار ولائه للنظام السياسي‏.‏
‏(‏د‏.‏ هالة مصطفي‏:‏ الدولة والحركات الإسلامية المعارضة‏,‏ ص‏112)‏
ومن هنا لم يعرف النظام الناصري أيديولوجية سياسية متكاملة‏,‏ وإنما عرف مجموعة من المبادئ والأهداف العامة التي يصعب وصفها ب الأيديولوجية‏,‏ فلم تنظر نخبة الضباط الأحرار إلي مسألة وجود نظرية أو أيديولوجية سياسية للنظام الجديد باعتبارها قضية حاسمة أو ذات أولوية متقدمة لازمة للسير علي طريق الثورة أو بناء تنظيم حزبي سياسي فعال‏,‏ وظلت هذه القضية ثانوية بأكثر من معني‏.‏ فالحركة ظلت لدي عبدالناصر حقيقة سابقة علي الفكر وارتبط ذلك بالميل إلي التقليل من شأن الأفكار والنظريات وأخذها بدرجة عالية من التبسيط‏.‏
ومن ناحية أخري فقد أجمعت غالبية الدراسات التي تناولت أيديولوجية ثورة يوليو‏1952‏ علي الطابع التجريبي لها‏,‏ وهو ما أطلق عليه عبدالناصر منهج التجربة والخطأ‏.‏
ويتمثل هذا المنهج في حقيقة أن أهم التطورات كانت تجيء بالأساس كرد فعل لإخفاق أو فشل خطير حدث بالفعل‏,‏ وفرض نتائجه كأمر واقع تتحتم الاستجابة له‏,‏ وليس نتيجة لدراسة الواقع ونقده كهدف في حد ذاته‏.‏
وأخيرا فقد اتسمت الأفكار المعلنة للنظام الناصري‏,‏ بما في ذلك ما جاء في الميثاق بطابع انتقائي واضح وهو الطابع الذي اتسمت به أغلب الأيديولوجيات المعلنة في العالم العربي‏,‏ والتي يري فيها العديد من الباحثين تلفيقا من مدارس واتجاهات وتيارات فكرية
متباينة وجمعها للآراء بطريقة ميكانيكية دون الوصول إلي صيغة تركيبية تجمع هذه الآراء في نسق فكري متكامل‏(‏ د‏.‏ علي الدين هلال‏:‏ تطور الأيديولوجية الرسمية في مصر‏,‏ في كتاب مصر في ربع قرن‏1952‏ 1970‏ ص‏146).‏
اتسمت النخبة الحاكمة في النظام السياسي المصري بعد‏1952‏ بعدد من الخصائص يمكن إيجازها في ثلاث‏:‏ الأولي‏:‏ انتماؤها الأساسي إلي الطبقة الوسطي‏,‏ والثانية‏:‏ طابعها العسكري أي الانتماء إلي الجيش‏,‏ والثالثة‏:‏ هيمنة ما يسمي بالبرجوازية البيروقراطية علي مقاليد الحكم‏.‏
وفي المقابل أدت سيادة الطابع العسكري علي النخبة الحاكمة إلي الغاء العمل السياسي تماما أو علي الأقل حظر الأساليب السياسية في المجال السياسي‏,‏ وافترض أن تكون جميع الأنشطة السياسية حكرا علي الجيش‏(‏ د‏.‏ هالة مصطفي‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏120).‏
أما الطابع البيروقراطي للنخبة الحاكمة‏,‏ فقد ارتبط بنظام رأسمالية الدولة في ظل النظام الناصري‏,‏ وما يهم في هذا لمجال هو تلك القوي الاجتماعية التي ارتبطت برأسمالية الدولة‏,‏ والتي أضحت تعرف باسم البرجوازية البيروقراطية والتي يقصد بها‏:‏ تلك الطبقة التي تنشئ لنفسها موقعا‏(‏ احيانا مسيطرا‏)‏ في علاقات الإنتاج من خلال سيطرتها علي قطاع إنتاجي مملوك ملكية عامة‏,‏ وقد تديره باسم الدولة وتحصل من خلال ذلك علي امتيازات هائلة‏.‏
وقد لعبت هذه الخصائص العامة للنظام السياسي‏,‏ فضلا عن طبيعة التكوين الاجتماعي والسياسي للنخبة الحاكمة‏,‏ دورا مهما في تحديد استراتيجيات النظام وسياساته تجاه المعارضة السياسية بشكل عام والإسلامية منها بشكل خاص‏,‏ حيث كان للخلفية التاريخية التي حكمت العلاقة بين النخبة الجديدة لثورة يوليو والمعارضة الإسلامية التي مثلتها جماعة الإخوان المسلمين أثر كبير في إضفاء نوع من الخصوصية علي طبيعة العلاقة التي سادت‏,‏ والتي تحددت في إطارها إستراتيجية كل منهما إزاء الأخري‏.‏
نظام يوليو وحركة الإخوان يتفقان في كثير من الملامح والسمات الفكرية والتنظيمية‏,‏ فضلا عن الأصول الاجتماعية الطبقية المتشابهة‏,‏ فكلاهما أقرب إلي النظم السلطوية‏,‏ حيث تغيب الأيديولوجية الواضحة المحددة‏,‏ وتهيمن الشمولية‏,‏ ويتم الإعلاء من شأن الزعامة الفردية كمرجعية مطلقة‏,‏ وتستبعد فكرة التعامل مع الجماهير والاعتماد عليها في صناعة القرار وتنفيذه‏.‏ النظام الناصري وجماعة الإخوان يتفقان في فكرة الإيمان بمبادئ عامة لا تخلو من الغموض ولا تنجو من الإنشائية‏,‏ وتجنح إلي التعميم‏,‏ وتأخذ بالتجريب والقدرة علي التغيير الجذري الذي يتناسب مع المتغيرات الطارئة‏,‏ ولا تتورع عن الانتقائية التي تجمع المتناقضات لتقديم خطاب سياسي فكري ذي شكل متسق براق‏.‏
وإذا كان الإخوان المسلمون يرفعون شعارات دينية ويمارسون السياسة‏,‏ فإن ثورة يوليو بدورها قد رفعت شعارات سياسية دون أن تتخلي عن التوجه الديني بما يترتب عليه من اكتساب الشعبية ومحاربة الخصوم الذين يزايدون عليها في المجال نفسه بالرغم من الزعامة الكاريزمية لعبد الناصر‏,‏ وفي مجتمع متخلف‏,‏ تسوده الأمية بمختلف أنماطها نجد أن النظام السياسي في علاقته بالمؤسسة الدينية‏,‏ وبالرغم من التبعية‏,‏ والخصوصية في علاقة رجال الدين الرسميين بالنظام والتي تجد جذورها في شرعية الحاكم‏,‏ والولاء له في التراث السني إلا أن الدين ظل رافدا ضمن روافد عديدة للشرعية السياسية‏,‏ واستخدم كأداة للتعبئة‏,‏ والتجنيد السياسي للجماهير ضمن أدوات أخري كما استخدم النص الديني حتي المقدس كأداة للتبرير أي تبرير المقولات التي طرحت للتطبيق والتي قيل إنها اشتراكية‏,‏ وإن هذه الاشتراكية‏,‏ ليست مضادة للدين الإسلامي‏,‏ سواء في أثناء صياغة الميثاق‏,‏ أو بعد ذلك في الحوارات التي جرت في منتصف الستينيات‏(‏ عبد الرحيم علي‏:‏ الإخوان المسلمون‏..‏ أزمة تيار التجديد‏,‏ ص‏54).‏
التقارب الفكري والتنظمي بين الثورة والإخوان أتاح فرصة كبيرة للتعاون والتنسيق المشترك‏,‏ كما أنه حمل بذرة الاختلاف والصدام‏.‏ المشتركات تصنع وفاقا ظاهريا‏,‏ والطموحات السياسية تمهد للصدام من جديد‏.‏
بعد أيام قليلة من حركة الجيش في‏23‏ يوليو‏,‏ وبعد أن اطمأن الإخوان تماما إلي نجاح العسكريين في الإطاحة بالنظام الملكي والاستقرار في السلطة‏,‏ سارعوا إلي إصدار بيان يحددون فيه مفهومهم للإصلاح المنشود في المرحلة الجديدة‏,‏ وشنوا هجوما عنيفا قاسيا علي الحياة النيابية السابقة‏,‏ وصولا إلي أن التجربة القديمة فاشلة لا يجوز الأخذ بها‏,‏ وأن الحياة البرلمانية في كل العهود الحزينة ليست إلا أداة لتبرير شهوات الحكام وإضفاء الشرعية علي المظالم‏!‏
وطالب الإخوان في بيانهم بإهمال دستور‏1923‏ وإسقاطه‏,‏ مع المطالبة بعقد جمعية تأسيسية تتولي صياغة دستور جديد‏,‏ يستمد أحكامه من مبادئ الإسلام الرشيدة في كل شئون الحياة‏(‏ عبدالله إمام‏:‏ عبدالناصر والإخوان المسلمون‏,‏ ص‏38).‏
لا يقنع الإخوان بنقد أوجه الخلل والفساد والمطالبة بالإصلاح‏,‏ لكنهم يرفضون الحكم الديمقراطي‏,‏ ويطالبون بنظام جديد تئول إليهم فيه مقاليد السلطة أليسوا وحدهم القادرين علي التطبيق المثالي الصحيح لأفكار ومبادئ الإسلام؟‏!‏
لقد اندفع الإخوان المسلمون في تأييد ثورة يوليو ومباركة خطواتها‏,‏ وكان للموقف الودي للجماعة أساسه المتين كما يؤكد ريتشارد ميتشل في كتابه الإخوان المسلمون ففي الوقفة الأولي للثورة ألغي مجلس قيادة الثورة قسم البوليس السري من وزارة الداخلية وصفي نفوذه تماما‏,‏ وكان من الذين شملهم التطهير محمد الجزار‏,‏ اكثر رجال القسم عداء للجماعة والذي عرف‏(‏ بتخصصه‏)‏ في شئون الإخوان واشتراكه في مؤامرة اغتيال البنا‏,‏ كذلك تم الإعلان عن الاتجاه إلي إعادة التحقيق في قضية مقتل البنا التي حفظت دون التوصل إلي شيء‏,‏ كواحد من الإجراءات الأولي التي اتخذها العهد الجديد وقد شملت الاعتقالات التي تلت الانقلاب كما لاحظ أحد المراقبين أعداء معروفين للإخوان‏,‏ ثم جاء تعيين رشاد مهنا كواحد من الأوصياء الثلاثة علي العرش والإفراج عن المعتقلين السياسيين وأغلبهم من الإخوان في أكتوبر‏1952,‏ ليعزز جو الارتياح الكبير الذي ساد الجماعة‏(‏ ريتشاد ميتشل‏,‏ الإخوان المسلمون‏,‏ ص‏51).‏
ومن الوجهة العلنية‏,‏ نجح الطرفان في الحفاظ علي مظهر العلاقة الودية طوال عام‏1953,‏ وكان واضحا أن إفلات الإخوان المسلمين من الحملة ضد الأحزاب قد استقر بهم في موقف مرموق في البلاد وقد شارك رجال الحكومة البارزون‏,‏ بمن في ذلك نجيب وعبدالناصر‏,‏في الزيارة السنوية لضريح البنا‏,‏ شهيد الأمة كما كان يسمي‏,‏ في‏13‏ فبراير‏1953‏ الموافق للذكري السنوية الرابعة لوفاته وفي أغسطس عين البهي الخولي أحد أعضاء الجماعة الذي كان مناصرا للحكومة ضابطا للاتصال بين الجماعة وهيئة التحرير ومديرا للإرشاد الديني بالهيئة وفي سبتمبر‏1952‏ أنكر الهضيبي علنا وجود أي خلاف أو سوء تفاهم مع النظام وفي الشهر نفسه شكلت الحكومة محكمة الثورة لمحاكمة القادة السياسيين السابقين وكانت أولي قضاياها قضية ابراهيم عبدالهادي‏,‏ معنية بوجه خاص بدوره في مقتل البنا واضطهاد الإخوان‏(‏ عبدالله إمام‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏42)‏
وإلي لقاء‏.‏
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.