تناول الجزء الثاني من الفيلم الوثائقي، الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية يوم الجمعة الماضية، من برنامج الجريمة السياسية، أسرار وخبايا اغتيال حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. وهنا يقول الباحث الإسلامي عبد الصبور شاهين في الفيلم الوثائقي: "إذا أردت أن تعرف من القاتل فعليك أن تبحث عن المستفيد". وبالرغم من التعرف على مرتكبي جريمة الاغتيال وتقديمهم للمحاكمة أكثر من مرة، فإن الآراء اختلفت حول المحرض لعملية الاغتيال، فهل هو الملك فاروق لقلقه من اتساع نفوذ الإخوان وخوفه من قيامهم بعملية انقلابية ضده، أم أنه كان انتقاما من وزارة الداخلية لحوادث التفجير والاغتيالات التي سبقت عملية الاغتيال وقام بها أفراد من النظام الخاص التابع للإخوان، أم المخابرات الإنجليزية أو الأمريكية لاستشعارهم بخطورة الإخوان على مصالحهم ونفوذهم، أم إسرائيل لوقف المتطوعين الاستشهاديين القادمين إليها من الإخوان. القصر اختلفت الآراء حول مدى علم الملك فاروق وموافقته على عملية الاغتيال من عدمها، ويرى د. أحمد رائف، الكاتب الإسلامي، أن الملك لم يكن على علم بالأمر، وأنه أُبلغ به عقب حدوثه، مستندا إلى مذكرات كريم ثابت باشا المستشار الصحفي للملك. في حين يؤكد د. محمد فريد عبد الخالق، العضو السابق بمكتب الإرشاد، أنه علم من الأطباء بمستشفى القصر العيني أنهم تلقوا تعليمات من "القصر" بعدم إسعاف البنا وتركه ينزف حتى الموت. واستشهد صلاح عبد المتعال، عضو المكتب السياسي لحزب العمل، على ترحيب الملك باغتيال البنا إن لم يكن تحريضه، بوثيقة بريطانية تصف رد فعل الملك فاروق حين علم بإطلاق الرصاص على حسن البنا بأنه ابتسم ابتسامة صفراء، وواصل لعب القمار حتى الثالثة صباحا وبعد موت البنا بساعات. بريطانيا كشفت الباحثة الألمانية إيفنا لويس، المتخصصة في تاريخ الحركات الإسلامية السياسية، عن وثائق رسمية متوفرة في أرشيف الحكومة البريطانية تصف حالة البلاد، وتتحدث عن جماعة الإخوان المسلمين في بعضها. وقرأت الباحثة وثيقة تاريخها إلى 17 فبراير عام 1949 –أي بعد مقتل البنا ب5 أيام– وتلخص التفاصيل التي حصل عليها البريطانيون حول خطة اغتيال البنا، وتقول الوثيقة "عقب مقتل النقراشي باشا، عقد اجتماع في النادي السعدي في شارع سليمان باشا، حضرته العناصر السعدية البارزة وعدد من قادة الشباب السعديين المتحمسين، وقرروا ضرورة الثأر لمقتل رئيس الوزراء الأخير، وهو ما أدى إلى التخطيط لاغتيال البنا بموافقة القصر، وبواسطة عبد الرحمن عمار بك، وكيل وزارة الداخلية، وحمود عبد المجيد بك، رئيس وحدة البحث الجنائي، وكمال الدماطي، مدير مكتب رئيس الوزراء". وفي وثيقة أخرى أشارت الباحثة الألمانية إلى قول ممثل السفارة بمصر عقب علمه باغتيال البنا: "قلت بالطبع إنه كان شيئا جيدا من كل وجهات النظر.. كان إجراءا قويا جاء قبل فوات الأوان، من ذلك النوع الذي يُتخذ لفائدة الأمن الداخلي المصري"، وأضاف: "كان من الواجب اتخاذه أسرع من ذلك!". الولاياتالمتحدة أكد عصام العريان، المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، على ضلوع المخابرات الأجنبية، ومن بينها الأمريكية في قتل حسن البنا، واستدل بالاجتماع الذي عقده سفراء الدول الكبرى في مدينة فايد المصرية ليطالبوا بحل جماعة الإخوان. ورجح العريان أن يكون هذا الاجتماع هو السبب الحقيقي لحل الجماعة وقتل البنا، وإنهاء النظام الملكي بعد ذلك بواسطة أشخاص، وصفهم، بأنهم "قد يكونوا ليسوا على نفس القدر من الخطورة التي يمثلها حسن البنا ومشروعه". واستشهد العريان على سعادة الأمريكان بمقتل البنا، بالحفاوة التي عبر عنها الإعلام الأمريكي للحادثة، والتي لفتت نظر سيد قطب أثناء وجوده بأمريكا إلى الجماعة وقائدها. الثورة والضباط الأحرار كانت علاقة الضباط الأحرار بجماعة الإخوان المسلمين وطيدة قبل الثورة بأعوام، حتى أن خالد محيي الدين، أحد قادة الثورة، أكد أنه ذهب مع جمال عبد الناصر، وأقسما معا على المصحف والمسدس على العمل مع النظام الخاص وتلقي الأوامر من حسن البنا، أمام عبد الرحمن السندي رئيس النظام الخاص وقتها. وبعد قيام الثورة مباشرة ب7 أيام قام البوليس الحربي بإعادة فتح التحقيق للمرة الرابعة في قضية اغتيال حسن البنا، وأمر اللواء محمد نجيب بنفسه بالقبض على المتهمين الأميرالاي محمود عبد المجيد وسائقه الأومباشي محمد محفوظ، وأحيل التحقيق إلى نيابة أمن الدولة ثم إلى المستشار حسن داوود، وانتهى بتقديم 9 متهمين إلى غرفة الإعدام، ثم بعد الاستئناف، وفي أغسطس 1954، صدرت أحكام على عدد من المتهمين بالأشغال الشاقة. ولكن ساءت العلاقة بين الإخوان والثورة بعد شهور قليلة من صدور الحكم ضد الجناة، وذلك عقب حادث المنشية الذي تم فيه إطلاق الرصاص على جمال عبد الناصر في أكتوبر عام 1954، والذي قال مجلس قيادة الثورة إن الإخوان حاولوا اغتيال عبد الناصر، بينما أكد الإخوان أن الحادث تمثيلية مفبركة لتبرير عمليات الاعتقال الواسعة التي قام بها جمال عبد الناصر بعد ذلك في صفوف الإخوان.