«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطريق إلى اغتيال المرشد العام حسن البنا "الحلقة الأولى"

«إنني حزين أن يوجد إنسان واحد لا جماعة منظمة يصنع الموت للناس، ويحترف التخريب والتدمير، إن قلبي ليقطر حزنًا إذا كانت هذه الجماعة ترتكب جرائمها باسم الإسلام، وتجد من يصدقون دعواها، إن الإسلام الذي يقول في كتابه الكريم: «وجادلهم بالتي هي أحسن» لا يقر الجدل بالمسدسات والمدافع والمتفجرات».
كامل الشناوي - كتاب «جرائم عصابة الإخوان»
في مساء السبت الثاني عشر من فبراير عام 1949، وأمام مقر جمعية الإخوان المسلمين من شارع الملكة نازلي (رمسيس حاليًا) قُتل حسن البنا، أطلق عليه مجهولان ستة أعيرة نارية قبل أن يفرا في سيارة سوداء، وبعد حادث الاغتيال لم يكن هناك سوي رقم السيارة 9979، التي ابتعدت بالجناة عن المسرح وعرف أنها كانت مخصصة لانتقالات الأميرالاي محمد عبد المجيد مدير المباحث الجنائية هي الضوء الكاشف لمسرح الجريمة، كما كانت أصابع تشير بالاتهام في اتجاهات متباينة تحاول أن تعرف.. من قتل حسن البنا؟
وبعد أسابيع قليلة حُفِظ التحقيق وقُيدت القضية ضد مجهول، لكن رقم السيارة السوداء ظل يتنقل بين الناس ومعه الكثير من علامات الاستفهام بشأن واحدة من أكثر الجرائم السياسية غموضًا في العالم العربي، جريمة اغتيال مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا.
66 يومًا كانت تفصل بين ليلة اعتقال أعضاء الجماعة وليلة اغتيال حسن البنا، تلك كانت أيامه الأخيرة عاشها ينتظر أن يتم التخلص منه بين لحظة وأخري، كل الشواهد كانت تؤكد له ذلك، حسن البنا كان يدرك تمامًا أنه رجل مقتول، تم اعتقال كل مَن حوله من جماعة الإخوان المسلمين وهو نفسه شخصيًا طلب أن يُعتقل وألح عليهم في اعتقاله ورفضوا.
وكان البنا يتنبأ لزملائه: «إن عدم قيام الحكومة باعتقاله دليل رسمي علي نية الحكومة قتله»، قال للشيخ الباقوري: إني سأختفي!»، سأله: ماذا تقصد فإني لا أفهم؟ أجاب: «قد أغيب غيبة طويلة، ومن يدري فلعلنا لا نجتمع بعد ذلك». واستدرك الشيخ البنا قائلاً: «رأيت في ليلة واحدة رؤيا تكررت مرتين قبل الفجر، وكنت في كل مرة أقوم من النوم وأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولكنني رأيتها مرة ثالثة في الليلة نفسها فلم أشك أنها رؤيا حق. رأيت أني أمسك بزمام ناقة يركبها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ثم إذا بيد تمتد إلي زمام الناقة فتأخذه من يدي فعلمت أن مهمتي قد انتهت، وأني لابد أن أغيب».
الطريق إلي الاغتيال
يعد اغتيال حسن البنا هو نتيجة لسلسلة من الأفعال وردود الأفعال بين الإخوان والنظام، بداية تعرض الإخوان لمحنة قاسية عام 1941 في وزارة حسين سري باشا بطلب من السلطات البريطانية، صودرت مجلتا التعارف والشعاع الأسبوعيتان وألغي ترخيص مجلة المنار، ومُنعت نشراتهم من الطبع وأُغلقت ومنعت مطابعهم، ومُنعت اجتماعاتهم ونشر أخبارهم في الصحف. واعتقل حسن البنا وأحمد السكري وعبد الحكيم عابدين في 19 أكتوبر 1941، وأودعوا معتقل الزيتون وتحت ضغط القصر أفرج عن حسن البنا والسكري في 13 نوفمبر 1941، كما أفرج عن عبد الحكيم عابدين، علي أن هذه المحنة خرج منها البنا بدرسين، الدرس الأول وهو تحاشيه الاصطدام مع البريطانيين بأي ثمن تفاديًا لإجهاض دعوته، والدرس الثاني العمل علي بناء التنظيم السري.كانت هذه هي المحنة الأولي التي لم تستغرق شهرًا.
أما المحنة الثانية، فقد امتدت شهورًا وسنوات وكلفت الإخوان آلافًا من المعتقلين والمسجونين، كما فقدوا مرشدهم العام، بدءًا من إصدار مفتي الديار المصرية فتوي تدين أفعال الجماعة وتتهم قادتها بالكفر، وكتب كثير من الكتاب مهاجمين ومنددين بجرائمهم وجمعت بعض هذه الكتابات وصدرت في كتاب بعنوان «جرائم عصابة الإخوان». وقرر مدير المساجد بوزارة الأوقاف إجراء مسابقة بين خطباء المساجد موضوعها الآية الكريمة: «قل بئس ما يأمركم به إيمانكم إن كنتم صادقين»، وكان الهدف من المسابقة هو إعطاء الفرصة للأئمة لينالوا من جماعة الإخوان المسلمين ما شاء لهم أن ينالوا.
ثم تأكد اتجاه الجماعة إلي العنف بعد فشل فكرة استخدام الطريق البرلماني للوصول إلي أهدافها، فقد حاول حسن البنا دخول الانتخابات في دائرة الإسماعيلية عام 1942، ولكنه تنازل عن الترشيح بضغط من الحكومة مقابل مكاسب حصلت عليها الجماعة من وزارة الوفد تعطيها حرية الحركة، ثم رشح نفسه مع عدد قليل من جماعته في وزارة أحمد ماهر مع نهاية عام 1944 وبداية عام 1945، ولكنهم هزموا بعد أن قامت الحكومة بتزوير الانتخابات فأصابهم الإحباط واليأس من الطريق البرلماني فاتجهوا إلي العنف أو عادوا إليه بعد أن تركوه حينًا.
لم ينس السعديون ولا القصر للإخوان مهادنتهم للوفد أثناء وزارته التي تألفت بعد حادث 4 فبراير 1942، لذلك سعي أحمد ماهر- الذي ألف الوزارة في أكتوبر 1944 بعد الانقلاب الدستوري الذي قام به القصر وأخرج به الوفد من الحكم - في انتخابات مجلس النواب في يناير 1945 إلي إسقاط المرشحين الستة من الإخوان المسلمين لعضوية مجلس النواب. وكان هذا تحديًا للإخوان. وعندما أعلن أحمد ماهر الحرب علي ألمانيا وإيطاليا عارضه الإخوان وكتبوا إليه بالعدول عن ذلك.
بعد اغتيال أحمد باشا ماهر بدأ حكم محمود فهمي النقراشي باعتقال المرشد العام حسن البنا، وأحمد السكري، وعبد الحكيم عابدين، وبعض الإخوان بتهمة الاشتراك في حادث الاغتيال. ولعل السبب الرئيسي في هذا الاعتقال هو أن العيسوي ذكر في معرض التحقيق معه أنه يطلب أخذ رأي زعماء البلد في إعلان الحرب، وذُكر اسم حسن البنا، ولكن أفرجت عنهم النيابة بعد أن اعترف القاتل محمود العيسوي بانتمائه للحزب الوطني. غير أن النقراشي قد سارع بإصدار أوامر بإخضاع نشاط جماعة الأخوان وجميع تنظيماتها للمراقبة الدقيقة، وفرض علي الإخوان أثقل القيود في نشاطهم واجتماعاتهم وراقب منازلهم، وكان يسمح لهم بعقد اجتماعات عامة أو مؤتمرات فقط. وهي السياسة التي اتبعها طوال فترة حكمه، إذن فهي علاقة لا تتسم بالمحاباة.
انتهت الحرب العالمية الثانية 1945، ودخلت الجماعة بعد ذلك دور المحنة الكبري، لأنها تزعمت قيادة الحركة الشعبية وألهبت المشاعر الوطنية المطالبة بحقوق البلاد التي وعد بها الإنجليز أثناء الحرب.واجتمعت الجمعية العمومية للإخوان في 8 سبتمبر 1945، وأدخلت بعض التعديلات علي النظام الأساسي حتي أضحي شاملاً لجميع غاياتها ووسائلها، وأصدروا جريدتهم اليومية «الإخوان المسلمون»، وصدر العدد الأول منها في 15 مايو 1946، وأصبح بذلك صوتهم مسموعًا في مصر والبلاد العربية، وبلغ عدد أعضاء الإخوان العاملين في مصر وحدها نصف مليون والأعضاء المنتسبون والمؤازرون بلغوا أضعاف هذا العدد.
وفي أوائل سبتمبر عام 1945 ألقي حسين توفيق قنبلة علي سيارة النحاس أثناء مروره بشارع قصر العيني في طريقه إلي النادي السعدي، وقد انفجرت القنبلة ولكن لم يصب النحاس ولا سيارته بسوء، وفر حسين توفيق، ولم يضبط ولم يعرف أنه الجاني إلا من اعترافاته في قضية مقتل أمين عثمان حيث تمكن من قتله بعد ذلك. وبعد حادثي اغتيال أحمد ماهر وأمين عثمان وفي الفترة الممتدة من (1946 وحتي 1948) تعددت حوادث إلقاء القنابل، وأخطرها وضع قنبلة في دار سينما مترو يوم 6 مايو 1947 انفجرت أثناء ازدحام الدار بروادها، فكان لانفجارها دوي فظيع أودي بحياة خمسة من النظارة وأصيب كثيرون من الانفجار، وتهدم جانب من الدار، وكان لهذا الحادث وقع أليم لكثرة ضحاياه من الأبرياء. وتكررت في الإسكندرية سنة 1946 حوادث إلقاء القنابل علي الجنود البريطانيين. بالإضافة إلي ضرب أقسام الشرطة بالمتفجرات والقنابل. ولقد أكدت الأيام للنقراشي أن حذره في مكانه، حيث شهد حادثة كوبري عباس 9 فبراير عام 1946، ولقد كشفت تقارير وزارة الداخلية التي رفعت إلي النقراشي عن دور الإخوان فيها.
ولما جاءت وزارة النقراشي الثانية (9 ديسمبر 1946- 28 ديسمبر 1948)، بادر البنا بكتابة مقال دعا فيه الحكومة الجديدة إلي إنهاء المفاوضات مع الإنجليز التي لا طائل منها، وكانت هذه هي بداية الحرب بين «النقراشي والإخوان»، ولذلك طلب البنا وساطة كريم ثابت - مستشار الملك - لدي النقراشي لإيقاف حل ومصادرة الجماعة، وذكر البنا في تقرير لمستشار الملك ضرورة عدم حل الجماعة، لأنها «عون كبير للملك والعرش في مقاومة الشيوعية». وبعد ذلك قاموا بحوادث عنف داخل مصر، ووجهت لهم تهمة أنهم ينوون إحداث انقلاب.
ومع حلول عام 1948 وقعت حوادث متتابعة وخطيرة هزت مصر وكان دور الإخوان هو الأخطر فيها - من وجهة نظر الحكومة- آنذاك ورأي البعض أن حركة الإصلاح الديني قد تحولت إلي جماعة تمارس الإرهاب لتحقيق مكاسب سياسية بعلم وتخطيط من حسن البنا، في 17 فبراير عام 1948 حدث أول انقلاب في العالم الإسلامي، اُغتيل الإمام يحيي حميد الدين حاكم اليمن علي يد المعارضين لحكمه بزعامة عبد الله الوزيري، وكان لحسن البنا دور كبير في دعم وتنشيط هذا الانقلاب وتردد أن فكرة إعداد الشعب اليمني للثورة نبتت في المركز العام للجماعة وبالتعاون مع البدر حفيد الإمام يحيي. ولكن الانقلاب فشل ولكن هذا ترك مخاوف كثيرة عند النظام.
وفي التاسع والعشرين من أبريل عام 1948 قررت الدول العربية إعلان الحرب ضد اليهود، فتوجهت كتائب الفدائيين من جماعة الإخوان للمشاركة في تحرير فلسطين، كانت صلة حسن البنا بالقضية الفلسطينية قد بدأت عام 1936 عندما اشتعلت الثورة العربية الكبري فاشترك متطوعون من الإخوان مع الثوار الفلسطينيين وجمعت التبرعات والأسلحة لدعم الثورة وعندما أصدرت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر عام 1947 بدأت جريدة الإخوان تدعو الجيوش العربية إلي دخول الحرب وشارك حسن البنا في تشكيل لجنة وادي النيل لجمع الأموال والسلاح للمتطوعين وفي عام 1948 قامت كتيبة من فدائيي الإخوان بالرد علي مذبحة دير ياسين فقاموا بتفجير مستعمرة كفار دروم ثم حاولوا مهاجمة مستعمرة دير البلح.
وفي تلك الأثناء وقع حادث خطير، في صباح يوم 22 مارس 1948، وهو اغتيال القاضي أحمد بك الخازندار وهو متجه من منزله في ضاحية حلوان إلي محطة السكك الحديدية سائرًا علي قدميه أفرغت في صدره رصاصات طبنجة من عيار 9 ملي ماركة برت، كان الهدف الانتقام من الخازندار وإرهاب رجال القضاء إذا تقدم إليهم متهمون في قضايا مشابهة. وبذلك أصبحت أهداف الجهاز الخاص السري للإخوان غير محصورة في مقاومة الاستعمار والصهيونية. اتجه القاتلان صوب الجبل فحاصرتهما الشرطة وقبضت عليهما، وفي 22 نوفمبر 1948، حُكِم علي المتهمين حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم بالأشغال الشاقة المؤبدة.
وفي 13 مايو - وقبل دخول الجيش المصري فلسطين - أُعلنت الأحكام العرفية، وفي 20 يونيو نسفت بعض المساكن في حارة اليهود الذين ينتمون إلي طائفة اليهود الربانيين في القاهرة، ردا علي مذبحة دير ياسين التي ارتكبها اليهود في فلسطين في 9 أبريل 1948.
وفي 16 يوليو ألقت طائرة إسرائيلية - حلقت في سماء القاهرة - قنابلها علي أحد الأحياء الفقيرة- حي البراموني - قرب قصر عابدين فهدمت منازل كثيرة وقتلت عددًا من السكان. وكان الرد علي هذا الحادث في 19 يوليو هو نسف محلي شيكوريل وأوريكو، وفي صباح نفس اليوم أعلنت الحكومة المصرية الهدنة الأولي.
وفي أواخر يوليو وأوائل أغسطس، أعلن الوطنيون عدم رضائهم عن هذه الهدنة فدمروا محلات بنزايون وجاتينيو، كما دمر في 22 سبتمبر جزء من حارة اليهود القرائيين. وفي 12 نوفمبر دُمر انفجار آخر شركة الإعلانات الشرقية التي ساعدت النشاط الصهيوني في ذلك الحين.
ولم تستطع سلطات الأمن أن تنسب هذه الحوادث إلي الإخوان المسلمين إلا في أثناء عرض قضية الجيب علي في ديسمبر 1950، حين نسبتها إليهم دون دليل، إذ قرر المدعي أن الجماعة عمدت إلي لفت الأنظار إليها عام 1946، باستخدام العنف المباشر ضد الإنجليز، وبإثارة الاضطرابات من أجل فلسطين، ولهذا يكون الإخوان المسلمين مسئولين عن حوادث النسف والتدمير، التي وقعت علي اليهود في مصر في الفترة ما بين يونيو ونوفمبر سنة 1948.
وفي 15 نوفمبر عام 1948 استطاعت الحكومة بطريق الصدفة في وقت قصير أن تضع يدها علي أخطر تنظيم سري مسلح أنشأه الإخوان في غفلة منها، وذلك عندما ضبطت سيارة جيب في أحد شوارع العباسية من دون أرقام تحتوي علي قنابل وأسلحة وذخيرة ومتفجرات ومعها خطط لعمليات نسف السفارتين البريطانية والأمريكية ووثائق تحتوي علي أسماء أعضاء التنظيم والشفرة السرية للاتصال بينهم ودراسات حول أهداف مزمع تدميرها، واتضح من الوثائق والمضبوطات أن الإخوان هم المسئولون عن حوادث التفجير التي وقعت في الشهور الأخيرة.
وفي 25 سبتمبر 1949 وضع النائب العام محمد عزمي بك تقرير الاتهام في هذه القضية، فقدم 32 متهمًا بتهمة الاتفاق الجنائي علي قلب الحكم. وقد أحيلت القضية إلي دائرة جنائية عسكرية عليا ثم أحيلت إلي دائرة جنايات عادية بعد رفع الأحكام العرفية برئاسة أحمد كامل بك وعضوية محمد عبد اللطيف بك وزكي شرف بك. ومثل النيابة محمد عبد السلام بك. وقضي الحكم ببراءة 14 متهمًا وبحبس الباقين مددا تتراوح بين ثلاث سنوات وسنة واحدة.
وبعد أيام من انكشاف النظام الخاص وفي صباح يوم 4 ديسمبر عام 1948 اغتيل اللواء سليم زكي - حكمدار شرطة القاهرة - علي يد طالب في جامعة فؤاد الأول علي إثر مظاهرة كبيرة في الجامعة أثارها الإخوان ضد محادثات الهدنة المقترحة لحرب فلسطين، وأذاعت الحكومة أن الطالب ينتمي إلي تنظيم الإخوان، في حين لم يستطع البوليس ضبط أي شخص أسندت إليه تهمة إلقاء القنبلة. وفي اليوم نفسه طلب حسن البنا من حامد جوده - رئيس مجلس النواب - التوسط لدي النقراشي باشا رئيس الوزراء لبدء صفحة جديدة بين الحكومة والجماعة، لكن طلبه قوبل بالرفض فأدرك المرشد خطورة الموقف.
بلغت المواجهة بين حكومة النقراشي والإخوان المسلمين ذروتها عندما أصدر النقراشي بصفته حاكمًا عسكريًا في 8 ديسمبر عام 1948 أمرًا عسكريًا رقم 63 بحل جماعة الإخوان المسلمين وشعبها، وغلق الأماكن المخصصة لنشاطها وضبط أوراقها ووثائقها وسجلاتها ومطبوعاتها وأموالها.
وفور صدور هذا الأمر الذي صدر في الحادية عشرة مساءً تم تعيين مندوب خاص من وزارة الداخلية لإدارة ممتلكات جماعة الإخوان المسلمين لصالح وزارة الشئون الاجتماعية، وكان ذلك بناء علي المذكرة التفسيرية التي قدمها عبد الرحمن عمار بك وكيل الداخلية لشئون الأمن العام، ذكر فيها وقائع عديدة من القتل والنسف والتدمير ارتكبها أفراد من هذه الجماعة تبريرا لاتخاذ قرار حلها.
وانتهت المذكرة إلي القول: «إنه يتبين من استعراض الحوادث التي عددتها أن جماعة الإخوان المسلمين قد أمعنت في شرورها بحيث أصبح وجودها يهدد الأمن العام والنظام تهديدًا بالغ الخطر».
بذل البنا جهودًا لإنقاذ الموقف حتي إنه حاول الاتصال بالملك وبإبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان الملكي لكنه لم يتلق أي رد، كان العد التنازلي قد بدأ، في السادس من ديسمبر صدر أمر بإغلاق صحيفة الجماعة. وفي الحادية عشرة مساء أذاع الراديو نبأ الأمر الصادر من الحاكم العسكري العام رقم 63 لسنة 1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين بكل فروعها في البلاد ومصادرة أموالها وممتلكاتها.
ولقد أعدت جريدة الأساس يوم 4 ديسمبر مانشيتا علي ثمانية أعمدة بحل جمعية الإخوان المسلمين. وبعد دقائق كان المبني قد حوصر من كل ناحية بقوات الشرطة التي قبضت علي كل من فيه، انتظر البنا دوره لكن لم يتعرض له أحد فتشبث بسيارة البوليس لكنهم أبعدوه وكانت الأوامر القبض علي كل أعضاء الجماعة عدا حسن البنا. وقد ظن النقراشي أنه قبض علي جميع قادة التنظيم حتي إنه رفض اعتقال حسن البنا تحقيرًا لشأنه، وعندما طلب البنا منه اعتقاله مع من اعتقل من أعضاء مكتب الإرشاد، كانت إجابته: «لا خطر منك بعد أن قصصنا أجنحتك».
علي أنه كان مخطئًا فقد أفلت من البوليس عدد من التنظيم السري كان يجهل أسماء أعضائه، وكان علي رأسهم مسئول النظام الخاص عن مدينة القاهرة، السيد فايز، الذي كون سرية من ستة أفراد لقتل النقراشي. وتصاعد شعور الإخوان العدائي ضد النقراشي باشا الذي أصدر قرار الحل، واعتبروا هذا القرار استفزازًا لهم لقتل النقراشي باشا. وتم ذلك في العاشرة من صباح يوم الثلاثاء 28 ديسمبر عام 1948- أي بعد عشرين يومًا من قرار الحل. وفي هذه المرة تم الاغتيال داخل بهو وزارة الداخلية نفسها وأمام أعين ضباط الشرطة. واتُهمت جماعة الإخوان بارتكاب الحادث.
أصدر البنا عقب اغتيال النقراشي بيانًا عامًا عنوانه «بيان للناس» استنكر فيه اغتيال النقراشي، وقد نشرت صحف مصر صباح يوم 11 يناير نداء المرشد العام تحت عنوان «بيان للناس» وها هو جزء من البيان: «وقعت أحداث نسبت إلي بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها أو يلتزموا نهجها، مما ألقي عليها ظلاً من الشبهة، فصدر أمر بحلها وتلا ذلك هذا الحادث المروع حادث اغتيال دولة رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي باشا الذي أسفت البلاد لوفاته».
وباغتيال النقراشي اتسعت دائرة الاعتقالات علي يد خلفه إبراهيم عبد الهادي، فقد اعتقل 4000 معتقل واجهوا تعذيبًا قاسيًا وفي مواجهة ما يعانون من تعذيب، بدأت الشكوك تنتاب أعضاء الجهاز السري حول فكرة الجهاد ومدي انطباقها علي عمليات الإرهاب التي قاموا بها ضد خصومهم. وكان الأستاذ مصطفي مرعي قد طلب من البنا أسماء الأعضاء الخطرين ومكان الأسلحة ومحطة الإذاعة السرية. قال الشيخ حسن البنا: الاعتقالات مستمرة بإسراف وأريد الإفراج عن بعض المعتقلين لأعرف منهم الخطرين ومكان السلاح. ووعد مصطفي مرعي ببحث طلبات الإفراج، ولكن حدثت محاولة نسف محكمة الاستئناف وتحديدًا في 13 يناير 1949، حاول شفيق إبراهيم أنس - وهو أحد أعضاء الجهاز السري - إحراق غرفة التحقيق لقضية السيارة الجيب وفيها ملف القضية وجميع أحرازها في دولاب بمحكمة الاستئناف بميدان باب الخلق (ميدان أحمد ماهر)، والهدف إعدام الدليل علي التهمة التي تلحق بالأشخاص المدونة أسماؤهم في أوراق التحقيق، سلم شفيق القنبلة لأحد السعاة لوضعها داخل المحكمة ولكن السعاة اشتبهوا فيه فحملوا الحقيبة خارج المبني حيث وضعت في ميدان باب الخلق حتي انفجرت، ولم يمض قليل حتي انفجرت في الساعة الثامنة والدقيقة العشرين صباحًا، وكان لانفجارها دوي هائل ارتجت له المنازل المجاورة وأحدث فجوة عميقة في الميدان وتلفًا كبيرًا في دار المحكمة وكسر زجاجها ونوافذها وأصيب من جراء الانفجار خمسة عشر شخصًا من المارة في الشارع، وألقي القبض علي شفيق إبراهيم أنس. وقد دلت ملابسات هذا الحادث علي أن الجاني كان يقصد نسف مكتب النائب العام وما فيه من أوراق ووثائق تدين بعض الإرهابيين من أعضاء الجمعية.
وقد نظرت هذه القضية أمام نفس المحكمة التي نظرت قضية اغتيال النقراشي. وكان ممثل الاتهام فيها هو محمد كامل القاويش. ولم تستغرق المحاكمة إلا أياما قليلة صدر بعدها الحكم علي المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة. كما أصدر البنا بيانًا آخر «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»، بعد هذا الحادث، ومن بعض نصوصه التي كتبها حسن البنا بيده ومن كلماته:"وقع هذا الحادث الجديد، حادث محاولة نسف مكتب سعادة النائب العام وذكرت الجرائد أن مرتكبه كان من الإخوان المسلمين، فشعرت بأن من الواجب أن أعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله من الجرائم لا يمكن أن يكون من الإخوان ولا من المسلمين». ونتيجة لذلك، كانت هذه التطورات تعني التصفية السياسية لحسن البنا والتي مهدت لتصفيته جسديًا بحادث اغتياله في 12 فبراير 1949. وهذا هو موضوع الحلقة الثانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.