موعد إجازة شم النسيم 2024.. وجدول مواعيد الإجازات الرسمية 2024    الكتاتني: الجماعة الإرهابية اتخذت قرارا بالاشتباك مع الدولة    تحديث جديد لأسعار الذهب اليوم في مصر.. «بكم عيار 21»    وزير الاتصالات يشهد ختام فعاليات البطولة الدولية للبرمجيات بالأقصر    محافظ قنا يتفقد أعمال ترفيق منطقة "هو" الصناعية بنجع حمادى    تسجيل أول سيارة فى الشهر العقارى بسوق سيارات بنى سويف.. اعرف التفاصيل    مصر تحصد المركز الأول في مسابقة تحدى البحوث بمنطقة الشرق الأوسط    الرئيس الفلسطيني يحذر من اجتياح رفح: سيؤدي إلى كارثة إنسانية ومجازر دموية    «حياة كريمة»: دخول 30 شاحنة مساعدات من القافلة ال6 إلى أهالينا في غزة    وسيلة مجانية تنقل مباراة الأهلي ومازيمبي في دوري أبطال أفريقيا    تقارير: زيدان يُفضّل تدريب مانشستر يونايتد أكثر من بايرن ميونخ    صورة.. الخطيب يحضر جنازة صلاح السعدني    طقس غد.. ارتفاع بالحرارة وشبورة كثيفة والعظمى بالقاهرة 32 درجة    مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط ينعى صلاح السعدنى    محمود قاسم عن صلاح السعدني: الفن العربي فقد قامة كبيرة لا تتكرر    «الصحة»: خطوات عملية لتنفيذ مبادرة الكشف والتدخل المبكر لاضطرابات طيف التوحد    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: إزالة أجزاء من عقار بالجمرك لخطورته الداهمة وحقيقة ألسنة اللهب على الكورنيش    تحقيقات موسعة في مصرع وإصابة 5 أشخاص بحادث مروري مروع بالشروق    "القاهرة الإخبارية" تكشف تفاصيل استهداف إسرائيل مواقع عسكرية في سوريا    وفيات وأضرار عقب هجمات روسية في منطقة دنيبرو الأوكرانية    وفاة رئيس أرسنال السابق    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة.. مباريات اليوم السادس    تقارير: ليفربول يرفض رحيل محمد صلاح في الميركاتو الصيفي    إطلاق برنامج "لقاء الجمعة للأطفال" بمسجد الشامخية ببنها    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    شكوى من انقطاع المياه لمدة 3 أيام بقرية «خوالد أبوشوشة» بقنا    «ابدأ» تشارك بعدد من التوصيات لتطوير التعليم الفني والتدريب المهني    بدء أكبر انتخابات في العالم بالهند.. 10% من سكان الأرض يشاركون    شرب وصرف صحي الأقصر تنفى انقطاع المياه .. اليوم    خالد جلال ناعيا صلاح السعدني: حفر اسمه في تاريخ الفن المصري    انتهاء أعمال المرحلة الخامسة من مشروع «حكاية شارع» في مصر الجديدة    دعاء لأبي المتوفي يوم الجمعة.. من أفضل الصدقات    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    جوائز تصل ل25 ألف جنيه.. جامعة الأزهر تنظم مسابقة القراءة الحرة للطلاب    تحرك برلماني بسبب نقص أدوية الأمراض المزمنة ولبن الأطفال    لمحبي الشاي بالحليب.. 4 أخطاء يجب تجنبها عند تحضيره    الأربعاء.. انطلاق مهرجان الفيلم العربي في برلين بمشاركة 50 فيلما عربيا    إقبال جماهيري على جناح مصر في بينالي فينيسيا للفنون 2024    كل ما تريد معرفته عن قانون رعاية حقوق المسنين| إنفوجراف    محافظ أسيوط يعلن ارتفاع معدلات توريد القمح المحلي ل 510 أطنان    الصحة: فحص 432 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    "رصدته كاميرات المراقبة".. ضبط عاطل سرق مبلغا ماليا من صيدلية بالقليوبية    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    رضا عبد العال يعلق على أداء عبد الله السعيد مع الزمالك    اقتصادية قناة السويس تشارك ب "مؤتمر التعاون والتبادل بين مصر والصين (تشيجيانج)"    ضبط 14799 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    كشف لغز بلاغات سرقة بالقاهرة وضبط مرتكبيها وإعادة المسروقات.. صور    الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين يوم الأحد بنظام ال"أون لاين" من المنزل    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    موعد مباراة الترجي وصن داونز بدوري أبطال أفريقيا    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطريق إلى اغتيال المرشد العام حسن البنا "الحلقة الأولى"

«إنني حزين أن يوجد إنسان واحد لا جماعة منظمة يصنع الموت للناس، ويحترف التخريب والتدمير، إن قلبي ليقطر حزنًا إذا كانت هذه الجماعة ترتكب جرائمها باسم الإسلام، وتجد من يصدقون دعواها، إن الإسلام الذي يقول في كتابه الكريم: «وجادلهم بالتي هي أحسن» لا يقر الجدل بالمسدسات والمدافع والمتفجرات».
كامل الشناوي - كتاب «جرائم عصابة الإخوان»
في مساء السبت الثاني عشر من فبراير عام 1949، وأمام مقر جمعية الإخوان المسلمين من شارع الملكة نازلي (رمسيس حاليًا) قُتل حسن البنا، أطلق عليه مجهولان ستة أعيرة نارية قبل أن يفرا في سيارة سوداء، وبعد حادث الاغتيال لم يكن هناك سوي رقم السيارة 9979، التي ابتعدت بالجناة عن المسرح وعرف أنها كانت مخصصة لانتقالات الأميرالاي محمد عبد المجيد مدير المباحث الجنائية هي الضوء الكاشف لمسرح الجريمة، كما كانت أصابع تشير بالاتهام في اتجاهات متباينة تحاول أن تعرف.. من قتل حسن البنا؟
وبعد أسابيع قليلة حُفِظ التحقيق وقُيدت القضية ضد مجهول، لكن رقم السيارة السوداء ظل يتنقل بين الناس ومعه الكثير من علامات الاستفهام بشأن واحدة من أكثر الجرائم السياسية غموضًا في العالم العربي، جريمة اغتيال مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا.
66 يومًا كانت تفصل بين ليلة اعتقال أعضاء الجماعة وليلة اغتيال حسن البنا، تلك كانت أيامه الأخيرة عاشها ينتظر أن يتم التخلص منه بين لحظة وأخري، كل الشواهد كانت تؤكد له ذلك، حسن البنا كان يدرك تمامًا أنه رجل مقتول، تم اعتقال كل مَن حوله من جماعة الإخوان المسلمين وهو نفسه شخصيًا طلب أن يُعتقل وألح عليهم في اعتقاله ورفضوا.
وكان البنا يتنبأ لزملائه: «إن عدم قيام الحكومة باعتقاله دليل رسمي علي نية الحكومة قتله»، قال للشيخ الباقوري: إني سأختفي!»، سأله: ماذا تقصد فإني لا أفهم؟ أجاب: «قد أغيب غيبة طويلة، ومن يدري فلعلنا لا نجتمع بعد ذلك». واستدرك الشيخ البنا قائلاً: «رأيت في ليلة واحدة رؤيا تكررت مرتين قبل الفجر، وكنت في كل مرة أقوم من النوم وأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولكنني رأيتها مرة ثالثة في الليلة نفسها فلم أشك أنها رؤيا حق. رأيت أني أمسك بزمام ناقة يركبها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ثم إذا بيد تمتد إلي زمام الناقة فتأخذه من يدي فعلمت أن مهمتي قد انتهت، وأني لابد أن أغيب».
الطريق إلي الاغتيال
يعد اغتيال حسن البنا هو نتيجة لسلسلة من الأفعال وردود الأفعال بين الإخوان والنظام، بداية تعرض الإخوان لمحنة قاسية عام 1941 في وزارة حسين سري باشا بطلب من السلطات البريطانية، صودرت مجلتا التعارف والشعاع الأسبوعيتان وألغي ترخيص مجلة المنار، ومُنعت نشراتهم من الطبع وأُغلقت ومنعت مطابعهم، ومُنعت اجتماعاتهم ونشر أخبارهم في الصحف. واعتقل حسن البنا وأحمد السكري وعبد الحكيم عابدين في 19 أكتوبر 1941، وأودعوا معتقل الزيتون وتحت ضغط القصر أفرج عن حسن البنا والسكري في 13 نوفمبر 1941، كما أفرج عن عبد الحكيم عابدين، علي أن هذه المحنة خرج منها البنا بدرسين، الدرس الأول وهو تحاشيه الاصطدام مع البريطانيين بأي ثمن تفاديًا لإجهاض دعوته، والدرس الثاني العمل علي بناء التنظيم السري.كانت هذه هي المحنة الأولي التي لم تستغرق شهرًا.
أما المحنة الثانية، فقد امتدت شهورًا وسنوات وكلفت الإخوان آلافًا من المعتقلين والمسجونين، كما فقدوا مرشدهم العام، بدءًا من إصدار مفتي الديار المصرية فتوي تدين أفعال الجماعة وتتهم قادتها بالكفر، وكتب كثير من الكتاب مهاجمين ومنددين بجرائمهم وجمعت بعض هذه الكتابات وصدرت في كتاب بعنوان «جرائم عصابة الإخوان». وقرر مدير المساجد بوزارة الأوقاف إجراء مسابقة بين خطباء المساجد موضوعها الآية الكريمة: «قل بئس ما يأمركم به إيمانكم إن كنتم صادقين»، وكان الهدف من المسابقة هو إعطاء الفرصة للأئمة لينالوا من جماعة الإخوان المسلمين ما شاء لهم أن ينالوا.
ثم تأكد اتجاه الجماعة إلي العنف بعد فشل فكرة استخدام الطريق البرلماني للوصول إلي أهدافها، فقد حاول حسن البنا دخول الانتخابات في دائرة الإسماعيلية عام 1942، ولكنه تنازل عن الترشيح بضغط من الحكومة مقابل مكاسب حصلت عليها الجماعة من وزارة الوفد تعطيها حرية الحركة، ثم رشح نفسه مع عدد قليل من جماعته في وزارة أحمد ماهر مع نهاية عام 1944 وبداية عام 1945، ولكنهم هزموا بعد أن قامت الحكومة بتزوير الانتخابات فأصابهم الإحباط واليأس من الطريق البرلماني فاتجهوا إلي العنف أو عادوا إليه بعد أن تركوه حينًا.
لم ينس السعديون ولا القصر للإخوان مهادنتهم للوفد أثناء وزارته التي تألفت بعد حادث 4 فبراير 1942، لذلك سعي أحمد ماهر- الذي ألف الوزارة في أكتوبر 1944 بعد الانقلاب الدستوري الذي قام به القصر وأخرج به الوفد من الحكم - في انتخابات مجلس النواب في يناير 1945 إلي إسقاط المرشحين الستة من الإخوان المسلمين لعضوية مجلس النواب. وكان هذا تحديًا للإخوان. وعندما أعلن أحمد ماهر الحرب علي ألمانيا وإيطاليا عارضه الإخوان وكتبوا إليه بالعدول عن ذلك.
بعد اغتيال أحمد باشا ماهر بدأ حكم محمود فهمي النقراشي باعتقال المرشد العام حسن البنا، وأحمد السكري، وعبد الحكيم عابدين، وبعض الإخوان بتهمة الاشتراك في حادث الاغتيال. ولعل السبب الرئيسي في هذا الاعتقال هو أن العيسوي ذكر في معرض التحقيق معه أنه يطلب أخذ رأي زعماء البلد في إعلان الحرب، وذُكر اسم حسن البنا، ولكن أفرجت عنهم النيابة بعد أن اعترف القاتل محمود العيسوي بانتمائه للحزب الوطني. غير أن النقراشي قد سارع بإصدار أوامر بإخضاع نشاط جماعة الأخوان وجميع تنظيماتها للمراقبة الدقيقة، وفرض علي الإخوان أثقل القيود في نشاطهم واجتماعاتهم وراقب منازلهم، وكان يسمح لهم بعقد اجتماعات عامة أو مؤتمرات فقط. وهي السياسة التي اتبعها طوال فترة حكمه، إذن فهي علاقة لا تتسم بالمحاباة.
انتهت الحرب العالمية الثانية 1945، ودخلت الجماعة بعد ذلك دور المحنة الكبري، لأنها تزعمت قيادة الحركة الشعبية وألهبت المشاعر الوطنية المطالبة بحقوق البلاد التي وعد بها الإنجليز أثناء الحرب.واجتمعت الجمعية العمومية للإخوان في 8 سبتمبر 1945، وأدخلت بعض التعديلات علي النظام الأساسي حتي أضحي شاملاً لجميع غاياتها ووسائلها، وأصدروا جريدتهم اليومية «الإخوان المسلمون»، وصدر العدد الأول منها في 15 مايو 1946، وأصبح بذلك صوتهم مسموعًا في مصر والبلاد العربية، وبلغ عدد أعضاء الإخوان العاملين في مصر وحدها نصف مليون والأعضاء المنتسبون والمؤازرون بلغوا أضعاف هذا العدد.
وفي أوائل سبتمبر عام 1945 ألقي حسين توفيق قنبلة علي سيارة النحاس أثناء مروره بشارع قصر العيني في طريقه إلي النادي السعدي، وقد انفجرت القنبلة ولكن لم يصب النحاس ولا سيارته بسوء، وفر حسين توفيق، ولم يضبط ولم يعرف أنه الجاني إلا من اعترافاته في قضية مقتل أمين عثمان حيث تمكن من قتله بعد ذلك. وبعد حادثي اغتيال أحمد ماهر وأمين عثمان وفي الفترة الممتدة من (1946 وحتي 1948) تعددت حوادث إلقاء القنابل، وأخطرها وضع قنبلة في دار سينما مترو يوم 6 مايو 1947 انفجرت أثناء ازدحام الدار بروادها، فكان لانفجارها دوي فظيع أودي بحياة خمسة من النظارة وأصيب كثيرون من الانفجار، وتهدم جانب من الدار، وكان لهذا الحادث وقع أليم لكثرة ضحاياه من الأبرياء. وتكررت في الإسكندرية سنة 1946 حوادث إلقاء القنابل علي الجنود البريطانيين. بالإضافة إلي ضرب أقسام الشرطة بالمتفجرات والقنابل. ولقد أكدت الأيام للنقراشي أن حذره في مكانه، حيث شهد حادثة كوبري عباس 9 فبراير عام 1946، ولقد كشفت تقارير وزارة الداخلية التي رفعت إلي النقراشي عن دور الإخوان فيها.
ولما جاءت وزارة النقراشي الثانية (9 ديسمبر 1946- 28 ديسمبر 1948)، بادر البنا بكتابة مقال دعا فيه الحكومة الجديدة إلي إنهاء المفاوضات مع الإنجليز التي لا طائل منها، وكانت هذه هي بداية الحرب بين «النقراشي والإخوان»، ولذلك طلب البنا وساطة كريم ثابت - مستشار الملك - لدي النقراشي لإيقاف حل ومصادرة الجماعة، وذكر البنا في تقرير لمستشار الملك ضرورة عدم حل الجماعة، لأنها «عون كبير للملك والعرش في مقاومة الشيوعية». وبعد ذلك قاموا بحوادث عنف داخل مصر، ووجهت لهم تهمة أنهم ينوون إحداث انقلاب.
ومع حلول عام 1948 وقعت حوادث متتابعة وخطيرة هزت مصر وكان دور الإخوان هو الأخطر فيها - من وجهة نظر الحكومة- آنذاك ورأي البعض أن حركة الإصلاح الديني قد تحولت إلي جماعة تمارس الإرهاب لتحقيق مكاسب سياسية بعلم وتخطيط من حسن البنا، في 17 فبراير عام 1948 حدث أول انقلاب في العالم الإسلامي، اُغتيل الإمام يحيي حميد الدين حاكم اليمن علي يد المعارضين لحكمه بزعامة عبد الله الوزيري، وكان لحسن البنا دور كبير في دعم وتنشيط هذا الانقلاب وتردد أن فكرة إعداد الشعب اليمني للثورة نبتت في المركز العام للجماعة وبالتعاون مع البدر حفيد الإمام يحيي. ولكن الانقلاب فشل ولكن هذا ترك مخاوف كثيرة عند النظام.
وفي التاسع والعشرين من أبريل عام 1948 قررت الدول العربية إعلان الحرب ضد اليهود، فتوجهت كتائب الفدائيين من جماعة الإخوان للمشاركة في تحرير فلسطين، كانت صلة حسن البنا بالقضية الفلسطينية قد بدأت عام 1936 عندما اشتعلت الثورة العربية الكبري فاشترك متطوعون من الإخوان مع الثوار الفلسطينيين وجمعت التبرعات والأسلحة لدعم الثورة وعندما أصدرت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر عام 1947 بدأت جريدة الإخوان تدعو الجيوش العربية إلي دخول الحرب وشارك حسن البنا في تشكيل لجنة وادي النيل لجمع الأموال والسلاح للمتطوعين وفي عام 1948 قامت كتيبة من فدائيي الإخوان بالرد علي مذبحة دير ياسين فقاموا بتفجير مستعمرة كفار دروم ثم حاولوا مهاجمة مستعمرة دير البلح.
وفي تلك الأثناء وقع حادث خطير، في صباح يوم 22 مارس 1948، وهو اغتيال القاضي أحمد بك الخازندار وهو متجه من منزله في ضاحية حلوان إلي محطة السكك الحديدية سائرًا علي قدميه أفرغت في صدره رصاصات طبنجة من عيار 9 ملي ماركة برت، كان الهدف الانتقام من الخازندار وإرهاب رجال القضاء إذا تقدم إليهم متهمون في قضايا مشابهة. وبذلك أصبحت أهداف الجهاز الخاص السري للإخوان غير محصورة في مقاومة الاستعمار والصهيونية. اتجه القاتلان صوب الجبل فحاصرتهما الشرطة وقبضت عليهما، وفي 22 نوفمبر 1948، حُكِم علي المتهمين حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم بالأشغال الشاقة المؤبدة.
وفي 13 مايو - وقبل دخول الجيش المصري فلسطين - أُعلنت الأحكام العرفية، وفي 20 يونيو نسفت بعض المساكن في حارة اليهود الذين ينتمون إلي طائفة اليهود الربانيين في القاهرة، ردا علي مذبحة دير ياسين التي ارتكبها اليهود في فلسطين في 9 أبريل 1948.
وفي 16 يوليو ألقت طائرة إسرائيلية - حلقت في سماء القاهرة - قنابلها علي أحد الأحياء الفقيرة- حي البراموني - قرب قصر عابدين فهدمت منازل كثيرة وقتلت عددًا من السكان. وكان الرد علي هذا الحادث في 19 يوليو هو نسف محلي شيكوريل وأوريكو، وفي صباح نفس اليوم أعلنت الحكومة المصرية الهدنة الأولي.
وفي أواخر يوليو وأوائل أغسطس، أعلن الوطنيون عدم رضائهم عن هذه الهدنة فدمروا محلات بنزايون وجاتينيو، كما دمر في 22 سبتمبر جزء من حارة اليهود القرائيين. وفي 12 نوفمبر دُمر انفجار آخر شركة الإعلانات الشرقية التي ساعدت النشاط الصهيوني في ذلك الحين.
ولم تستطع سلطات الأمن أن تنسب هذه الحوادث إلي الإخوان المسلمين إلا في أثناء عرض قضية الجيب علي في ديسمبر 1950، حين نسبتها إليهم دون دليل، إذ قرر المدعي أن الجماعة عمدت إلي لفت الأنظار إليها عام 1946، باستخدام العنف المباشر ضد الإنجليز، وبإثارة الاضطرابات من أجل فلسطين، ولهذا يكون الإخوان المسلمين مسئولين عن حوادث النسف والتدمير، التي وقعت علي اليهود في مصر في الفترة ما بين يونيو ونوفمبر سنة 1948.
وفي 15 نوفمبر عام 1948 استطاعت الحكومة بطريق الصدفة في وقت قصير أن تضع يدها علي أخطر تنظيم سري مسلح أنشأه الإخوان في غفلة منها، وذلك عندما ضبطت سيارة جيب في أحد شوارع العباسية من دون أرقام تحتوي علي قنابل وأسلحة وذخيرة ومتفجرات ومعها خطط لعمليات نسف السفارتين البريطانية والأمريكية ووثائق تحتوي علي أسماء أعضاء التنظيم والشفرة السرية للاتصال بينهم ودراسات حول أهداف مزمع تدميرها، واتضح من الوثائق والمضبوطات أن الإخوان هم المسئولون عن حوادث التفجير التي وقعت في الشهور الأخيرة.
وفي 25 سبتمبر 1949 وضع النائب العام محمد عزمي بك تقرير الاتهام في هذه القضية، فقدم 32 متهمًا بتهمة الاتفاق الجنائي علي قلب الحكم. وقد أحيلت القضية إلي دائرة جنائية عسكرية عليا ثم أحيلت إلي دائرة جنايات عادية بعد رفع الأحكام العرفية برئاسة أحمد كامل بك وعضوية محمد عبد اللطيف بك وزكي شرف بك. ومثل النيابة محمد عبد السلام بك. وقضي الحكم ببراءة 14 متهمًا وبحبس الباقين مددا تتراوح بين ثلاث سنوات وسنة واحدة.
وبعد أيام من انكشاف النظام الخاص وفي صباح يوم 4 ديسمبر عام 1948 اغتيل اللواء سليم زكي - حكمدار شرطة القاهرة - علي يد طالب في جامعة فؤاد الأول علي إثر مظاهرة كبيرة في الجامعة أثارها الإخوان ضد محادثات الهدنة المقترحة لحرب فلسطين، وأذاعت الحكومة أن الطالب ينتمي إلي تنظيم الإخوان، في حين لم يستطع البوليس ضبط أي شخص أسندت إليه تهمة إلقاء القنبلة. وفي اليوم نفسه طلب حسن البنا من حامد جوده - رئيس مجلس النواب - التوسط لدي النقراشي باشا رئيس الوزراء لبدء صفحة جديدة بين الحكومة والجماعة، لكن طلبه قوبل بالرفض فأدرك المرشد خطورة الموقف.
بلغت المواجهة بين حكومة النقراشي والإخوان المسلمين ذروتها عندما أصدر النقراشي بصفته حاكمًا عسكريًا في 8 ديسمبر عام 1948 أمرًا عسكريًا رقم 63 بحل جماعة الإخوان المسلمين وشعبها، وغلق الأماكن المخصصة لنشاطها وضبط أوراقها ووثائقها وسجلاتها ومطبوعاتها وأموالها.
وفور صدور هذا الأمر الذي صدر في الحادية عشرة مساءً تم تعيين مندوب خاص من وزارة الداخلية لإدارة ممتلكات جماعة الإخوان المسلمين لصالح وزارة الشئون الاجتماعية، وكان ذلك بناء علي المذكرة التفسيرية التي قدمها عبد الرحمن عمار بك وكيل الداخلية لشئون الأمن العام، ذكر فيها وقائع عديدة من القتل والنسف والتدمير ارتكبها أفراد من هذه الجماعة تبريرا لاتخاذ قرار حلها.
وانتهت المذكرة إلي القول: «إنه يتبين من استعراض الحوادث التي عددتها أن جماعة الإخوان المسلمين قد أمعنت في شرورها بحيث أصبح وجودها يهدد الأمن العام والنظام تهديدًا بالغ الخطر».
بذل البنا جهودًا لإنقاذ الموقف حتي إنه حاول الاتصال بالملك وبإبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان الملكي لكنه لم يتلق أي رد، كان العد التنازلي قد بدأ، في السادس من ديسمبر صدر أمر بإغلاق صحيفة الجماعة. وفي الحادية عشرة مساء أذاع الراديو نبأ الأمر الصادر من الحاكم العسكري العام رقم 63 لسنة 1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين بكل فروعها في البلاد ومصادرة أموالها وممتلكاتها.
ولقد أعدت جريدة الأساس يوم 4 ديسمبر مانشيتا علي ثمانية أعمدة بحل جمعية الإخوان المسلمين. وبعد دقائق كان المبني قد حوصر من كل ناحية بقوات الشرطة التي قبضت علي كل من فيه، انتظر البنا دوره لكن لم يتعرض له أحد فتشبث بسيارة البوليس لكنهم أبعدوه وكانت الأوامر القبض علي كل أعضاء الجماعة عدا حسن البنا. وقد ظن النقراشي أنه قبض علي جميع قادة التنظيم حتي إنه رفض اعتقال حسن البنا تحقيرًا لشأنه، وعندما طلب البنا منه اعتقاله مع من اعتقل من أعضاء مكتب الإرشاد، كانت إجابته: «لا خطر منك بعد أن قصصنا أجنحتك».
علي أنه كان مخطئًا فقد أفلت من البوليس عدد من التنظيم السري كان يجهل أسماء أعضائه، وكان علي رأسهم مسئول النظام الخاص عن مدينة القاهرة، السيد فايز، الذي كون سرية من ستة أفراد لقتل النقراشي. وتصاعد شعور الإخوان العدائي ضد النقراشي باشا الذي أصدر قرار الحل، واعتبروا هذا القرار استفزازًا لهم لقتل النقراشي باشا. وتم ذلك في العاشرة من صباح يوم الثلاثاء 28 ديسمبر عام 1948- أي بعد عشرين يومًا من قرار الحل. وفي هذه المرة تم الاغتيال داخل بهو وزارة الداخلية نفسها وأمام أعين ضباط الشرطة. واتُهمت جماعة الإخوان بارتكاب الحادث.
أصدر البنا عقب اغتيال النقراشي بيانًا عامًا عنوانه «بيان للناس» استنكر فيه اغتيال النقراشي، وقد نشرت صحف مصر صباح يوم 11 يناير نداء المرشد العام تحت عنوان «بيان للناس» وها هو جزء من البيان: «وقعت أحداث نسبت إلي بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها أو يلتزموا نهجها، مما ألقي عليها ظلاً من الشبهة، فصدر أمر بحلها وتلا ذلك هذا الحادث المروع حادث اغتيال دولة رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي باشا الذي أسفت البلاد لوفاته».
وباغتيال النقراشي اتسعت دائرة الاعتقالات علي يد خلفه إبراهيم عبد الهادي، فقد اعتقل 4000 معتقل واجهوا تعذيبًا قاسيًا وفي مواجهة ما يعانون من تعذيب، بدأت الشكوك تنتاب أعضاء الجهاز السري حول فكرة الجهاد ومدي انطباقها علي عمليات الإرهاب التي قاموا بها ضد خصومهم. وكان الأستاذ مصطفي مرعي قد طلب من البنا أسماء الأعضاء الخطرين ومكان الأسلحة ومحطة الإذاعة السرية. قال الشيخ حسن البنا: الاعتقالات مستمرة بإسراف وأريد الإفراج عن بعض المعتقلين لأعرف منهم الخطرين ومكان السلاح. ووعد مصطفي مرعي ببحث طلبات الإفراج، ولكن حدثت محاولة نسف محكمة الاستئناف وتحديدًا في 13 يناير 1949، حاول شفيق إبراهيم أنس - وهو أحد أعضاء الجهاز السري - إحراق غرفة التحقيق لقضية السيارة الجيب وفيها ملف القضية وجميع أحرازها في دولاب بمحكمة الاستئناف بميدان باب الخلق (ميدان أحمد ماهر)، والهدف إعدام الدليل علي التهمة التي تلحق بالأشخاص المدونة أسماؤهم في أوراق التحقيق، سلم شفيق القنبلة لأحد السعاة لوضعها داخل المحكمة ولكن السعاة اشتبهوا فيه فحملوا الحقيبة خارج المبني حيث وضعت في ميدان باب الخلق حتي انفجرت، ولم يمض قليل حتي انفجرت في الساعة الثامنة والدقيقة العشرين صباحًا، وكان لانفجارها دوي هائل ارتجت له المنازل المجاورة وأحدث فجوة عميقة في الميدان وتلفًا كبيرًا في دار المحكمة وكسر زجاجها ونوافذها وأصيب من جراء الانفجار خمسة عشر شخصًا من المارة في الشارع، وألقي القبض علي شفيق إبراهيم أنس. وقد دلت ملابسات هذا الحادث علي أن الجاني كان يقصد نسف مكتب النائب العام وما فيه من أوراق ووثائق تدين بعض الإرهابيين من أعضاء الجمعية.
وقد نظرت هذه القضية أمام نفس المحكمة التي نظرت قضية اغتيال النقراشي. وكان ممثل الاتهام فيها هو محمد كامل القاويش. ولم تستغرق المحاكمة إلا أياما قليلة صدر بعدها الحكم علي المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة. كما أصدر البنا بيانًا آخر «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»، بعد هذا الحادث، ومن بعض نصوصه التي كتبها حسن البنا بيده ومن كلماته:"وقع هذا الحادث الجديد، حادث محاولة نسف مكتب سعادة النائب العام وذكرت الجرائد أن مرتكبه كان من الإخوان المسلمين، فشعرت بأن من الواجب أن أعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله من الجرائم لا يمكن أن يكون من الإخوان ولا من المسلمين». ونتيجة لذلك، كانت هذه التطورات تعني التصفية السياسية لحسن البنا والتي مهدت لتصفيته جسديًا بحادث اغتياله في 12 فبراير 1949. وهذا هو موضوع الحلقة الثانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.