مازلنا نعيش امتدادا للنهضة المتوترة التى بدأت منذ أواخر القرن الناسع عشر، تلك النهضة التى ضمت اتجاهين منذ بدايتها، هما: الراديكالى، أو المتطرف الذى يرى أن كل شىء من الخارج شر يحرم الاقتباس منه، لأنه أصل مشكلاتنا، ويعد هذا الاتجاه الأكثر شعبية وجماهيرية، اما الاتجاه الثانى فهو الإصلاحى، الذى يتحفظ على عدد من ممارسات الآخر لكنه يرى ضرورة نقل خبراته، وهذا الاتجاه الأكثر إنتاجا فى الواقع العربى رغم قلة إعداده، فيما كان الراديكاليون يرون الإصلاحيين خطرا عليهم. بهذا المفهوم يحاول كتاب «أزمة النهضة العربية وحرب الأفكار» للكاتب هانى نسيرة، تحليل حرب الأفكار التى عانت منها الأمة العربية وحولت نهضتها إلى نهضة متوترة. وقال الكاتب إنه يسعى من خلال كتابه إلى الكشف عن معالم النهضة المتوترة فى خطابنا العربى المعاصر ومحاولة الوصول عبر التحليل الموضوعى إلى قناعات علمية لحلها، بعد التخلص من هيمنة العقلية السحرية فى التفكير، التى يرى من خلالها الليبراليون أن الديمقراطية مفتاح سحرى لحل كل المشاكل. ويرى نسيرة أنه لولا سقوط الخلافة العباسية ما اعتقد الراديكاليون «المتطرفون» أن المؤامرة قد تأتى من الداخل أيضا، حتى إن القرن العشرين كله جاءت هزائم العرب فيه بسبب المؤامرات الداخلية، إذ كانت نتيجة تلك الصدامات ظهور تيارات سلفية لمواجهة تيارات الحداثة، ولرفض أى نقد لتراثها، وكانت الأخطر على المستوى الفكرى لأنها صاغت نظريات دينية كلامية جديدة لممانعة ومحاذاة التيارات الثقافية والإصلاحية الأخرى. ويوضح الكاتب أنه على حدود التيارات الفكرية كانت تحدث التأثيرات والتحولات من اليمين إلى اليسار، وكانت كذلك المراجعات وكان مسار النهضة يزداد توترا، وأن الأزمات فى الوطن العربى كثيرة منها أزمة الهوية والديمقراطية والمواطنة والطائفية، الأمر الذى دفع إلى تسمية النهضة العربية باسم النهضة المتوترة أو النهضة المعوقة، لأنها حققت كثيرا من أهدافها، ولم يعد ممكنا العودة عنها فى مجالات الاجتماع والمرأة والنظم السياسية والتعليم، إلا أنه رغم التقدم الذى وصلت إليه لا يمكن القول إن تلك النهضة لم تدرك مقام التحقق والوجود بالفعل. ولفت الكتاب إلى أنه كلما نشط التبشير العربى والغربى بربيع ديمقراطى عربى يخرجها من استثنائيتها العالمية يحدث تراجع جديد ومنتظر، فليس هناك عمل من أجل الديمقراطية وإنما تراجع جديد ومستمر، فكلما اشتدت اللحظة تأزما اشتدت الهوية انتفاخا وصراخا مما يزيد النهضة توترا والمستقبل تيهاً، فمثلا بعد أن اتفقت الاتجاهات الإصلاحية الإسلامية التى مثلها جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده والكواكبى والتيارات الليبرالية الوطنية على أن الاستبداد وغياب الديمقراطية هما أولى أزمات الأمة، وربطت بين حرية المواطن وحرية الوطن تورط رموز الإصلاحية والليبرالية فى تدشين مقولة «المستبد العادل». أزمة النهضة العربية وحرب الأفكار المؤلف: هانى نسيرة عدد الصفحات: 286 صفحة الناشر: الهيئة العامة للكتاب