لو أعطونى مائة عقل على عقلى لن أصدق أن القوات المسلحة «المصرية» تعاقب الشعب «المصرى» على هتاف «يسقط حكم العسكر» بالتزامها ب«ضبط النفس» تجاه ما تشهده مصر الآن من انفصال تام بين مؤسسة الرئاسة وعموم المصريين. «يسقط حكم العسكر» لم يكن هتافاً، لكنه «شرك» نصبه الإخوان المسلمون ووقع فيه شباب ثورة يناير، ونجح مخطط الجماعة فى الوقيعة بين الشعب وجيشه. التفسير الأقرب للمنطق أن الجيش لا يريد التورط فى العملية السياسية بعد أن جربها، وأصابه رذاذها، وأنه لن ينزل إلى الشارع، إلا إذا تفاقمت الأزمة وانتهت العملية السياسية إلى حارة مزنوقة، على رأى «مرسى»، ولا يكون هناك مخرج إلا عبر نفق تحفره القوات المسلحة بنفسها لتخرج بالبلاد إلى بر الأمان. هناك بلا شك مناورات سياسية بين نظام الحكم، الذى اقتنصته جماعة الإخوان، وبقية الأطراف السياسية من جبهة الإنقاذ والقوى والحركات السياسية الأخرى، بمن فيها الأحزاب الإسلامية، وفى القلب منها حزب «النور» السلفى، الذى اختلف مع الجماعة بصدق بعد أن تقاطعت مصالحهما، ولا أظن، كما يظن البعض، أن الخلاف مؤقت وسيلتقيان حتماً فى نهاية المطاف. أحسب أن الجيش يترقب بحذر ما ستسفر عنه تلك المناورات السياسية ليقرر ما يجب عليه فعله فى توقيت مناسب تماماً وفقاً لحساباته. وأقول للفريق عبدالفتاح السيسى: إن الشعب المصرى الآن فى أمس الحاجة لوقفة الجيش معه، ولا داعى للقول بأن للقوات المسلحة دوراً أكثر أهمية فى حماية حدود الوطن، والاستعداد لصد غزوات الأعداء من الخارج، لأن العدو فى الداخل قد يكون أكثر عدوانية وغطرسة، وسقط الوطن فى قبضة جماعة تضيف إلى رصيدها الدموى كل يوم العشرات من المصابين والضحايا المصريين، لا لشىء إلا لضمان سيطرتها على الحكم والتحكم فى مفاصل الدولة، وفرض أمر واقع لا يمكن تغييره بسهولة، إلا بعد عشرات السنين، ومزيد من الدماء. السيد وزير الدفاع.. الشعب ينادى جيشه.. وإذا تأخرت الاستجابة، سينفد رصيد الحب والأمل، وسيتجه الغاضبون بغضبهم إلى الجيش أيضاً، وليس إلى جماعة الإخوان فقط، وكل المراقبين السياسيين يحذرون من ثورة جياع قادمة، لا محالة ستأخذ فى طريقها الكل، حكومة، ومعارضة، وشرطة، وجيشاً، وكل مايمت لدولة عظيمة مثل مصر بصلة. الشارع ثائر، ولا أحد يلاحقه، ويعجز الجميع «قوى سياسية... وخلافه» عن السير بجواره، أو حتى خلفه بخطوة، المسافة تتسع، والكل عاجز عن تقديم مبادرة حقيقية تحل اللغز، والجهة الوحيدة المؤهلة لاتخاذ موقف هى القوات المسلحة، التى تضم من كل بيت وشارع وحارة رجلاً من أفضل رجال مصر. والموقف المطلوب من القوات المسلحة الآن ليس شرطاً أن يكون انقلاباً عسكرياً، بل يمكن أن يكون وقفة جادة تدفع الرئيس محمد مرسى وجماعته لتغيير أسلوب تعاملهم مع شعب يظنون أنهم ورثوه عن مدرس الابتدائى حسن البنا، مؤسس الإخوان. السيد وزير الدفاع.. دع القلق، وخذ نفساً عميقاً، وفكر فيما يجب أن تقرره الآن وليس بعد، ولا يغرنك ما تزعمه جماعة الإخوان حول دعم الولاياتالمتحدةالأمريكية لمندوبها فى مؤسسة الرئاسة، الأمريكان يعرفون تماماً أين مصلحتهم، وهى بالتأكيد ليست مع رئيس لا يعيش له قرار، ولا يستطيع تحقيق عُشر ما ينتظرونه من دولة محورية مثل مصر. أمريكا يا سيدى لن تتعامل إلا مع من يأتى به الشعب المصرى زعيماً، وليس رئيسا فقط، جاء بأصوات الفقر والجهل، الرئيس «أوباما» أو من يليه، إن شا الله يكون العفريت سيتعامل فى كل الأحوال مع كبير المصريين وزعيمهم.. وهو حتى هذه اللحظة ليس «مرسى»، أو «الشاطر»، أو «بديع». كم أشتاق لسماع هتاف «الجيش والشعب إيد واحدة»، وما أسمعه الآن فقط تجارب ل«بروفة جنرال» لضبط إيقاع الهتاف ليخرج متناغماً وقت الجد، ولا يتيح الفرصة للنغمة النشاز التى عزفها الإخوان من قبل.