فى لحظة قيام ثورة يوليو، كان القرار الأول للثوار، وقتها، هو السيطرة على دار الإذاعة، ومنها خرج بيان الثورة الشهير، بصوت السادات.. ولم يكن التليفزيون قد ظهر عندنا بعد، وإلا لكانت السيطرة عليه أسبق من الإذاعة، التى كان إحكام القبضة عليها، والحال كذلك، إنما هو إحكام للقبضة ذاتها، على البلد كله، بشكل أو بآخر! وحين دار الزمان دورته، وحاولت مراكز القوى فى عام 1971 السيطرة على البلد، وتحديد إقامة الرئيس السادات فى بيته، تمهيداً لعزله، فإن القرار الأول لها، كان فى اتجاه منع السادات من الوصول إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون، وكان هناك قرار آخر بمنعه من الدخول إذا وصل إلى المبنى، وكان معنى هذا أنهم كانوا يدركون، تماماً، أن وجود رئيس البلاد، فى ذلك الوقت، داخل مبنى ماسبيرو سوف يؤدى، بالضرورة، إلى تمكينه من إدارة الأمور كلها لصالحه!.. وهو صحيح! وحين جرى اغتيال السادات فى 6 أكتوبر 1981، فإن أجهزة الأمن اكتشفت أن الذين خططوا للاغتيال، كانوا قد خططوا، فى الوقت نفسه، لذهاب فريق منهم إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون للاستيلاء عليه، ثم توجيه الناس من خلاله، وقد فشل المخطط كله، وكان ذلك من حُسن حظ هذا البلد! والقصة كلها على كل حال، مروية فى كتاب اللواء فؤاد علام «أنا والإخوان»، ولكنها ليست موضوعنا الآن! فالموضوع هو: هل لايزال مفهوم الأمن، كما هو، وكما كان عليه، من خلال تلك الوقائع الثلاث، ابتداء من عام 1952، مروراً بعام 1971، وانتهاء بسنة 1981؟! الأمر اختلف قطعاً، فالإذاعة التى كانت وحيدة عام 52، لم تعد كذلك على الإطلاق فى عام 2009، وصارت إلى جوارها إذاعات وإذاعات، بعضها يبث من داخل الوطن، وبعضها يأتينا من خارجه، ولم يقتصر الأمر على الإذاعة وحدها، وإنما امتد، بحكم طبائع الأمور، إلى التليفزيون أيضاً، الذى لم يعد ينفرد وحده بمخاطبة عقول الناس، وإنما إلى جانبه تقوم محطات تليفزيون وفضائيات بلا عدد، وكلها استطاعت، فى فترة قصيرة، كسر احتكار تليفزيون الدولة لقلوب المواطنين، ولو أن ما حدث مع السادات عام 1971، قد حدث عام 2009، لكان من المؤكد أن تعيد مراكز القوى التفكير ألف مرة، قبل أن تقرر منعه من الوصول إلى ماسبيرو، بل إن القرار ذاته سوف يبدو ساذجاً! ثم تجاوزت المسألة هذه التفاصيل كلها، لنكتشف أن موقع «جوجل» الإلكترونى، يستطيع حالياً تصوير أى مكان فى القاهرة، وخارجها، على شبكة النت، ويستطيع أن يرصد الشوارع بتفاصيلها، وأن يبرز حتى الذين يمشون فيها، بما يعنى أن مفهوم الأمن، قد تطور بشكل كامل، مع تطور التكنولوجيا فى هذا العصر، على امتداد العالم.. ولكن يبدو أن مثل هذا التطور، لم يصل إلينا بعد، بدليل أننا لانزال نجد أن بعض المصالح الحكومية تعلق على جدرانها عبارة «ممنوع الاقتراب أو التصوير»!