إنه فى يوم رمضانى صيامى حار، كان لابد أن أذهب إلى سفارة كندا التى تقع فى جاردن سيتى.. ولأن معلوماتى عن جغرافية جاردن سيتى مثل معلوماتى عن جغرافية كوستاريكا، ناهيك عن أنه ليس هناك أى يافطة توحد الله فى المنطقة تعرف منها أين أنت على سطح الكرة الأرضية، بالإضافة إلى أن شوارع جاردن سيتى موحدة الاتجاهات وأى غلطة ستكلفك لفة ما يعلم بيها إلا ربنا، لذلك قررت أن أركن السيارة وأستعين بأبناء شعب مصر الكرام حتى يدلونى على مكان السفارة.. وفعلاً ركنت السيارة أمام محل مكوجى، حيث وجدت رجلاً مسناً يجلس أمام عمارة استوسمت فيه أنه عالم ببواطن الأمور فسألته عن السفارة.. وبمنتهى الشهامة أجابنى: «شوفى يا ستى، صلى عاللى هيشفع فيكى».. قلت لنفسى: «يا سلام وكمان راجل مؤمن، الحمد لله، يبقى إن شاء الله المشوار مش هيطول».. فصليت عاللى هيشفع فيا.. وبدأ الرجل يصف لى الاتجاهات وأكد لى أننى سأجد المبنى وسأعرفه بالعلم المعلق أمام المبنى.. وبعد أن انتهى، طلب منى أعيد على مسامعه كل ما قاله حتى يطمئن قلبه.. فقلت لنفسى: «يا سلام وكمان طلع راجل طيب.. الواحد يلاقى فين حد كده دلوقت».. وتذكرت كيف كنت صمامة أيام الدراسة فاستعرضت أمام الرجل موهبتى الفذة فى التسميع.. وبعد هذا الفاصل مشيت بلاد وبلاد حسب الوصفة وإنى ألاقى مبنى السفارة.. أبداً.. وأنظر يميناً ويساراً.. إنى ألاقى علم لأى بلد على أى مبنى.. أبداً.. كل ما أراه حولى غسيلاً منشور فى البلكونات.. قلت يمكن النهاردة يوم الغسيل فى السفارة ويمكن غسلوا العلم بالمرة.. فتفحصت فى جميع حبال الغسيل من حولى.. إنى ألاقى العلم منشوراً على حبل منها.. أبداً.. وهنا شعرت بالقلق، فقررت أن أسأل شخصاً آخر كان يجلس على باب جراج أمامى.. فأجابنى بمنتهى الشهامة: «ياه ده انتى بعدتى جداً بس معلش.. شوفى يا ستى صلى عاللى هيشفع فيكى».. قلقت شوية.. بس قلت عليه الصلاة والسلام.. فبدأ يشرح لى وصفة فى الاتجاه المعاكس تماماً.. فحمدت الله أن أنقذنى من الضلال بهذا الرجل العالم العلامة.. وتحاملت على آلام قدمى وبدأت أمشى حسب الوصفة.. شوية.. وشعرت مرة أخرى إن فيه حاجة غلط.. فتوقفت عند كشك.. وقلت أكيد صاحب الكشك خبير بالمنطقة وسأحصل منه على الوصفة السليمة.. وما إن سألته على السفارة إلا وانفجر ضاحكاً وبمنتهى الثقة أجابنى: «ياااااه دى مش من هنا خالص.. بس ما تقلقيش أنا هأقولك... شوفى يا ستى صلى عاللى هيشفع فيكى».. وما إن سمعت هذه العبارة إلا وأجبته: «لأ متشكرة».. وفررت منه وقررت ألا أسأل سوى أمين شرطة ويكون رتبة حتى أحصل منه على الوصفة الصحيحة.. وفى طريق بحثى عن أمين الشرطة الرتبة استرجعت الوصفات العديدة التى سمعتها.. ولا واحد فى كل من سألتهم كان يعلم مكان السفارة ومع ذلك تطوعوا بالفتوى متيمنين بالله ورسوله.. ولكن.. كلنا هذا الرجل.. كل واحد منا بداخله أراجوز صغنن مثل أراجوز الليلة الكبيرة قاعد يفتى فيما لا يخصه.. الإفتاء بالنسبة لنا هو وسيلة لإثبات الوجود.. المهم أننى أخيراً وجدت السفارة وأمضيت فيها ما أمضيت من الوقت ثم خرجت لأركب سيارتى.. وإذا بى أتذكر أننى كان يا ما كان كنت قد ركنتها أمام محل مكوجى فى بداية الرحلة.. ولكن بعد أن لعبت بى الوصفات ابتعدت عن مكانه وأنا بالطبع لست أدرى أين هو من السفارة!! ووجدتنى سأبدأ مرة أخرى رحلة بحث مضنية للبحث عن مكوجى السعادة الذى ركنت أمامه.. يا لسخرية القدر! بعد أن كنت أبحث عن سفارة الآن أبحث عن مكوجى! فعلاً الدنيا دوارة!!.. وما إن تذكرت الإفتاءات والضلالات التى تعرضت لها إلا ووجدت قدمى تتأوه.. فقررت أن أركب تاكسى لمنزلى وأؤجل البحث عن سيارتى ليوم آخر حين ميسرة.. وأوقفت تاكسى أوصلنى لمنزلى وعند نزولى منه سألنى سائق التاكسى: «والنبى يا هانم أصل أنا مش خبير بالمعادى هنا، ممكن توصفيلى أطلع إزاى على الكورنيش؟».. عندئذ لمعت عينى بالانتقام.. وشعرت أننى ألبس روح ريا وسكينة اللى عمرهم ما أكلوها بالساهل.. ووجدت خشونة تبدو فى صوتى وإذا بى أجيبه: «قوى قوى يا شاب.. أيوووه دى وصفة سهلة، صلى عاللى هيشفع فيك...»