وصف الكاتب الإسرائيلى «بينى تسيفار» قرار النقابات المهنية المصرية برفض التطبيع مع إسرائيل، بأنه رد فعل سلمى ضد الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية، وضد الظلم المستمر الذى تمارسه إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى. وأكد الكاتب، فى إطار تعليقه على قرار إحالة الدكتورة هالة مصطفى، رئيس تحرير مجلة الديمقراطية، للتحقيق بسبب استقبالها السفير الإسرائيلى فى مكتبها بالأهرام، أنه يتفهم اشمئزاز المصريين، وتقززهم من السفير الإسرائيلى شالوم كوهين، ومن أفراد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية فى القاهرة، بسبب الإجراءات الأمنية غير العادية التى تحيط بهم، وتتسبب فى شلل عام يضرب كل مظاهر الحياة فى كل مكان يزوره السفير الإسرائيلى أو أحد أفراد بعثته. وجاء فى نص المقالة: رأيت بعض ردود القراء على الخبر الذى نشره الصحفى «جاكى خورى» فى موقع جريدة هاآرتس، أمس، حول الصحفية المصرية العاملة بجريدة الأهرام التى استدعيت للتحقيق فى نقابة الصحفيين لأنها قابلت السفير الإسرائيلى فى مصر دون الحصول على تصريح. وكتب هؤلاء القراء فى تحد واضح: (بماذا سيرد «بينى تسيفار» على هذا الخبر)، وذلك لأننى معروف فى أوساط القراء بذلك الأحمق المجنون الذى يحب مصر ويدافع عنها بكل جوارحه. وطالما الأمر كذلك، فها أنا أرتدى القفازات، وأرد على تعليقات القراء التى تتحدانى، لقد اتخذت النقابات المهنية المصرية قراراً، منذ فترة طويلة، بفرض المقاطعة الشاملة على كل من يقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل، طالما استمر الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، وطالما ظل الفلسطينيون يرزحون تحت نير هذا الاحتلال، وأنا أعتقد أن هذا القرار يحظى بالشرعية الكاملة، حتى لو لم يكن يعجبنا نحن الإسرائيليين الذين نريد أن يحبنا العالم كله، ويمتدحنا قائلاً: «أنتم رائعون، أنتم مدهشون». فالمقاطعة الشاملة التى تفرضها النقابات المهنية المصرية على إسرائيل هى رد فعل سلمى ضد الظلم المستمر، وتعبير عن التضامن مع شعب يتألم ويكابد، وليس معنى ذلك أن كل شخص ينتمى لنقابة مهنية مُطالب بأن يقاطع الإسرائيليين، ويبصق عليهم كلما رآهم فى الشارع، فالمصريون، على النقيض من القراء الإسرائيليين الذين لا تفرق تعليقاتهم بين اليمينيين واليساريين، يعرفون كيف يفرقون بين ما هو شخصى وما هو عام بصورة منطقية جداً، وخلال زياراتى المتعددة إلى مصر، التقيت، بشكل شخصى، مع عدد كبير من الشخصيات المؤثرة فى الحركة الثقافية المصرية، واستخدمت بطاقة تعريفى كصحفى إسرائيلى لكى أشاهد، مجاناً، فعاليات جميع المهرجانات، وأزور جميع المتاحف. وأنا أشعر بمنتهى السعادة كلما زرت مصر، كما سبق وكتبت عشرات المرات فى تدويناتى التى أرسلها من هناك، وفى المقالات التى أكتبها عن رحلاتى. وعلاوة على ذلك، أنا أتفهم، بل أتعاطف مع اشمئزاز المصريين وتقززهم من البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية، ومن السفير الإسرائيلى. ويجب عليك أن تزور القاهرة، لكى تدرك ذلك، وترى بنفسك جميع الإجراءات الأمنية، التى تخدش عيون الناظرين، حول السفير والسفارة. تلك الإجراءات التى تتسبب أحيانا فى شلل عام يضرب مظاهر الحياة فى الحى الذى يسكن فيه السفير، ويضرب كل مكان يزوره، أضف إلى ذلك أن البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية بمصر تعيش داخل فقاعة محاصرة أمنياً، ومقززة للغاية. دون أى ضرورة فعلية تبرر ذلك، من وجهة نظرى، سوى رغبة أجهزة الأمن الإسرائيلية فى إظهار قوتها وجبروتها، وأنه لا غنى عنها. وقد خلقت كل هذه الترتيبات الأمنية المبالغ فيها صورة عنيفة ووحشية لإسرائيل حتى فى أذهان المصريين غير المهتمين، إطلاقاً، بممارسات الاحتلال فى الأراضى الفلسطينية، وهناك فيلم سينما مشهور، لعب بطولته الكوميديان المصرى العملاق عادل إمام، واسمه «السفارة فى العمارة». وقد سخر الفيلم من هذا الموضوع برمته، فهو يدور حول مهندس مصرى عاد إلى القاهرة بعد إقامة طويلة خارج البلاد، واكتشف فور عودته أن السفارة الإسرائيلية استأجرت الشقة المجاورة لشقته، وتحولت حياته إلى جحيم، بعد أن توجب عليه أن يخضع لتفتيش ذاتى كلما غادر منزله أو عاد إليه، ولم يعد فى إمكانه توجيه الدعوة لضيوفه لكى يزوره فى شقته، ومن المفيد لجميع القراء الذين أودعوا تعليقاتهم فى الموقع الإلكترونى أن يشاهدوا هذا الفيلم، ولو لمجرد المتعة. لقد تعرفت على مسؤولين رسميين إسرائيليين خرجوا من هذه الفقاعة الأمنية، ورفضوا الانصياع لمتطلباتها، واكتشفوا أمراً مدهشاً، لم يحدث لهم أى مكروه. تعرفت على «بينى شارونى»، الذى شغل منصب الملحق الثقافى بالسفارة الإسرائيلية فى القاهرة. واعتاد أن ينظم حفلات على سطوح منزله بالقاهرة، ويدعو كل من يرغب فى المجىء دون الحاشية الأمنية المرافقة. ربما انتشرت هناك حراسة غير مرئية، لم نستطع ملاحظتها أبداً. لكن الواقع أن أحداً لم يقاطع «بينى شارونى»، وامتلأ بيته بالمثقفين المصريين، ونفس الشىء فعله، ويفعله بعض مدراء المركز الأكاديمى الإسرائيلى فى القاهرة الذين يسخرون، قدر إمكانهم، من كل هذا السخف الذى يسمى «الحراسات والتأمين». ويبدو ذلك واضحاً فى طبيعة علاقاتهم مع المصريين. وإذا عدنا إلى قضية الصحفية المصرية التى استدعيت للتحقيق، فتعالوا نتفق أن لكل مجتمع محظوراته التى يتشبث بها. فنحن، مثلا، لا نقبل بإنكار المحرقة النازية، وهناك قضايا أخرى تعد من المحظورات فى العمل الصحفى عندنا، ومن ذلك على سبيل المثال فقط، أننا يستحيل أن نكتب أن جندياً إسرائيلياً قتل مجموعة من الفلسطينيين بدم بارد، ولكن أقصى ما يمكن أن نكتبه أنه قتلهم بطريق الخطأ، لكن يسمح فى صحافتنا، وربما يوصى، أن نكتب أن إرهابيين فلسطينيين قتلوا إسرائيليين بدم بارد. وخذ عندك مثالاً آخر: ينبغى على الصحفيين الإسرائيليين الالتزام بقانون الرقابة العسكرية، ومن السهل جدا إغلاق صحيفة، أو إيقاف طبعها إذا لم تلتزم بأوامر الرقابة العسكرية. أنا أيضاً أقترح على القراء الذين يتحدوننى أن يقرأوا مقالاً عظيماً سينشر فى عدد صحيفة هاآرتس الصادر بمناسبة «عيد المظال»، فى ملحق «ثقافة وأدب»، حول المسلسل المصرى الناجح الذى عرض هذا العام بمناسبة شهر رمضان. المقال بقلم «أيال سجى - بيزاوى» أحد محبى مصر القلائل فى هذه البلاد، ومن كبار المتخصصين فى الثقافة الشعبية المصرية، ويدور المسلسل المصرى، الذى كتب عنه، حول سيرة المطربة اليهودية ليلى مراد، أهم منافسى أم كلثوم. يلقى المقال الضوء حول الحياة المزدهرة التى عاشها اليهود فى مصر. فماذا يقول القراء عن ذلك الموضوع المتعاطف مع اليهود الذى أختير ليكون مادة للمسلسل الأكثر مشاهدة فى رمضان، وهو من أكثر الشهور التى يقدسها المسلمون. إن شاء الله، سأزور مصر قريباً، وأعدكم أن أزود كل القراء الحانقين علىَّ، بردود وإجابات جديدة حول تعليقاتهم المتحدية. ترجمة - محمد عبود