منذ أعوام، وصور عتيقة لصعيد مصر تبلغ عمرها نحو 60 عامًا، تتدافع بذاكرتى بلونيها الأبيض والأسود لتنبض باللون الأخضر رمزًا للحياة، لِمَ لا، ها هى أحلام طال انتظارها ستتحول إلى حقائق واقعة، لِمَ لا. فالأخبار تتوالى، الخبر وراء الخبر، التنمية المحلية توجه ثلث الاستثمارات لمحافظات الصعيد.. مشروعات التنمية لصعيد مصر تنفذها الحكومة بدعم بعض الجهات المحلية والدولية إلخ.. أنا اليوم بالقاهرة، المكان هو تراس لفندق خمس نجوم، يطل مباشرة على النيل، اشعر بشىء ما ثقيل يزحف على القلب، كأنها رائحة الغضب قادمة من صعيد مصر، وقد بدأت تنبعث بشدة من مياه النيل، وكأن السد منذ سنوات لم يطرق على أبوابه أحد!! يترامى إلى مسامعى خبر انتحار عجوز مصرى حرقًا بمحافظة قنا، جنوب مصر، بسبب الفقر! نعم، بسبب الفقر الدائم. قرر التخلص من حياته، فأشعل النيران فى نفسه.. تتدافع إلى ذاكرتى صور باهتة لصعيد مصر تميل إلى الإصفرار رمزًا للموت لم أدرك أن القاهرة مازالت تولى وجهها ناحية الشمال، ولاشك أن العجوز قد سمع ضحكاتهم وأغانيهم العالية فى أحلك لحظات حياته.. بأقدام متثاقلة وأنفاس متلاحقة أعود إلى حجرتى لأكتب تلك السطور، أحجز نفسى لبضعة أيام لا أعرف لماذا؟ هل لأنتظر أحدًا ما يكذب الخبر؟ أم لأننى لا أستحق أشعة الشمس؟ أم لأن الظلام قد يبدد كل شىء؟ كنت محقًا، فقد بدد الظلام كل شىء، فيما عدا الضمير وصورة حفيد العجوز يلقى ذات المصير.. إلى العجوز المنتحر.. النيل يجعلنا أصدقاء إلى الأبد، نعيش معًا، تسيل دماؤنا معًا، ونموت معًا!! محمود البسيونى- القاهرة [email protected]