فتح الدكتور أسامة الغزالى حرب، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، قلبه ل«المصرى اليوم» واعترف بأنه كان شديد السذاجة عندما تصور أن تعديل المادة 76 تغيير حقيقى فى مسار النظام، وأوضح أن الإخوان المسلمين لا يمثلون خطرا حقيقيا على الحياة السياسية فى مصر، وأن الصراعات داخل المجلس القومى لحقوق الإنسان، الذى يشغل عضويته، هى السببل فى ضعف تقاريره.. وكشف عن الأسباب الحقيقية التى دفعته للاستقالة من الحزب الوطنى، مؤكدا أن النظام السياسى فى مصر بدأ يتحلل، ولا بديل عن تطبيق الديمقراطية. ■ ما السر الذى لم تفصح عنه حتى الآن؟ - لا يوجد فى حياتى شىء من هذا القبيل. ■ حتى لو كان أسباب خروجك من الحزب الوطنى؟ - هذا الموضوع ليس سراً، ولكنه كان موقفا مرتبطا بالتعديلات الدستورية، خاصة تعديل المادة 76، فبعد خطاب الرئيس فى مدرسة المساعى المشكورة شعرت وقتها أن هذا هو ما تحتاجه مصر وشعرت بدهشة شديدة وسعادة بالخبر، وأن هناك رغبة حقيقية فى التغيير. وهنا أعترف بأننى كنت شديد السذاجة عندما تصورت أن هناك رغبة حقيقية لإحداث تحول ديمقراطى، فقد كنت حسن النية بشكل مبالغ فيه. وقتها كتبت 3 مقالات فى «الأهرام» حول الموضوع، وكانت الأولى عنوانها «الطريق إلى الجمهورية الثانية» والمفاجأة أننى اكتشفت أن هذا الكلام لم يلق أى ارتياح على الإطلاق لدى النظام، وفوجئت بمقال فى «الشرق الأوسط» لعبداللطيف المناوى بعنوان «فئران السفينة» ينتقد فيه موقف المثقفين الذين هربوا من المواجهة ولم يساندوا النظام. هنا فقط اتضح الأمر وسألت نفسى: ما الذى يدعو النخبة الحاكمة إلى تغيير نفسها ما دام ليس هناك معارضة حقيقية أو مقاومة؟! لا داعى لإحداث تغيير ما دام لا توجد ضغوط حقيقية. ■ لماذا تم وصفكم بفئران السفينة؟ - يبدو أن هناك عناصر تفهمت فكرة الجمهورية الثانية بشكل مختلف لأن هذا الوقت شهد ضغوطاً خارجية من الرئيس الأمريكى بوش على المنطقة لإرساء الممارسة الديمقراطية، فظهر للنظام وقتها أن من يدعو للديمقراطية يقف فى صف الضغوط الخارجية. وبعدها جاء تعديل المادة 76 مخيباً للآمال. ■ هل صدمت من هذه التعديلات؟ - كانت هذه اللحظة بمثابة لحظة صدق مع النفس، وقررت أن أقول رأيى بما يتفق مع قناعتى وضميرى، وأعلنت فى مجلس الشورى رفضى هذه التعديلات لأنها تحايل على القانون ومجرد تحول شكلى. ■ كيف جاء قرار تقديمك استقالتك من الحزب.. وهل تعرضت لضغوط بسبب هذا الموقف؟ - منذ اللحظة التى أعلنت فيها اعتراضى ونيتى تقديم الاستقالة أصبح «دمى تقيل» داخل الحزب وغير متماش مع السياق العام، وفوجئت بمحاولات لاستيعابى وسعى للتوافق مع لجنة السياسات وقتها طلبنى أحمد عز، وتقابلنا مع جمال مبارك، وسألنى عن أسباب الاستقالة وسبب اعتراضى على تعديل المادة 76، وكان واضحاً جدا عدم التوافق بينى وبينهم وتم إرجاء إعلان الاستقالة حتى انتهاء انتخابات الرئاسة ومجلس الشعب. ■ ألم تكن هناك رغبة لدى جمال مبارك فى استمرارك فى الحزب؟ - لا أعتقد بسبب الفجوة بين الأجيال، واللقاء كان نوعاً من الاحتواء حتى لا تتفاقم الأزمة، فالهدف من اللقاء كان عدم تفجير الموضوع، لذلك لم يتم إعلان الاستقالة إلا بعد فترة حتى لا تتسع المسألة. ■ وهل تعرضت لضغوط للتراجع عن الاستقالة؟ - أبداً وإنما حدثت اتصالات معناها عدم تصعيد الموضوع أكثر من ذلك. - قيل إنك أعلنت الاستقالة من الحزب الوطنى من باب الدعاية للحزب الجديد «الجبهة» الذى كان تحت التأسيس.. فما مدى صحة ذلك؟ - غير صحيح، لأن موضوع «الجبهة» لم يكن فى ذهنى وقتها وإنما ظهر نتيجة ردود الأفعال حول الاستقالة. ■ قطعت شوطا فى حزب الجبهة.. فهل تمكنت حتى الآن من تحقيق حلمك فى تأسيس «حزب حقيقى»؟ - عندما تؤسس حزباً فأنت تؤسس تنظيما ومؤسسة، والأمر يحتاج إلى مجموعة عناصر ووقت ليس أقل من 5 سنوات، خاصة فى ظروف غير مواتية لظهور الأحزاب. ■ هل ندمت على قرار الاستقالة من الحزب الوطنى؟ - إطلاقا. ■ وماذا عن قرار تأسيس حزب الجبهة؟ - عيب هذا القرار أننى كنت أتمنى أن أتخذه وأنا فى مرحلة الأربعينيات من عمرى، فعندما تقوم بتأسيس حزب وأنت فى الستين فالأمر مختلف تماما. ■ تعرضت لعدد من المضايقات عقب الاستقالة خاصة فى منطقة سكنك أمام منزلك.. ما تعليقك؟ - هذه المضايقات حدثت قبل إعلان الاستقالة فبعد شرائى فيلا فى التجمع الخامس، وأمامها مساحات خضراء فوجئت فى أحد الأيام ببلدوزرات تحفر المساحات الخضراء وأخبرونا أنهم سيبنون مسجداً، لم أمانع ولكن تعجبت لأن هناك أكثر من مسجد فى المنطقة. وعلمت من خلال اتصالاتى أن وراء هذا الموضوع إبراهيم سليمان، وزير الإسكان وقتها، وأنه يفعل ذلك نكاية فى، لأننى متزوج من شقيقة المهندس ممدوح حمزة الذى كانت بينه وبين سليمان مشاكل كبيرة فى ذلك الحين، والغريب فى الأمر أن عملية الحفر تمت بسرعة كبيرة وانتهت خلال ساعة. ■ وما النكاية فى وجود مسجد أمام منزلك؟ - عندما تخطط لأن تسكن فى منزل أمامه مساحة خضراء، فأنت تريد أن تجلس أمام حديقة ومهما كانت درجة تدينك، ستنزعج من تغيير ما خططت له، فهذا تصرف فيه «خبث»، أن تستخدم المسجد لمضايقة الناس. وعندما أبلغت زكريا عزمى ضحك وسأل إيراهيم سليمان فأبلغه أن المكان مخصص لبناء مسجد، وبعدها التقيت جمال مبارك وتم حل المشكلة بعد ساعة من لقائى به. وغير ذلك لم أتعرض لمضايقات وإنما لمجموعة من التصرفات الغريبة، فبعد خروجى من «الوطنى» تم منعى من الظهور فى التليفزيون الرسمى خاصة أننى كنت قبلها أظهر بشكل مبالغ فيه وهذا الحظر مستمر حتى الآن. ■ ما تقييمك لأداء الحزب الوطنى وأمانة السياسات بشكل خاص؟ - الحزب الوطنى ليس حزباً حقيقياً إنما هو مجموعة من المنتفعين أصحاب المصالح.. أما لجنة السياسات فهى ليست إلا إطاراً رسمياً يتحدث من خلاله جمال مبارك، فهى لا تمثل كياناً مؤسسياً حقيقياً. وفى رأيى أن النظام السياسى وصل إلى نهايته ويلعب فى الوقت الضائع، وأمامه تحدٍ واحد فقط، إما أن يتحول إلى نظام ديمقراطى حقيقى أو يتحلل ويتنهى. ■ بعد استقالتك من «الوطنى» رفضت رئاسة مؤسسة الفكر العربى فى بيروت رغم مميزات هذا المنصب.. فما السبب؟ - بشكل عام لا أحب العمل خارج مصر، وعندما عرض على المنصب كنت قد شرعت فى تأسيس حزب الجبهة، الأمر الثالث أن العمل فى المؤسسات العربية لا يستهوينى. ■ تردد أنك رفضت لأن القائمين على المؤسسة أصحاب فكر محافظ يختلف مع توجهاتك الليبرالية.. فما مدى صحة ذلك؟ - هذا أحد الأسباب ولكنه ليس السبب الاول فلو كانت المؤسسة تعكس الفكر الليبرالى كنت سأرفض المنصب أيضا. ■ كمفكر ليبرالى كيف ترى وجود الليبرالية أو الليبراليين الحقيقيين فى مصر الآن؟ - قطعا، فالليبرالية هى التيار الأعمق بعد التيار الإسلامى فى مصر، ولكن مع ظهور حركة الإخوان المسلمين عقب انهيار الدولة العثمانية فى العقدين الثانى والثالث من القرن العشرين، حدث انحسار لليبرالية، وأصبح الهدف أبراز التناقض بين القوتين الإسلامية والليبرالية، مما أظهر العداء بين الإخوان والليبراليين، خاصة أن التيار الناصرى يضمحل، والاشتراكى أصبحت له حدود معينة. ■ وماذا عن فكرة المواطنة التى أصبح الكلام فيها أكثر من تحققها على أرض الواقع؟ - ضعف النظام السياسى المصرى خاصة بعد ثورة يوليو أدى إلى إضعاف الفكرة وإدخال التمييز إلى الحياة العامة المصرية كجزء من التشوه السياسى فى مصر. المواطنة فى مصر «مضروبة» ضربة حقيقية وتعانى من مشاكل. ولم يعد التمييز فقط على أساس الدين وإنما أصبح هناك تمييز على أساس الثروة والدخل، فمصر تشهد الآن أقصى صور التفاوت الطبقى فى تاريخها المعاصر، ومبدأ المواطنة الحقيقى غير موجود فى مصر. ■ كيف ترى العلاقة بين المسلمين والمسحيين فى مصر الآن؟ - تصعيد التوتر فى هذه العلاقة هو أخطر ما يهدد مصر فى الفترة المقبلة، لأنه يصيبها فى الصميم، ومصر مهددة حاليا بثلاثة مخاطر، هى: الانقسام الطائفى، والانقسام الطبقى، وتدهور مستوى التعليم. والبداية لن تكون إلا بإصلاح نظام التعليم. ■ كيف ترى العلاقة بين الإخوان المسلمين والحكومة، وما مشكلة الإخوان الحقيقية فى الحياة السياسية؟ - مشكلة مصر ليست الإخوان المسلمين وإنما النظام اللاديمقراطى، فإذا وجد نظام ديمقراطى حقيقى فيمكن للإخوان أن يعيشوا ويمارسوا حياتهم فى ظل مناخ يسمح لهم بالوجود، ولن يشكلوا خطراً على الإطلاق، كما أنهم لن يسيطروا على الحياة العامة بل سيكونون فصيلاً مثل باقى الفصائل السياسية. ■ هناك اتهامات موجهة إليك بتفريغ حزب الجبهة من رموزه المؤسسة له.. فما ردك؟ - كلمة رموز الحزب هى كلمة مصرية، فالحزب إما به ناس تعمل أو لا تعمل، نحن نتشرف بعضوية بعض الشخصيات العامة كواجهة وإعلان، ولكن الأمر يختلف فى مرحلة العمل الجاد، وخروج بعض الأسماء من الرموز أمر طبيعى. وهناك أسماء موجودة ولا تمارس عملا فعليا لأسباب مختلفة. ■ مثل من؟ - مثلا نحن نتشرف بعضوية أسامة أنور عكاشة، ولكن ظروفه لا تسمح له بممارسة عمل تنظيمى بشكل مستمر. ■ وماذا عن خروج الدكتور يحيى الجمل من الحزب، وقيل إنك وراء خروجه؟ - لا أحب الخوض فى مسألة خروج الجمل الآن، وربما يأتى يوم يمكن أن نتحدث فى هذا الموضوع. ■ بصفتك عضوا فى المجلس القومى لحقوق الإنسان كيف تفسر الاتهامات التى توجه للمجلس بأنه ديكور للحكومة؟ - مشكلة المجلس أنه أنشئ بقرار جمهورى لذلك ينظر له الجميع على أنه واجهة للدولة، ولكن لا نستطيع قول ذلك على أشخاص مثل فؤاد عبدالمنعم رياض أو محمد فائق أو جلال عارف أو سامح عاشور وغيرهم. ■ ولكن التقارير تخرج متحفظة؟ - المجلس بداخله صراعات، فهناك من يريد للتقارير أن تخرج متحفظة، وهناك من يرفض ذلك.. نعم توجد داخل المجلس اختلافات فى وجهات النظر، وهناك شخصيات من الحزب الوطنى تمثل الحكومة ومع ذلك نحاول أن نتجاوز ذلك. ■ كيف ترى حالة حقوق الإنسان فى مصر؟ - قطعا بها مشاكل كثيرة خاصة الحقوق السياسية والمدنية، فالحقوق الانتخابية للمواطن المصرى غير متاحة على الإطلاق، وكذلك حرية التعبير.. وأكثر أنواع الحقوق المنتهكة هى الاقتصادية والاجتماعية مع وجود الفقر والامتيازات الاجتماعية والطبقية.