عادت واحدة من طيور مصر الهاربة.. المرأة الحديدية.. الست هدى عبدالمنعم بعد هروب 22 عاما من مصر كانت قبلها السيدة الأولى فى عالم المال والأعمال ومسيطرة بنفوذها ومالها على بعض رجال فى السلطة وخارجها، حتى باتت كل أمنية لديها أمراً، وكل حلم لها واقعاً بموافقات ومباركات تخطت كل الحواجز. هربت رغم قرار منع السفر وفرض الحراسة بعد أن وصلت مديونيتها إلى 30 مليون جنيه، وتساءل الجميع وقتها: «مين هرّب الست؟»، وظل السؤال معلقا وغامضا أيضا عند إعلان القبض عليها وسأل الناس ونحن معهم: «.. طيب ومين جاب الست؟» هل كان هناك ثمن للعودة مثلما كانت هناك صفقة فى الهروب؟ والسؤال سيظل غامضا مثل غيره من الأسئلة اليتيمة فى مصر التى لا إجابة لها، فهناك مسؤول بل مسؤولون كانوا وراء الهروب الجماعى لرجال الأعمال المصريين المتهمين بالاستيلاء على أموال البنوك. فمن نحاسب إذن-أولا- منفذ عملية الهروب أم الهارب؟ لا نريد اتهام الهاربين فقط، فالمسؤولية مشتركة والجريمة واحدة، والتحقيق يجب أن يشمل الجميع لإظهار الحقائق وكشف المستور، والأصل أن تعود أموال الشعب المنهوبة سواء بالتصالحات والتسويات أو المطالبات، دون أن يكون القبض على أحدهم وسيلة لتحسين صورة أو غسل سمعة لنظام حكم هربوا فى وجوده بعد أن ضحى بهم، وهم رجاله، كعربون أو قربان طهارة ونزاهة للناس فى بادئ الأمر، ثم هو النظام ذاته الذى يبحث عنهم الآن ويحاور بعضهم ويتشاور مع البعض الآخر، ويقدم الضمانات والتطمينات هنا وهناك. وإذا كانت هناك مفاوضات وتسويات مع بعض رجال الأعمال مثل رامى لكح وعمرو النشرتى وتيسير الهوارى وعادل أغا وغيرهم، فما المانع من فتح باب العودة أمام أسراب الطيور الهاربة بأموالها واستثماراتها إلى مصر بشرط حسن النوايا وتصفية الحسابات القديمة، وتسديد ما عليها بشرط ألا تكون متهمة بإزهاق أرواح وقتل أبرياء من الشعب المسكين. أعرف أن الأمر ليس سهلا أو بسيطا، وعودة بعض من هؤلاء ليست فى صالح رجال فى السلطة لديهم خوف من كشف المستور، لكن أيضا من غير المعقول أن يبقى ما بين 75 و150 رجل أعمال مصرياً هاربين فى دول أوروبية وعربية، ولديهم استثمارات فى تلك الدول تفوق أكثر من 220 مليار جنيه دون أن تستفيد منها مصر وهى الأموال التى هربوا بها أو حتى بجزء منها ثم تضخمت ثرواتهم بالخارج. إذن من المستفيد من الهروب والأموال والاستثمارات، وأين المصلحة فى بقاء الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر أن يبقى هاربا؟ فليكن القضاء هو الفيصل والحكم، وليقل كلمته، سواء مع هدى عبدالمنعم أو توفيق عبدالحى أو السعد أو لكح أوغيرهم، لكن المهم أن تعود أموال هؤلاء إلى الداخل لأنها أموال الشعب المغلوب على أمره. الشرط الوحيد هو ألا تستغل العودة والقبض على من يرغب فى ذلك، فرصة للتطهر وغسل السمعة تمهيدا لما هو قادم، مثلما حدث فى الماضى، وكان الضحية هو الشعب الذى اكتشف أن الفساد فى الداخل كان- ومازال- أشد خطرا وفتنة من الفساد الهارب.