تضافر جهل الكثير من الآباء وأمية الكثيرات من النساء ليلعبا معا دورا كبيرا فى استمرار ظاهرة زواج «الشغار»، أو البدل، لاسيما فى المناطق الريفية من اليمن. زواج حكم عليه بالفشل قبل أن يبدأ، ويدفع كل من الزوجين ثمن ذنب لم يقترفاه، عندما أجبرا على الزواج دون رغبة منهما، تلبية لعادات وتقاليد محرمة أصلا دينيا «لا شغار فى الإٌسلام»، إذ يتم فيه تزويج فتاة مقابل أخرى، دون شرط أو مهر ودون حتى تراض منهما، بحجة توارث تلك العادة الجاهلية أبا عن جد، نتيجة جهل الكثيرين بحق المرأة، واعتقادا منهم بأن ذلك الزواج يحافظ على العلاقات والتماسك الأسرى،. صحيح أن «زواج البدل» ليس بظاهرة جديدة على اليمنيين، لكن علماء الاجتماع يرصدون استمرار تلك الظاهرة رغم حصول المرأة الريفية اليمنية على قدر من التعليم، كان من المفترض أن يؤهل تلك المجتمعات للامتناع عن تلك العادة المتوارثة، والناتجة عن الظروف المعيشية الصعبة والحرص على التماسك الاجتماعى. وتقوم فكرة زواج الشغار على عدم دفع أى شىء بل أخذ زوجة مقابل أخرى على أن تخضع الزوجتان لنفس الظروف فى السراء والضراء، فإذا لم تتفق زوجة مع زوجها تنسحب هذه الخلافات على الزوجة الأخرى، مما يتسبب فى حدوث مشاكل كبيرة بسبب تمسك أحد الأزواج بزوجته مقابل رفض الآخر وعدم التوافق. بين مزايا يتحدث عنها المتمسكون بتلك العادة، وعيوب يقر بها الواقع، سألت «المصرى اليوم» عددا ممن خاضوا تلك التجربة، فروى والد صالح الوصابى، مأساة ابنه، قائلا، إن ابنى بعد أن اتفق مع والد زوجته على أن يزوجا ابنيهما بطريقة «الزقر» - أى الشغار - تم الزواج و»بعد مرور عامين لم تتفق ابنتى مع زوجها وكانا على خلاف دائم ومن الطبيعى أن أى خلاف بينهما يمتد لابنى وزوجته، فما إن تعود ابنتى إلى البيت حتى تترك زوجة ابنى البيت دون أى مشاكل، والمشكلة أن ابنى تعلق بزوجته كثيرا، فما إن تطورت الخلافات بين العائلتين ووصولت إلى المحاكم وفشلت كل الحلول حتى لجأنا إلى الحل القبلى على أن يطلق ابنينا معا بعدما خسرنا أموالا طائلة، لكن ابنى فقد عقله جراء ضغوطنا عليه ليطلق ومازال إلى الآن على هذه الحالة. علماء الاجتماع يعزون انتشار هذا النوع من الزواج فى اليمن إلى اتساع دائرة الفقر منذ الخمسينيات، وما قبلها حقبة «الثورة اليمنية» مما دفع أفراد المجتمع الذين كانوا يعيشون آنذاك فى عزلة تامة إلى اعتماد هذا الزواج بسبب الظروف المعيشية فكانت طريقة «المقايضة» هى الحل الأمثل بالنسبة لهم. وقالت الأستاذة عائشة منصور، نائب مدير المركز التعليمى فى محافظة أب، «اعتبر استمرار هذه الظاهرة فى العصر الراهن نتيجة للمغالاة فى المهور والمبالغة فى شروط الزواج فيكون هذا الحل لمن لا يستطيعون توفير كل هذه المتطلبات»، وتضيف «رغم انتشار الظاهرة فى اليمن إلا أن الدراسات والأرقام الخاصة بها تكاد تكون معدومة لأسباب غير معروفة، غير أن مهتمين يقدرون أن نسبة فشل هذا النوع من الزيجات تتجاوز 80% لكنهم يتحفظون على إعطاء نسبة لانتشار هذا الزواج فى المجتمع». وترى منصور بحكم إشرفها على بعض المراكز التعليمية أنه «عندما ينعدم الترابط الأسرى بين الزوجين، يمكن أن ينحرفا أخلاقيا وهما متزوجان وهذا ما لمسناه فى كثير من الحالات الموجودة على الواقع، فقد وجدنا فتاة ومن أسرة كبيرة ومعروفة فى البلد ولأنها أجبرت على الزواج انحرفت». وتروى م. د فى محافظة أب مديرية السيانى التى تتلهف لرؤية ابنتها التى لم تتجاوز السنتين، الأسباب التى دفعت عائلتها إلى تزويجها عن طريق زواج البدل بسبب القرابة، قائلا «والدى يؤمن بالعائلية أكثر من غيره فقد تحدث مع عمى، واتفّقا على أن نتزوج دون مهر، ولا ذهب، وغير ذلك من الحقوق المشروعة فى الزواج العادى، وكانت ابنة عمى مقابلى فى هذا الزواج». وبتنهيدة مليئة بالدموع والحسرة قالت: «لم يستمر زواجنا سوى أربع سنوات، تبعتها المشاكل نتيجة خلاف حصل مع زوجة أخى أدى فى النهاية إلى انفصالهما. ونتيجة لخلافهما انفصلت عن زوجى، وحصل خلاف حادّ داخل العائلة بحيث بات الخصام والصدام واضحاً بين والدى وعمى حتى الآن». من جهته أكد الشيخ عبده الحميدى، أستاذ مساعد فى كلية التربية جامعة أب، «قسم دراسات إسلامية وقرآن» على تحريم زواج الشغار الذى قال إنه كان فى الجاهلية الأولى قبل الإسلام وجاء الإسلام ونهى عنه حفاظا وصونا لكرامة وحق المرأة. وقال الشيخ الحميدى: «إن هذا الزواج نادرًا ما ينجح، والواقع أثبت ذلك معللاً بأنه إذا انتهى أحد الزواجين بالطلاق نتيجة وجود ما يعكر صفو الحياة الزوجية، وجدنا أن الزواج الآخر ينهار ويحدث الطلاق مع أنه لا يوجد ما يوجب الطلاق، بل العكس تمامًا ربما كان زواجًا ناجحًا، والزوجان يعيشان فى انسجام ووئام.