■ تأتى أهمية مؤتمر فتح، الذى واجه الكثير من العواصف قبيل انعقاده، ليس فقط فى ضرورت لحركة شاخت هيئاتها القيادية وترهلت بسبب عوامل ذاتية مثل وفاة عدد من أعضاء لجنتها المركزية ومرض عدد آخر وعدم قدرتهم على القيام بواجباتهم، بل أيضاً لعوامل موضوعية مرتبطة بالظروف المحلية والإقليمية والتشتت الجغرافى، مما أدى إلى غياب دور الحركة الواضح ومواقفها المؤثرة فى الكثير من الأحداث والتطورات المهمة والخطيرة التى حدثت فى ساحة العمل الوطنى وعدم قدرتها على تمييز موقفها عن موقف السلطة، بسبب الاندماج فى مؤسسات السلطة وعدم الفصل بينها وبين مؤسسات وهياكل الحركة. انطلق مؤتمر فتح دون حضور أعضاء غزة رغم أن أكثر من 150 فتحاوياً من القطاع كانوا مشاركين، على رأسهم مسؤول الأمن الوقائى فى غزة السابق محمد دحلان، ورغم تأكيد قادة المؤتمر والإجماع على أهمية أن يكون لغزة الحضور الذى يتناسب مع حجمها فى اللجنة المركزية والمجلس الثورى، فقد اعتبر أن موضوع غزة سيأخذ جدية استثنائية، نظراً لموقف حماس وصعوبة إلغاء أو قبول فكرة أن يكون أعضاء من فتح بعيدين عن هذا المؤتمر، لذا ارتأت اللجنة القيادية لحركة فتح فى قطاع غزة، إعطاء مهلة لا تزيد على 4 أسابيع لإجراء الانتخابات بالقطاع، كاقتراح ربما يساهم فى حل المشكلة. والاقتراح الثانى هو إجراء انتخابات حركية متزامنة، فى كل من المؤتمر والقطاع، لاختيار قيادات الحركة فى اللجنة المركزية والمجلس الثورى.. ونظراً لصعوبة الوضع فى القطاع خاصة لأبناء الحركة، فإنه من المستحيل إجراء الانتخابات خلال 48 ساعة، لما تمارسه حماس من اعتقالات ومطاردات لأبناء المؤتمر بالقطاع، فقررت الأغلبية فى اللجنة القيادية وأمناء سر الأقاليم تبنى المقترح الأول، وهو تحديد استحقاق القطاع فى «المركزية والثورى» وتأجيل البت فيه لأربعة أسابيع. ورغم وجود قضايا خلافية كثيرة داخل مؤتمر الحركة، من شأنها أن تفجر احتمالات نجاحه، وخروجه بقرارات تعيد للحركة مكانتها التى انهارت على مدار السنوات الماضية، فإن القضية الأكثر جدلاً داخل الجسم الفتحاوى كانت تتمثل فى رغبة عباس فى عدم ازدواجية المناصب بين فتح والسلطة، ونوقشت اقتراحات لمنع ترشيح كل من له منصب رسمى فى السلطة، وخلصوا إلى عدم ترشح العسكريين فى المجلس الثورى باعتبار أنه سيتم تعيين عشرة منهم، أما بخصوص اللجنة المركزية، فأوضح عباس زكى المرشح بقوة للجنة المركزية أنه اتفق على ألا يسمح لعضو اللجنة المركزية بأن يشغل أى منصب وظيفى مثل وزير أو رئيس حكومة أو رئيس برلمان، وهناك مؤشر مهم على حجم الخلافات بين غزة والضفة أيضاً، برز بجلاء حينما اتهم موقع «فلسطين برس» المقرب من محمد دحلان، بتحالف أحمد قريع «أبوعلاء»، مسؤول ملف التفاوض مع حماس، ومحمود الزهار، القيادى فى حماس، أثناء التفاوض فى القاهرة وأن الرجلين اتفقا على إقصاء تيار محمد دحلان ومن يقف معه فى انتخابات المؤتمر السادس من خلال مجموعة آليات تم تنفيذها قبل انعقاد المؤتمر، غير أن أكثر القضايا التى أثارت أعضاء المؤتمر، إعلان اللجنة المركزية ل«فتح»، أنها لن تقدم تقريراً إدارياً مكتوباً تتم مناقشته، وأنها ستكتفى بتقديم تقرير شفوى، معتبرة الخطاب الشامل الذى ألقاه الرئيس عباس يشكل التقرير الإدارى للجنة عن عشرين عاماً من عملها. وعلى الرغم من التطاحن القيادى فى الحركة، فإن أى منافسة لم تظهر أمام الرئيس عباس فى قيادته للحركة، ولم يبد أى من شخصيات فتح أى نوع من التحدى لقيادة عباس. ويبدو أن هناك توقعاً بحدوث تغيير كمى وليس كيفياً فى الهيئات القيادية للحركة، بمعنى تغيير فى الأشخاص وليس فى الرؤى والبرامج وأساليب العمل، بسبب سيطرة الحرس القديم على مدخلات المؤتمر، خاصة أن غياب دور فتح فى مرحلة ما بعد إنشاء السلطة فى السنوات الأخيرة أثر بشكل سلبى ومأساوى على الواقع الفلسطينى، فقد تحملت فتح المسؤولية عن ملفات الفساد فى السلطة دون أن يكون لها موقفها الذى يفصل بينها كحركة تحرير وبين العاملين أو المسؤولين فى السلطة بصفتيهم الفردية والمؤسسية، وقد عوقبت فتح على سلبيتها وعلى عدم قدرتها على تجميع وتوحيد صفوفها فى الانتخابات التشريعية الأخيرة، مما أدى إلى صعود حماس إلى المشهد السياسى الفلسطينى، وما نتج عن هذا الصعود من مآسٍ وانقسامات وصراعات، لايزال يدفع ثمنها المواطن الفلسطينى حتى الآن!!