«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرعية سلاح المقاطعة وانعكاساته على الدولة العبرية..أ.د. مصطفى رجب
نشر في المصريون يوم 25 - 12 - 2005

المقاطعة عكس التطبيع، ومصطلح التطبيع فى القاموس السياسى الإسرائيلى عرف أول ما عرف مع اتفاقية «كامب ديفيد» الأولى عام 1979، ولكن إسرائيل فى الحقيقة تسعى إليه منذ نشأتها عام 1948 بل يمكن القول أن التعايش مع العرف والاندماج بينهم يمثل غاية الشعب اليهودى ضمن سبل إقامة الدولة العبرية، لذا يلاحظ الاهتمام الشديد الذى توليه إسرائيل لمسألة التطبيع ورفض المقاطعة بشتى أشكالها إذ لازالت إحدى العقبات التى تواجه إحداث تقدم على المسار السورى أن إسرائيل تطالب بالحصول على «سلام كامل» بما يعنيه ذلك من علاقات «طبيعية» تماماً تتضمن التمثيل الدبلوماسى على مستوى السفراء والتبادل التجارى وفتح باب السياحة والتبادل الفنى والثقافى، وفى الوقت نفسه ترفض الالتزام بالانسحاب الكامل مقابل هذا السلام «الكامل»، كذلك أصبح من المعتاد أن تشكو إسرائيل من برودة السلام مع مصر بعد ما يقرب من عشرين عاماً من اتفاقية «كامب ديفيد». وما بين هذا وذاك وضح الحرص الإسرائيلى- والأمريكى بالطبع- على جنى ثمار الاتجاه إلى التسوية قبل إتمام عملية التسوية قبل إتمام عملية التسوية ذاتها،وحصلت بالفعل على رفع المقاطعة الاقتصادية من الدرجتين الثانية والثالثة «مقاطعة الشركات والدول التى تتعامل مع إسرائيل» وتفريغ مقاطعة الدرجة الأولى من فاعليتها بصفة سمية وإنهائه بصفة غير رسمية، فبدأ بالفعل تعاون اقتصادى فى مجال تصدير الغاز مع قطر وفى مجال الاستثمار الصناعى فى تكرير البترول مع مصر، فضلاً عن التبادل التجارى مع الأردن، كما تم إنشاء مكاتب للتمثيل الدبلوماسى مع كل من عمان وقطر وتونس والمغرب، فضلاً عن تبادل السفراء مع مصر والأردن بحكم معاهدة السلام مع كل منهما، وبعيداً عن العوامل التى أدت إلى حصول الدولة العبرية على هذه الامتيازات قبل التوصل للتسوية الكاملة لجميع قضايا الصراع حسبما يفترض، فالمهم أن اكتسابها هذه المميزات «التطبيعية» وإصرارها عليها يؤكد مدى أهمية مسألة التطبيع وإنهاء المقاطعة جزء أساسى من المفهوم الإسرائيلى للسلام. وغنى عن البيان أن محورية التطبيع تتبع من تغير الفكر الاستراتيجى الإسرائيلى فيما يتعلق بسياسة الأمن الإسرائيلى، فأصبح المنظور الإسرائيلى للأمن منظوراً شاملاً وليس عسكرياً فقط كما كان فى السابق فتراجعت بالتبعية أهمية العوامل المادية كالأرض والعمق الاستراتيجى والمحيط الجغرافى الأمن واستبدلت بها أطر أمنية أخرى أكثر شمولاً تضم إطاراً تعاقدياً يتمثل فى اتفاقات السلام الملزمة قانونياً وإطاراً سياسياً يتضمن الاعتراف بشرعية الدولة اليهودية وقبولها عضواً معترفاً به فى النظامين الإقليمى والعالمى. وإطاراً اقتصادياً يحتوى على مجموعة من المشروعات الاقتصادية الإقليمية ثنائية ومتعددة الأطراف تكفل لإسرائيل درجة من الارتباط الاقتصادى العربى بها ما يعنى وجود مصالح عربية لديها تجعل الدول العربية ذاتها حريصة على مصالحها لديها وتكون تلك الأطر فى النهاية شبكة حمائية تحيط بإسرائيل وتكون بمثابة سياج أمنى متشابك الخيوط. ويمثل البعد الثقافى الخيط الرابط بين هذه الأطر وبعضها والأثر الذى يضفى «روح التطبيع» على تلك الشبكة الحمائية، فلا تبدو مصطنعة أو قائمة فى فراغ، ويفسر هذا الإلحاح الإسرائيلى على التطبيع الثقافى مع جاراتها العربيات حيث لا تكف عن المطالبة سنوياً بالاشتراك فى معرض القاهرة للكتاب وفى المهرجانات السينمائية التى تقيمها مصر،وطالما عرضت عروضاً مغرية على فنانين مصريين وعرباً للسفر إلى إسرائيل، وهى تقترب أيضاً أن تتاح لها الفرصة فى دول عربية أخرى لتقدم نفس المطالب بنفس الحجج التى تسوقها فى هذا الصدد، إزالة الحواجز النفسية والتقارب بين الشعوب، وأن لا مبرر للمقاطعة الشعبية والثقافية فى ظل السلام، وتهدف إسرائيل من وراء ذلك إلى تغيير الإدراك العربى لطبيعة الصراع وتحويله فى الرؤية العربية إلى مجرد خلاف فى الجزئيات والفرعيات مع تذويب التناقض الجذرى فى أساس رؤية كل طرف للذات وللآخر، ومن ثم يصبح التعامل مع إسرائيل ثقافياً أمراً طبيعياً بمرور الوقت،ومن المهم هنا أن نشير إلى أن لفظ «ثقافى» ينسحب على جميع التفاعلات غير الرسمية أو التى لا تأخذ الطابع السياسى البحث أو الاقتصادى الخالص حيث تشمل ثقافة المجتمع جميع المدخلات والقيم المكونة لفكرة ونمط حياته المعيشى وتمثل فى النهاية العوامل الحاكمة لتشكيل ذهنية الفرد والمجموع. برزت المقاطعة العربية بصورة واضحة بقرار المجلس الوزارى لجامعة الدول العربية فى أبريل 1991 حيث قرر وقف التطبيع مع إسرائيل ومقاطعة المفاوضات متعددة الأطراف والالتزام بالمقاطعة العربية من الدرجة الأولى وتفعيلها إزاء إسرائيل كرد فعل عربى طبيعى على التعنت الإسرائيلى تجاه عملية السلام، ثم استخدمت الشعوب العربية سلاحاً لا يقل خطورة عن قرار المقاطعة السياسية لإسرائيل الذى اتخذته القوى السياسية العربية وهو سلاح المقاطعة الاقتصادية للسلع والبضائع اليهودية والأمريكية وارتبطت المقاطعة الاقتصادية هذه بانتفاضة الأقصى 2000 وكان آخر رد فعل رسمى يتسم بالمقاطعة قرار مصر بمقاطعة احتفالات الكنيست الإسرائيلى بمناسبة مرور 25 عاماً على معاهدة «كامب ديفيد» [لا يعنينا سلامة اتخاذ قرار المشاركة من الأصل من عدمه]، واتخذت مصر هذا القرار عقب اغتيال الشيخ أحمد ياسين [رحمه الله] الزعيم الروحى لحركة المقاومة الإسلامية حماس. وعن شرعية سلاح المقاطعة العربية يتحدث «د. عبد الله الأشعل» [السياسة الدولية. ع 145- يوليو 2001] عن المقاطعة من الناحية القانونية فقد نشط الفقهاء الصهاينة ومن شايعهم فى الطعن فى سلامة أى أساس قانونى للمقاطعة واعتبروها عملاً عدائياً فى أحسن الفروض يناقض حسن النية فى السير فى ركب السلام وينبئ عن نية العدوان والإضرار وترديد مصطلحات حالة الحرب التى كانت سائدة قبل مؤتمر مدريد عام 1991، كما تعد انتهاكاً للوعد الذى قطعته الدول العربية المشاركة فى هذا المؤتمر بالعمل نهائياً وبغير رجعة من أجل السلام، وأن الحديث عن المقاطعة بعد ذلك كله يعد- فى نظر هؤلاء- انتهاكاً لالتزام قانونى أساسه مجمل أعمال مؤتمر مدريد وما تعاهد عليه الفرقاء فيه على العمل سوياً من أجل سلام جديد. والفقه العربى للمقاومة أسس موقف العداء والمقاطعة لإسرائيل على قيام حالة الحرب وبذلك كانت المقاطعة أثراً من آثار هذه الحالة وعملاً من أعمال الحرب، وجدير بالذكر أن قرارات القمة العربية بفرض المقاطعة على إسرائيل -التى أجمع العالم أنها تخلت عن التزاماتها فى عملية السلام وتعرض بذلك أمن المنقطة للخطر- لا تعتبر من قبيل إجراءات القمع ضد إسرائيل والتى تتطلب موافقة مسبقة من مجلس الأمن وإنما هى إجراء ضغط جماعى بل يمكن إسناد الخطر العربى ضد إسرائيل على احترام التزاماتها التعاقدية واحترام سياسة المجتمع الدولى بشأن عملية السلام وحقها فى الدفاع عن حق شعوبها فى السلام وتجنب الحرب والدمار الذى تجلبه سياسة إسرائيل غير المسئولة. ويرى «جورج المصرى» [ملف البيان السياسى 4118/1997] أن سياسة المقاطعة لإسرائيل أدت إلى تبعات هامة على الاقتصاد الإسرائيلى، أهمها: 1- حرمان اقتصاد الدولة العبرية من استثمارات ومزايا اقتصادية كان يمكن أن يحصل عليها من الإقامة بالدول الأخرى. 2- أضافت إلى أعبائه مثل الموضوع النفطى الذى كان يمكن الحصول عليه من أسواق النفط العربية المجاورة بشروط أفضل بدلاً من استيراده من الأسواق الدولية. 3- حرمت الاقتصاد الإسرائيلى من علاقات تبادلية فى محيطه الإقليمى وفرضت على هذه العلاقات نوعية معينة ومستوى ومواقع محدودة. 4- حددت من تمدد وانتشار الوجود الإسرائيلى فى أنحاء مختلفة من العالم. 5- محاصرة الطموحات الإسرائيلية فى السيطرة على المنطقة العربية والاندماج فيها أو حتى تشكيل مركز إقليمى. 6- الحذر العالمى من التعامل مع إسرائيل مؤسسات وبضائع ورأسمال وأفراد ترتبط نشاطاتهم المختلفة بما تمارسه دولتهم ومؤسساتهم من عدوان متواصل على العرب ورفض الاستجابة لقرارات المجتمع الدولى «رمضان عبد الله، قراءات سياسية، شتاء 1992» ونقل عن والترايتان المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية أن نظام المقاطعة كلف إسرائيل حتى عام 1956 أكثر من 50مليون دولار فيما ارتفعت التكاليف عام 1973 إلى 300 مليون دولار سنوياً طبقاً لتقديرات خبراء فى الاقتصاد الإسرائيلى وحتى عام 1981 بلغت الخسائر للاقتصاد الإسرائيلى 45 مليار دولار فى مجال التجارة والاستثمارات وارتفعت إلى 57 مليار عام 1996، ومما يزد من آثار المقاطعة ما أجمعت عليه الدول العربية فى اجتماع وزراء الخارجية مار س1997 لأنه حسب الأمين العام للجامعة «د. عصمت عبد المجيد» أن المقاطعة العربية لإسرائيل تم فرضها لأسباب العدوان والاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية، وعندما تزول هذه الأسباب يمكن التحدث عن موضوع المقاطعة،وكان من الملفت أن تكون المقاطعة على ثلاث مستويات المباشرة عبر شركات تتعامل مع إسرائيل ثم الدرجة الثالثة أى المقاطعة للشركات والهيئات المتعاملة مع الطرفين العربى والإسرائيلى. ولعل ثانى أكبر الحكومات الإسرائيلية تأثراً بالمقاطعة بعد حكومة شارون حكومة نتنياهو حيث واجهت مآزق اقتصادية عديدة أبرزها: 1- لم تف الحكومة بوعودها السابقة تخفيض الإنفاق العسكرى بنحو 1.6 مليار دولار بل وصل إلى 15 مليار وتعززت صورة إسرائيل كدولة تتمحور بالأساس حول المؤسسة العسكرية التى تلقت جزءاً كبيراً من الزيادة وهو ما أرهق الاقتصاد الإسرائيلى وسط الأجواء المشحونة بالتوتر مع سوريا وجنوب لبنان والمواجهة المستمرة مع الفلسطينيين «أحمد السيد النجار، الأهرام- 4/11/1996». 2- بدأ معدل النمو الاقتصادى الإسرائيلى فى التناقص عام 1996 ونتوقع نشرة استخبارات الإيكونوميست الربع سنوية انخفاض هذا المعدل إلى 3% عام 1997 وهو أدنى معدل منذ عشر سنوات، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها انخفاض الإنتاج الصناعى خاصة فى الربع الثالث من العام الماضى،وكذلك الاستثمارات فى البناء واستيراد آلات الإنتاج وانخفاض السياحة وكذلك سوء إدارة السياسة النقدية والمصرفية وانخفاض أسعار البورصات بحوالى 18% منذ انتخاب نتانياهو. 3- ارتفاع العجز فى الميزان الجارى حوالى خمسة مليارات دولار عام 1996 وارتفاع نسبة الواردات أسرع من الصادرات اذ يتوقع زيادة الصادرات بحوالى 7% بينما ستزيد الواردات بحوالى 8% ويشجع نتانياهو حرية التجارة فى الشرق الأوسط بديلاً عن الاندماج الإقليمى وبالتالى تكون رفع المقاطعة مفيدة له لأنه لا يرغب فى إقامة سوق شرق أوسطية على غرار حزب العمل. 4- الملاحظ أنه فى عام 1994 كان نسبة الفقراء من عدد السكان 18% من مجموع العائلات فى إسرائيل فقيرة فى سنة 1996 انخفضت النسبة 16.8% والتغير الأساسى هو أن السكان العرب أدرجوا فى الاستقصاء للمرة الأولى وشمل البلدات التى يقل عدد سكانها عن عشرة آلاف نسمة لقد برزت العنصرية المغلقة فى عدم شمول العرب فى استقصاء الجوع، وهو ما يفسر زيادة عدد الجياع إضافة إلى أن تزايد نسبة العائلات يعود إلى دعم الدولة لمداخيل العائلات ذات الولد الواحد بنسبة وصلت إلى 50% ولما كانت العائلات العربية كثيرة الأطفال فلم تستفد من الميزانيات التى خصصت سابقاً لمحاربة الجوع، حتى أن خمس شعب إسرائيل جائع فى الوقت الذى يبلغ ناتجا القومى مائة مليار دولار بمعدل 17 ألف دولار للفرد. 5- أكد المدير العام لمجلس سلامة الطفل «اسحق كدمان» أن بقاء 20% من أطفال إسرائيل تحت خطر الفقر هو شهادة ضد إسرائيل التى تحولت إلى دولة الفقراء فى عهد الليكود، وقالت عضو الكنيست «تمار جوزنسكى» أن خلاصات الفقر هى بنتيجة ساطعة للسياسة الاقتصادية التى تسحق المداخل الحقيقية للعائلات التحتية بواسطة غلاء متتال بضربها بشكل خاص مثل رفع تعريفة النقل العام وجباية ضريبية على زيارة الطبيب المنزلية، وهى مؤشرات تدل على زيادة معاناة الفقراء فى عهد الحكومة الحالية [هارتس 28/1/1997]. ويرى «جورج المصرى» مصور سابق، أن بدائل إسرائيل لتجنب الإضرار باقتصادها جراء المقاطعة العربية تنحصر فى ثلاث نقاط: البديل الأول: الاتجاه إلى النمور الأسيوية، فلقد فتح مؤتمر مدريد الباب لاختراق إسرائيل للأسواق الدولية وفى مقدمتها السوق الأسيوية،
وأرسلت وفوداً تجارية على مستوى عال لعقد صفقات مع كل من تايلاند وتايوان وسنغافورة والصين،وعلى هامش المؤتمر الوزارى الأول لمنظمة التجارة العالمية الذى عقد فى سنغافورة بين 8-13 ديسمبر 1996، قام رئيس الوفد الإسرائيلى المدير العام لوزارة التجارة والصناعة «يهوه شاغليمين» بعقد مفاوضات فى تايلاند وكوريا الجنوبية والهند وفيتنام وهونج كونج بعضها سلسلة من العقود التجارية ويتيح الاتفاق الذى تم التوصل إليه مع تايلاند تخفيض التعريفة الجمركية المعروضة على صادرات الطرفين، والحقيقة أن الدول العربية تتمتع حالياً باتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية وبات التبادل التجارى التايلاندى الإسرائيلى الحالى لمصلحة إسرائيل اذ وصل إلى 500 مليون دولار عام 1996، وتزود تايلاند إسرائيل بالعمالة الزراعية إذ بلغ عدد العمالة التايلاندية 30 ألفاً بعد الاستغناء عن الفلسطينيين حتى بانكوك نقلت مكتب ملحقها العمالى للشرق الأوسط من أثينا إلى تل أبيب، وامتد النشاط الإسرائيلى إلى تايوان للتعاون فى ميادين الأبحاث والتطوير والتكنولوجيا الحيوية والزراعية حتى من المتوقع ترجيح كفة الميزان التجارى لصالح إسرائيل بسبب صادراتها فى ميادين المواد الزراعية والأدوات الطبية ذات التقنية العالية التى تعتمد على الحاسبات، وحدث السيناريو نفسه فى كوريا الجنوبية حيث بلغ حجم التبادل التجارى مع إسرائيل 900 مليون دولار عام 1996، وتمت صياغة اتفاقية ثنائية لتخفيض التعريفة الجمركية، وهكذا تسعى إسرائيل إلى تخفيف آثار المقاطعة العربية بتحقيق هامش استقلالى للاقتصاد بعيداً عن الاندماج الشرق- أوسطى بطريقة حزب العمل. البديل الثانى: تكثيف المعونة الأمريكية ففى بداية عهد الليكود روج نتانياهو لأكذوبة إمكانية الاستغناء عن مساعدات الولايات المتحدة الاقتصادية، ولكن تدل المؤشرات الرسمية على أن الاعتمادات المخصصة لإسرائيل ضمن ميزانية وزارة الخارجية لعام 1996 وحدها 93.5 مليون دولار وتبلغ فى ميزانية وزارة الدفاع 232 مليون دولار، هذا فضلاً عن الاعتمادات فى وزارة التجارة 2.5 مليون دولار ومصلحة الجوازات والهجرة الأمريكية 17 مليوناً، وتحصل إسرائيل على الجزء الخاص بالمعونة الاقتصادية 1.2 مليار دولار نقداً، ومرة واحدة وهو ما ينعش اقتصادها وأغلبها يكون منحاً وليس قروضاً ودون شروط معينة. البديل الثالث: محاولة كسر طوق المقاطعة الاقتصادية بتكثيف التعاون الاقتصادى مع مصر والأردن حيث بلغ مع مصر 30 مليون دولار فقط والأردن 17 مليوناً وهو ما يطرح إمكانية الالتفاف على توصيات الجامعة العربية الأخيرة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.