إذا أردت أن تغتال مفكراً أو أى صاحب رأى فى مصر ما عليك إلا أن تلخصه فى عبارة أو تختزله فى جملة، والأفضل أن تستخدم مقص الاجتزاء والانتقاء بعيداً عن السياق العام لما كتب هذا المفكر، حتى تقدمه وجبة جاهزة لأى عابر سبيل يعتبر قتله فريضة دينية وجواز سفر لدخول الجنة، وضع فى بطنك بطيخة صيفى ونم مطمئن البال ومرتاح الضمير فشعوبنا لا تقرأ، وإن قرأت فهى تلمح المانشيت بالكاد وتنقل أفكارها بالعنعنات المرسلة لا بالقراءات المتبصرة، فضلاً عن أنها تعيش مرحلة غيبوبة فكرية وهستيريا سلفية سرطانية، ولذلك فلا داعى لديهم لقراءة فرج فودة «مش ده الرجل العلمانى اللى بيحارب الإسلام». وكذلك جمال البنا «مش ده الرجل بتاع البوس والسجاير فى رمضان»!، وتوفيق الحكيم «اللى تجرأ وكتب جواب لربنا»، ونصر أبوزيد «افتكرته.. مش ده اللى عايز يفسر القرآن على مزاجه».. إلخ. خضع د. سيد القمنى لهذا الاختصار والاجتزاء القاتل، تعرض لمدرسة البلطجة السلفية المنظمة المدربة التى تشير إلى عبارة أو لفظ وهى تعرف جيداً أنها تشير إلى منصة إعدام يتراقص حولها غوغاء يلتزمون مبدأ السمع والطاعة، مستعدون فى أى لحظة للانقضاض على أى مفكر ينهشون لحمه وأحشاءه، فيقع المفكر فى الفخ معذوراً فالتيار جارف ورقصة الموت حول جثته جاهزة لا تنتظر إلا دقات الدفوف، فيضطر إلى الخروج إلى الفضائيات معلناً الشهادتين، ويخرج عقله وقلبه وتلافيف تلافيف النية واللاوعى أمام المشاهدين ليقسم لهم بأغلظ الإيمان أنه مسلم، وبالرغم من ذلك لا يمنحه الجمهور صك الغفران، فغسيل المخ الجماعى قد تم، والخطة قد نجحت، فالمفكر سينشغل عن العزف على قيثارته واستكمال مشروعه الفكرى بالدفاع عنها وعن إسلامه وحماية القيثارة من أيدى اللصوص والقتلة، وبالتالى سينشغل الناس عن قراءة هذا المشروع بمتابعة معركة هل هو مسلم أم لا؟، هل هو حاصل على الدكتوراه؟، هل تمويله أمريكانى أم إسرائيلى.. إلخ، ويغتال المشروع الفكرى وتجهض محاولة الإيقاظ الذهنى، لنتفرغ لمشاهدة ماتش القمنى مع السلفيين وأيضاً مع المثقفين المتدروشين أو الذين يصفون حساباتهم مع وزير الثقافة على جثة القمنى أو مع الطامعين فى الجائزة أو مع البعض الذين يتبنون أفكار القمنى ولكنهم يخشون إعلانها، ويحقدون على أن القمنى استأثر بفلاشات الكاميرات ومانشيتات المجلات!!. «الإسلام دين شامل يمكن أن تجد فيه عندما تريد وتقصد ما تريده وما تقصده، ستجد فيه السياسة والاقتصاد والفن وعلوم الإنسان، لأنه كان ديناً متفاعلاً مع واقع زمنه ومع إنسان الحجاز وواقع الجزيرة، فكان يصنع للعرب دولة هى السياسة بعينها، وكان يقيم اقتصاداً مركزياً لقبائل متشرذمة، وكانت له فنونه، وجاء إلى بيئة تموج بمختلف الأديان، فقال كلمته بشأنها وتحاور معها ورد على ما أختلف معه، وأيد ما كان مطلوباً تأييده حسب ظروف الواقع ومتطلباته، هذا كله صحيح، لكن غير الصحيح ليس فى الدين ولكن فى موقفنا، الذى يذهب مع تقديس الدين إلى تقديس الحلول والمواقف التى قدمها الدين فى زمانه ومكانه وظروفه التاريخية المحددة، بحسبانها حلولاً ومواقف صالحة لكل مكان وزمان». «الإسلام ليس سبب التخلف، المشكلة ليست فى الدين، لكنها فى كيفية استثمار هذا الدين، فهناك من استثمره فى التقدم، ومن يستثمره فى التخلف، وهناك من احترم الدين فصانه بعيداً عن ألاعيب السياسة ودسائس المشايخ والسلاطين...». تخيلوا الذى قال هذا الكلام هو سيد القمنى الذى لم يقرأ معظم المصريين ما كتب وإنما سمعوا عما كتب!!، أعتقد أنها مقدمة مناسبة لمناقشة القضية الأربعاء المقبل.