بصوا بقى يا جماعة أنا أخذت بالى الفترة الماضية إننا شعب نمرود لا يعجبه العجب وأنا طبعاً نمرودة مثلكم. وتتبدى نمردتنا فى الشكوى المتصلة، نشتكى من كل شىء، من المرور إلى الصحة والتعليم، وصولاً إلى الحر. لم أقابل مصرياً فى الأسابيع الأخيرة إلا ووجدته يشتكى من الجو الحر. صحيح أن الجو نار موقدة ونسبة الرطوبة مرعبة، ولكن المشكلة أننا غير قادرين على رؤية الجانب الإيجابى من الأشياء. فلأن الجو حار خانق صيفاً، حار معتدل شتاء، فإن كل المصريين يعانون هبوطاً فى الضغط ورعشة فى النفس وارتخاء فى الأعصاب وغيبوبة مؤقتة لوظائف المخ. وفى تلك النقطة الأخيرة فوائد شتى لو تعلمون. طبعاً ستسألون باستغراب عن فائدة غيبوبة وظائف المخ. والسؤال يعكس للأسف عدم قدرة على رؤية الجانب الإيجابى المشرق للأشياء. وبالتالى دعونى أشرح لكم الفوائد الجمة للحر. فى الحر يا جماعة تبطئ وظائف الجسم، تصبح الحركة صعبة والتفكير أصعب فلا نملك التركيز فيما يحدث من حولنا وهو كثير. تنسيق الجامعة المصرية يساوى بين الطالب الحاصل على تسعينات بالمائة وربنا أكرمه بكلية إعلام جامعة القاهرة مع طالب حاصل على 50% والتحق أيضاً بكلية إعلام القاهرة (بس التعليم المفتوح على مصراعيه). يا سلام على الحر الآن يدخل إلى تلافيف العقل فيضرب فيها حقنة مخدرة فلا نشعر بضيق أو غضب أو حتى شوية حزن على تعليمك يا مصر. يشاع أنه تتم الآن دراسة نقل حديقة حيوان الجيزة من موقعها الحالى إلى مدينة 6 أكتوبر وطبعاً ال80 فداناً هتدخل إلى الخزانة المصرية كام مليار لزوم العيد الصغير وشراء الكحك للشعب المصرى. ليس مهماً وجود رئة خضراء فى جسد القاهرة المتشنج لعدم وصول الأكسجين للمخ، وليس مهماً محو أحد معالم القاهرة القديمة من على الخريطة. يعنى هى الخريطة هتستحمل إيه ولا إيه! الحر هنا له مفعول السحر الذى ينتج عنه تبلد كامل متكامل. نتساءل اليوم عن ثورة يوليو، ما لها وما عليها. الصحف القومية نصبت شادر (بدلا عن شوادر مولد السيدة زينب المطارد أمنياً) وهات يا مديح وغزل فى المنجزات. يا حلاوة المنجزات الثورية ويا جمال الثورة ولولا الثورة ما كان الشعب المصرى. فى نفس الوقت وزير الاقتصاد فى زمن الثورة حسن عباس زكى (وهو أيضا منفذ عملية التأميم) يفصح بعد كل هذه الأعوام عن عدم اقتناعه بفكرة التأميم ومعارضته لها أمام عبد الناصر. أمام متابعة تقييمات الثورة المختلفة فليحاول الواحد منا أن ينزل تحت أقرب دش ماء فاتر ويترك الماء ينساب على رأسه كى تخف حدة الصداع. من بعدها يعود إلى الحياة إنساناً جديداً. قالت الصحف إن الطالبة الحاصلة على المركز الأول بالثانوية العامة على مستوى الجمهورية بشعبة علمى علوم قد «فجرت مفاجأة» بإعلان رغبتها استكمال دراستها فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وقد أرجعت القرار إلى فقر النظام التعليمى المصرى. لا أفهم سبب استغراب الصحف لقرار الطالبة، لأن هذا القرار أكبر دليل على تفوقها. بنت فالحة وفاهمة البلد كويس وتعرف أنها كى تتحقق وتتعلم صح عليها أن تقفز على أول طائرة خارج الوطن. تذكرة ذهاب فقط. لو لم يكن الجو حراً، وكان العقل يعمل بشكل طبيعى لابتأسنا لمثل هذا الخبر الحزين الذى يغطى بسواده وجه هذا الوطن. المهم، أتمنى أن أكون قد أقنعتكم بفوائد الحر العظيمة. ولو كنا شعباً ذكياً بالفعل (فى غير أوقات الحر طبعاً) لسجلنا الفكرة فى الشهر العقارى وفكرنا فى كيفية تصديرها للبلاد الباردة التى تضم مواطنين لا يسكتون عن الظلم ولا يقبلون التلاعب بمقدراتهم. لا شك لدى أن الحكومات الغربية ستتسابق على شراء الفكرة حتى تشترى أدمغتها من مواطنيها الأراذل.