نبهنى د.إبراهيم فوزى، وزير الصناعة، رئيس هيئة الاستثمار الأسبق، إلى موعد «مؤتمر أبناء الوطن بالخارج» المقرر عقده بالقاهرة أيام 27، 28، 29 نهاية هذا الشهر، وطالبنى بالعودة للكتابة عن أحوال زملائنا المغتربين والمهاجرين، بحكم تواجدى بينهم لربع قرن، كنت رئيساً للاتحاد العام بالنيابة عن وزير الهجرة الذى كان رئيساً بحكم منصبه! والبداية كانت فى 73 عندما سافرنا ونحن طلاب بالسنة الأولى بحقوق القاهرة، وكانت المحطة الأولى هى عاصمة الضباب «بإنجلترا»، ثم «باريس» فى العام التالى، وقتها كان «جديداً» على الأوروبيين و«غريباً» على عرب المهجر أن يروا «مصريين» يعملون «جرسونات» بالمطاعم، و«باعة جائلين» بمحطات المترو، و«عمال نظافة» بالشركات، «فالمصريون» حتى الستينيات كانوا يسافرون إما فى بعثات دراسية أو ك«أثرياء» قادمين للسياحة فى ربوع أوروبا، وقت أن كان الجنيه المصرى يساوى 5 دولارات (وكما سمعنا كنت تستطيع أن تقضى 3 شهور «بالكوت دازيور» نيس وكان وسانت تروبيه وموناكو بمائتى جنيه)! وبما أن الأوروبيين عموماً، والفرنسيين خصوصاً «مولعون» بالحضارة الفرعونية، وعشاق للتاريخ المصرى القديم، وبما أن عرب المهجر من شمال أفريقيا (تونس - الجزائر - المغرب)، لم يروا المصريين إلا فى الأفلام السينمائية، وينظرون إلينا كأبناء لقلب العروبة النابض، والفضل هنا (لجمال عبدالناصر)، لهذا كنا كمصريين «فرخة بكشك»، والجميع يتعامل معنا بمنتهى الكرم والاحترام، وكانت «الأبواب» مفتوحة لنا على مصراعيها، تستطيع بسهولة أن تجد فرصة عمل ومسكناً بمساعدة من شقيق مغربى، و«الخواجات» يملأون لك بخط أيديهم «أوراق الإقامة»، ويرسلون إليك «تصاريح العمل»، وكان الحصول على «الجنسية» بمجرد التقديم عليها بسبب الزواج أو بسداد الضرائب لخمس سنوات متتالية، لتحمل «جواز السفر الأوروبى»، وتتحصل على كل حقوق المواطنة، حتى حق الترشح لرئاسة الكرسى الكبير بالإليزيه! بعد «غزو» الآلاف من الشباب المصرى بطرق غير شرعية فى التسعينيات، والتعامل مع «الآخر» بسلوكيات كانت غريبة وجديدة علينا نحن قدامى المهاجرين، برفض الكثيرين منهم «الاندماج» فى المجتمعات المضيفة، ومحاولة فرض الثقافة الخاصة على أهل البلد بالقوة، ودخول البعض فى تنظيمات وجماعات مشبوهة، وبعد أن امتلأت السجون بالجزائريين والتوانسة والمغاربة والأفارقة (63٪ من المساجين فى فرنسا مسلمون) محكوم عليهم فى جرائم سرقة وعنف وقتل، وبعد أن برزت أحزاب يمينية متطرفة وعنصرية جذبت 15٪ من الأوروبيين تنادى بطرد العرب (25 مليون مسلم وعربى فى أوروبا)، وبانضمام دول شرق أوروبا للاتحاد الأوروبى، لتصبح «مُورِّداً» للأيدى العاملة التى تحتاجها دول أوروبا الغربية التى تعانى من نقص المواليد، وجاءت أحداث 11 سبتمبر فى أمريكا، وانفجارات مترو لندن، وقطارات إسبانيا، وإجهاض عشرات المحاولات فى باريس وغيرها ليتكهرب الجو.. وتتعقد الأمور وتتغير القوانين، لتضييق الخناق تماماً على المقيمين بطرق غير شرعية.. لنصبح شعوباً غير مرغوب فى وجودنا بينهم.. بعد أن عم الخوف من كل «عربى» (مسلم أو مسيحى) باعتباره «إرهابياً محتملاً»!! وخسرنا آلاف، وملايين الفرص لشبابنا العربى والمصرى. «فرص عظيمة» كانت متاحة لنا فى جامعاتهم بالمجان.. (رسوم الدراسة بجامعة السوربون 200 يورو سنوياً).. أو لتحقيق الحلم المفقود فى التفوق، وتحقيق الطموحات المشروعة.. فى بلدان كانت بحق مفتوحة بلا تمييز لكل من لديه موهبة أو إرادة عارمة فى النجاح.. وكلنا يعلم أن هذه الفرص معدومة فى الوطن الأم بسبب النظم السياسية العربية المستبدة والفاسدة.. التى تحكم شعوباً خانعة ومستسلمة!! الآن «أوضاع» الجاليات المصرية فى أوروبا وأمريكا سيئة للغاية.. فالمغتربون والمهاجرون هناك واقعون فى «حيص بيص».. لا هم قادرون على الاستمرار فى هذا الجو المشحون بالعنصرية، وأحياناً بالكراهية.. وفى نفس الوقت «مترددون» فى اتخاذ قرار العودة للحياة والاستثمار على أرض المحروسة.. «رعباً» من «الفساد» الضارب فى أطناب المجتمع.. و«تخوفاً» من غموض مستقبل مصر السياسى فى الفترة المقبلة.. والأهم «الرعشة» التى تننتابهم عندما يتعرضون أو يسمعون عن النصابين والحرامية المتخصصين فى سرقة كل مغترب عائد حديثاً!! واقتراحى لصديقنا المحترم د.محمود محيى الدين بصفته وزير الاستثمار: «إنشاء مكتب».. لاستقبال العائدين من الراغبين فى إقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة على أرض مصر.. وهذا المكتب موجود أيضاً فى فرنسا لاستقبال العائدين من الفرنسيين المقيمين بالخارج وعددهم 1.5 مليون.. وموجود فى تونس لاستقبال التوانسة المغتربين وعددهم 1.8 مليون.. فإذا كنا نحن «عشرة ملايين» مصرى مغترب ومهاجر (حسب تصريح وكيل وزارة الخارجية).. فمنهم «مليون» راغب فى العودة غداً. هذا المكتب لديه آلاف المشروعات مدروسة الجدوى.. ويقوم نيابة عن «المغترب»، بالحصول على التصريحات والأختام والموافقات.. والمغترب يسدد جميع الرسوم والمصروفات والأتعاب المعلنة مسبقاً. مليون مغترب × 200 ألف دولار مدخرات مع كل واحد فى المتوسط = 200 ألف مليون دولار ستضخ فى شرايين اقتصادنا القومى.. وكل مشروع سيخلق 5 فرص عمل = 5 ملايين وظيفة.. والأهم هو خبراتهم المتراكمة فى إدارة الأعمال.. فى التسويق.. فى التصدير للأسواق العالمية التى عايشوها، وعرفوا أذواق المستهلكين فيها.. واحتياجات هذه الأسواق.. والمنافسين هناك.. ولنتذكر أن «محمد على».. باعث النهضة.. عندما قرر أن تكون هناك نهضة، ولكى يحدث «الطفرة».. أرسل 105 مصريين (من الإسكافى إلى المحامى) فى بعثة لخمس سنوات إلى فرنسا.. وعاد هؤلاء ليغيروا خريطة مصر الثقافية والجغرافية والتاريخية والاقتصادية!! فما بالك لو فتحنا «الباب» بطريقة منظمة وآمنة أمام «مليون» مغترب مصرى فى أوروبا وأمريكا، يملكون من الخبرات والفنون والتقنيات، بجانب مدخراتهم، وما يحملونه من «ثقافة» تؤمن بالعلم، وتقدِّر الكفاءة، وتحترم الإنسان، وتؤدى حق المجتمع عليها، فماذا يمكن أن يحدث؟ والسؤال: بأى حق نحرم كل هؤلاء من الحياة فى وطنهم.. ولمصلحة من نحرم الوطن منهم؟ [email protected]