1 عزيزى سارق الكاسيت.. من أنت. عبارة وجدتنى أرددها لنفسى بعد أن تكرم لص جرىء لا يخشى فى الشر لومة لائم فى وضح النهار أبو عينين وفى شارع عام مزدحم تحت سماء مصر المحروسة وأرضها المهروسة، وقام بكسر زجاج عربيتى وسرق كاسيتها اللا فاخر منعما على بترك الشرايط إما لأنه لا يحب مثلى محمد منير وشيرين وزياد رحبانى ووردة، أو لأنه لا يسمع إلا السيديهات لأن صوتها يفرق كتير، أو ربما (وإياك أن تستبعد ما سأقوله) لأنه يؤمن بأن «الغُنا حرام». «فى داهية الكاسيت، فداك، كويس إنها جت فيه والعربية ماإتسرقتش، قضا أهون من قضا، إنت هتوجع دماغنا عشان كاسيت لا راح ولا جه»، أستميحكم عذرا أعزائى، لست محتاجا لأى تعليقات كهذه لأننى فعلا لست ذلك الرجل الذى يزعل على كاسيت ليس فيه «سى دى بلير»، كما أننى لمعلوماتكم ذات الرجل الذى لم يفكر للحظة فى فلوس إصلاح آثار السرقة، ليس لأنها لاتفرق معى، بل لأن ما «كععته» سلفا من فلوس التأمين الإجبارى على العربية سيتكفل بشراء كاسيت جديد، وربما لذلك لم أفكر للحظة فى أن أصرخ مستنكرا كيف تقع جريمة مثل هذه فى وضح النهار، فالجرائم تقع فى العالم كله فى وضح النهار، ومصر بخير والأمن مستتب والذى سرق الكاسيت هو بالتأكيد مختل عقليا، ولست تافها لأشغل جهاز الأمن بجريمة هايفة مثل هذه، لذلك اكتفيت بتحرير محضر لزوم إثبات الحالة لدى شركة التأمين، دون أن يخطر لى على بال أنه سيتم يوما ما العثور على اللص الأثيم الذى سرق الكاسيت، لأشاهده يبكى فى برنامج «خلف الأسوار» معتذرا عن الآلام النفسية الرهيبة التى سببها لى ولأسرتى، ويطلب منى الصفح والمغفرة، كما أننى لن أسأل أبدا أين كان أشقائى المواطنون سكان ومارة الشارع الذى وقعت فيه السرقة وقت وقوعها ولا لماذا لم يلفت انتباههم كسر الزجاج أو صوت إنذار العربية، فأنا أعلم أنهم إما بين عائش فى نشوة فوزنا على إيطاليا وهزيمتنا بفارق تاريخى من البرازيل، أو مرتعد هلعا من إنفلونزا الخنازير، أو كفران من بلده وحبايبه والمجتمع والناس، فكيف أطلب إذن منهم أن ينتبهوا لما تتم سرقته من سيارات أو حتى بيوت حولهم، وأنا أعلم أن كل حى فيه مايكفيه، وكل قناة مضايقة باللى فيها، وأننى لا يصح إلا أن ألوم نفسى وأعتبر أن الغلطة غلطتى لأننى بسلامتى فايق ورايق وماشى بكاسيت فى العربية، بينما الناس ماشية تكلم نفسها فى الشارع. طيب إذا كنت لن أتحدث عن كل هذا، فما لازمة هذا اللكّ بالضبط، لازمته ياسيدى أننى منذ سرقة الكاسيت مشغول بسؤال وحيد هو «ياترى الكاسيت هيجيب كام لما يتباع»، وهو سؤال ليس هايفا كما قد يبدو لك لأول وهلة، لأنه يقود إلى مجموعة أسئلة ستدرك عند قراءتها اليوم وغدا أنها أسئلة شديدة الخطورة، لكن دعنا قبل طرحها نقدر أولا ثمنا للكاسيت عند بيعه فى سوق الإمام الشافعى، أو لسيدة ما ورثت دور المرحومة نعيمة الصغير فى فيلم المشبوه، أو لأى تاجر خرب الذمة سيشترى بثمن بخس كاسيتا يعلم من أول نظرة لبائعه أنه سارقه، دعنا نقل إن كاسيتا يباع فى ظل هذه الظروف المريبة يوم أن يضربه الدم سيباع بمائتين قول ثلاثمائة جنيه. مش كده؟. طيب، مبلغ كهذا عرض صاحبه نفسه لخطر ارتكاب جريمة فى وضح النهار ماذا يمكن أن يفعل به، وعلى ماذا ومن سيصرفه، أولا سنفترض أن من يفعل ذلك لابد أن يكون مدمنا لكى يرتكب فعلا جنونيا كهذا، وبالتالى فإنه بسرقته هذه أمّن لنفسه دماغ أسبوع كامل إذا كانت دماغه «ديرتى»، أو دماغ ليلتين على الأكثر إذا كانت دماغه متكلفة، وفى كلا الحالتين فهو مدمن حقير لا يستحق الشفقة، لأنه أعرض عن الصراط المستقيم واختار أن يكون شماما أو حشاشا أو بانجويا أو سرنجاتيا والعياذ بالله، وكان بإمكانه أن يكون رجل أعمال ناجحا أو طبيبا بارعا أو مهندسا مرموقا أو صنايعيا كسيبا، لكنه أدار ظهره لهذه الملايين من فرص العمل التى توفرها الحكومة المباركة بقيادة رئيسنا المحبوب المنتخب والتى فتحت له أحضانها ممنية إياه بالمستقبل الرغيد فأعرض ونأى بجانبه وقرر أن يلجأ إلى سكة الضياع بمحض إرادته. طيب ولماذا لايكون مدمنا بل يكون لصا محترفا مات قلبه وتحجرت مشاعره، واتخذ من سرقة الناس سبيلا لإشباع رغباته المريضة المنحرفة الآثمة، رافضا البتة أن يمشى فى طرق الخير والحق والعدل التى يعلم هو، كما تعلم سيادتك، أن مستقبلها لا يتخير أبدا عن مستقبل السائرين فى طرق الصعيد. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]