اعتدنا من زمان على البرامج التليفزيونية التى تنقل للمشاهدين أقوال الصحف، وتقدم لهم أهم ما جاء بها من أنباء. ونعرف جيداً أن الحاجة تشتد لمثل هذه البرامج عندما تزيد نسبة الأمية ويكون التليفزيون أحد أهم مصادر المعرفة بالنسبة للمواطن. لكن الأمر الجديد هو أن تقوم الصحف بنقل تفصيلات البرامج التى يقدمها التليفزيون إلى القراء!. وجه الغرابة فى الأمر هو أن مشاهدى التليفزيون يقدرون بالملايين، أما قارئو أى صحيفة فلا يتجاوزون عشرات الآلاف فى أحسن الأحوال!. لكن العجب يزول عندما ندرك أن هذه الخدمة الجليلة تقدمها بعض الصحف لبعض قنوات التليفزيون المشفرة، التى لا يراها أحد تقريباً. وإذا قسمنا الناس فى مصر يمكننا القول إن السادة الجالسين تحت خط الفقر لا يشاهدون التليفزيون ولا يقرأون الصحف ولا تشغلهم فى حياتهم سوى الوجبة القادمة. أما الذين يحف بهم خط الفقر ويعلونه قليلاً فإنهم يشاهدون قنوات أنس الفقى المملة عن طريق طبقين »ألومنيوم« مثبتين فى عصا خشبية، وبالنسبة لأبناء الطبقة الوسطى فهؤلاء تنفتح أمامهم الدنيا عن طريق الدش الذى يحمل لهم القنوات الفضائية بالمجان. ولهذا السبب فقد حظيت برامج التوك شو التى تقدمها هذه القنوات بشعبية كبيرة، وأصبحت مذيعة مثل منى الشاذلى فى برنامج العاشرة مساء هى ابنة المصريين الذين أحبوها وأفسحوا لها مكاناً فى قلوبهم، وكذلك أقبل الناس على برنامج 90 دقيقة الذى يقدمه معتز الدمرداش، وبرنامج قناة الحياة الذى يقدمه شريف عامر ولبنى.. وهذه البرامج يتوزع عليها كل ليلة المشاهدون الذين يملكون أطباقاً لاقطة. ثم نأتى إلى نوع رابع من المشاهدين هو جمهور القنوات المشفرة، التى لا يمكن مشاهدتها إلا من خلال الاشتراك ودفع مبلغ شهرى لا يقدر عليه سوى حفنة ضئيلة من المصريين. ومن أشهر البرامج التى تقدمها القنوات المشفرة برنامج القاهرة اليوم على شبكة الأوربت، ويقدمه المذيع اللامع عمرو أديب. ولكن ما الذى يجعل برنامجاً على قناة مشفرة لا يراها أحد تقريباً يحظى بشهرة واسعة؟ الإجابة هى أن هناك صحفاً نذرت صفحاتها لهذا البرنامج، وتقوم بتعويض القناة عن جمهورها المفتقد وتحكى للناس عن فقرات البرنامج الذى لم يروه!! وهذا لعمرى أغرب من الخيال..إذ إن هذه هى المرة الأولى التى تقوم فيها الصحافة بالإتيان بنقيض ما يحدث عادة، وهو نقل التليفزيون لأقوال الصحف. لاحظنا هذا مؤخراً عندما نقلت الجرائد فقرة عمرو أديب التى ردد فيها أقوال صحيفة من جنوب أفريقيا عن اللاعبين وبنات الهوى، ونشرت الصحف أن عمرو أديب كان حاداً فى نقده، واستخدم لغة خشنة فى وصف المنتخب ولاعبيه ومسؤوليه. قرأنا أيضاً أن ثورة عارمة قد اشتعلت فى جوهانسبرج فور إذاعة الحلقة على الهواء، وأن الفريق المصرى ومدربه هددوا بالاستقالة واعتزال اللعب إذا لم يسارع عمرو أديب بتقديم اعتذار عن الاتهامات التى مستهم بعد أن قام بترديد أقاويل صحيفة جنوب أفريقية صفراء، على حد قولهم. كل هذا تابعه الجمهور فى مصر على صفحات الصحف..اتهامات أديب والرد عليها والتراشق بينه وبين اللاعبين.. حتى جملة حسن شحاتة الشهيرة: »الله يخرب بيوتكم«.. كل هذا قرأه الناس وتحدثوا عنه واختلفوا حوله، لكن أحداً من جماهير الكرة التى عاشت هذا المسلسل لم يشاهد البرنامج ولم ير عمرو يكيل اتهاماته، ولا شاهد أحمد حسن يسأل عمن هو عمرو أديب وماذا قدم لمصر، ذلك أن القناة مشفرة يمكن السماع عنها ولكن لا يمكن للمصريين رؤيتها إلا بشروط مستحيلة! نفس الأمر تقريباً حدث قبل ذلك بأسبوع، عندما نقل عمرو أديب فى برنامجه قول إحدى الصحف بأن الحزب الوطنى قرر اختيار جمال مبارك مرشحاً له فى انتخابات الرئاسة القادمة. ساعتها بالصدفة التى هى خير من ثلاثة مواعيد شاهد البرنامج المشفر مواطن مصرى واحد اسمه صفوت الشريف فقام بالاتصال بمقدم البرنامج ونفى الخبر جملة وتفصيلاً. وتساءل المصريون الذين لم يشاهدوا البرنامج لكنهم قرأوا عنه طبعاً فى الصحف: لماذا اختار السيد صفوت الشريف قناة مشفرة وقرر أن يطلق منها الشائعة وأن ينفيها بعد دقائق ولم يفعل ذلك فى إحدى قنوات الريادة؟ والإجابة فى تقديرى هى أن قنوات الريادة تشارك حقاً القنوات المشفرة فى أن أحداً لا يشاهدها، لكنها تختلف فى كونها لا تجد من بين الصحف نصيراً ينقل عنها ويصل بما تقدمه إلى الجماهير. وفى الحقيقة أنا لا أدرى سر هذا التعاطف والحنان بين بعض الصحف وبين برنامج القاهرة اليوم.. هل يا ترى لأن عمرو أديب بموهبته وجرأته وحضوره ينجح فى فرض فقرات برنامجه كمادة صحفية مطلوبة؟ أم هى مجاملة لآل أديب الذين يملكون أذرعاً عديدة فى الآلة الإعلامية بالمنطقة؟. على أى الأحوال فإن هذا الأمر يثير عندى سؤالاً آخر هو: ألا يمكن أن ينسحب هذا الحنان على جريدة تعانى من انعدام القراء مثل روزاليوسف، فتقوم الصحف واسعة الانتشار بنقل موادها ومقالاتها إلى القراء ولو فى شهر رمضان فقط!