الجدل حول حل مجلس الشعب خلال الفترة الماضية كان أكبر بكثير من الجدل حول دوره.. ولعل هذه هى المرة الأولى منذ زمن بعيد الذى يحاط المجلس بشائعات الحل رغم أن ذلك تم مرات كثيرة من قبل.. ولا أحد يستطيع أن يعرف مصدر الشائعات، لكن المؤكد أن الجميع متورط فيها بداية من بعض رموز الحزب الوطنى وقيادات المعارضة بل الصحف.. خاصة أن الشائعة سارت بنظام الموجة، تهدأ فى جريدة، لتتصاعد فى أخرى، وهكذا لدرجة أن أحد النواب أبلغ قيادة كبيرة بأن قرار حل المجلس سيصدر خلال ساعات، فيما ألمح قيادى بالحزب الوطنى لرئيس حزب معارض بضرورة الاستعداد للانتخابات وتزامن ذلك مع قيام أمانة تنظيم الحزب الوطنى بإجراء استطلاع رأى حول مرشحى مجلس الشعب وهو سلوك متبع استعداداً لانتخابات 2010، وقد جرى مثله منذ ثلاثة أعوام فى نهاية 2006، ولم يشعر به أحد.. ومن المتوقع إجراء استطلاع ثالث قبل الانتخابات مباشرة فى 2010، كما جاء بتصريح للدكتور مفيد شهاب. قال بعد ذلك إنه تم تحريفه، ليكمل نسيج سيناريو الحل - بالإضافة إلى عدم نفى الشائعة حتى الآن لسبب بسيط هو أن رئيس الجمهورية فقط الذى يملك قرار الحل وهو صاحب النفى فلا يستطيع أى مسؤول آخر سواء الدكتور فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، أو صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطنى، أن يجزم بشكل قاطع بعدم وجود حل لمجلس الشعب وإلا سيكونان قد تجاوزا سلطتهما واختصاصهما. الغريب أن الشائعة لم تقف عند مجرد حل مجلس الشعب بل تجاوزتها لسيناريوهات أخرى مثل تنحى الرئيس، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، واجتماع الحزب الوطنى لترشيح جمال بمبارك لرئاسة الجمهورية دون أن يتأكد أحد من صحة الخبر الأول وهو حل المجلس لدرجة أن الفترة المقبلة قد تشهد أخباراً أخرى حول حكومة جمال مبارك، وهل سيقودها الدكتور محمود محيى الدين أم أحمد عز أم حسام بدراوى. والأسباب التى ساقها المروّجون لشائعة الحل كثيرة، لكن لا يوجد فيها ما يتناسب مع الدستور الذى يشترط توافر حالة الضرورة خاصة بعد التعديلات الدستورية الأخيرة التى ألغت إجراء الاستفتاء عند حل المجلس واختصرت السلطة فى يد رئيس الجمهورية، لكنها غير مطلقة، وإلا قرر أى رئيس جمهورية حل المجلس بعد أى انتخابات لا يفوز فيها حزبه بالأغلبية.. كما أن المتابع لشخصية الرئيس مبارك، خلال فترة توليه الحكم يعرف أن متوسط عمر البرلمان فى عهده أكبر منه فى عهدى الرئيسين عبدالناصر والسادات.. وأن مبارك لم يلجأ لحل المجلس سوى مرتين عامى 1987 و1990 بناءً على حكمى المحكمة الدستورية العليا ببطلان نظام الانتخابات، وهو ما كان سيترتب عليه بطلان أى قوانين أو قرارات يصدرها المجلس، «وهذه حالة الضرورة التى يشترطها الدستور» أو أن تكون هناك أزمة بين البرلمان والحكومة كما حدث عند إقرار اتفاقية «كامب ديفيد» أيام الرئيس السادات، وهى غير متوافرة الآن فالسلطتان التشريعية والتنفيذية «سمن على عسل». البعض اعتبر أن قانون «كوتة المرأة» كفيل بتوفير حالة الضرورة وهو كلام ليس له أساس قانونى لعدة أسباب، أبرزها أن التعديلات تضمنت مادة تنص على تطبيق القانون فى أول انتخابات قادمة، كما أنه من غير الملائم عند إصدار قانون بمزايا جديدة أن يطبق فوراً وتغير المراكز القانونية وإلا كان الأولى إلغاء الانتخابات الرئاسية لعام 2005 على أساس أن التعديلات الدستورية الأخيرة تضمنت شروطاً أيسر للترشيح على رئاسة الجمهورية فى التعديل الثانى للمادة 76 من الدستور، أما الدفع بأن قانون «كوتة المرأة» جاء فى وقت ريبة «مع نهاية الدورة البرلمانية» فمردود عليه بأن الحكومة وعدت فى بداية الدورة البرلمانية الأخيرة بإصدار هذا التشريع المكمل للدستور مع قانون الأحوال الشخصية والنقابات المهنية ثم تراجعت عن التقدم بالتشريعين الأخيرين لكثرة موادهما، ولم يكن من الملائم تأجيل قانون «كوتة المرأة»، الذى اشتمل على مواد قليلة.. كما أنه من غير الملائم إقرار مثل هذا القانون العام المقبل قبل الانتخابات مباشرة. المفاجأة الكبرى فى هذا الأمر أن مشروع قانون المرأة لم يكتمل بعد ومازال ينقصه مشروع قانون آخر لتحديد نسبة كل محافظة وتقسيم الدوائر، وبالتالى لا يمكن إصدار قرار جمهورى بحل المجلس دون إقرار هذا القانون، وكذلك تعديل دوائر محافظات القاهرة الكبرى بعد إنشاء محافظتين جديدتين هما حلوان و6 أكتوبر، وهو ما جعل بعض الدوائر القديمة يتوزع بين 3 محافظات.. والبعض يحاول استكمال سيناريو الحل بأن رئيس الجمهورية يستطيع إصدار قرار جمهورى بهذين القانونين، وهذا مردود عليه بالتاريخ والقانون، فالرئيس مبارك لم يعتد منذ بداية حكمه على إصدار قرارات جمهورية فى موضوعات محل جدل أو خلاف خاصة فى الشؤون السياسية.. كما أن إصدار الرئيس هذين القانونين يكسبهما شبهة عدم الدستورية لأنهما سيصدران قبل الحل والانتخابات مما يمكن الطعن عليهما بأنهما تم تفصيلهما لصالح مرشحى الحزب الوطنى الذى يرأسه مبارك.. وأعتقد أن الرئيس ينأى بنفسه منذ بداية حكمه عن أن يدخل طرفاً فى مثل هذه الصراعات.. وهذه التوقعات أشبه بمن سأل: هل يمارس مبارك سلطاته للعفو عن هشام طلعت مصطفى، رغم أن تاريخ مبارك يشهد له أنه لم يمارس هذه السلطات إلا مع عزام عزام، مقابل العفو عن مصريين محبوسين بإسرائيل؟ حتى انفراد «المصرى اليوم» بنشر قنبلة النائب المستقل علاء الدين عبدالمنعم ببطلان عضوية 77 نائباً تم استخدامه للترويج لسيناريو الحل، وظهرت تخمينات «غبية» حول تسريب هذه المعلومات لعبدالمنعم.. ونسى الجميع أن النائب الشجاع تم توجيه اللوم له وتعرض لحملة بشعة من نواب الوطنى نتيجة لإظهاره الحقيقة.. كما أن مجلس الشعب يواجه كل فصل تشريعى تقارير ببطلان الأعضاء أكبر من هذا العدد بكثير ولم تكن يوماً سبباً للحل، كما أكد ذلك الدكتور فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، فى أكثر من مناسبة. حتى ما يردده بعض نواب الإخوان المسلمين، ومنهم الدكتور محمد البلتاجى، الذى ذكر فى مشاركة معى ببرنامج «صباح دريم» مع المذيعة المتألقة دينا عبدالرحمن أن تصاعد أداء نواب المعارضة والإخوان قد يكون سبباً للحل، وهذا كلام غير صحيح لأن الدورة البرلمانية الماضية هى الأهدأ فى أداء نواب المعارضة مقارنة بالدورات الثلاث السابقة لها التى شهدت تعديلات دستورية ومد حالة الطوارئ وغيرهما من الأزمات الكبيرة. أما حجة أن انتخابات مجلس الشعب ستأتى مع انتخابات الشورى فى عام 2010، مما يحتم بتبكير الأولى فمردود عليه بأن ذلك حدث عام 1995 ولم يحدث التأجيل أو التبكير، كما أن مصر شهدت فى عام 2005 انتخابات رئاسية لأول مرة وانتخابات برلمانية عنيفة خلال 4 أشهر فقط، كما أن انتخابات مجلس الشعب ستتم بعد ذلك خلال يوم واحد وليس على ثلاث مراحل كما تم فى المرتين السابقتين. ■ كل هذه الأسباب تؤكد أن قرار حل المجلس يواجه معوقات قانونية وسياسية وإجرائية كثيرة.. ويبدو أن المعارضة تضخم من هذه الشائعة حتى تتقى إتمامها خاصة أنها غير جاهزة للانتخابات كما أنها جاءت على هوى قيادات الحزب الوطنى لأنها ستؤدى إلى حماس النواب فى دوائرهم خلال الصيف استعداداً للانتخابات.