كنت قد كتبت الأسبوع الماضى عن الكاتبة عبير عبدالعزيز التى كان حلمها أن تنشر الشعر الذى تكتبه للفتيان والفتيات مجاورا لرسوم الفنان حجازى، وكان أن حققت حلمها. ثم أدركت أن هناك أخريات وآخرين يجرون وراء أحلامهم، ومنهم هاجر عبادة، خريجة قسم اللغة الإنجليزية من سنوات معدودة. كان حلمها أن تكتب للأطفال، وأن تحكى لهم. لم أتابع الخطوات التى سلكتها هاجر لتحقق هذا الحلم بالرغم من أننى قابلتها عدة مرات، حتى علمت أنها أصدرت بالفعل كتبا للأطفال. خمسة كتب (قصص) باللغة الإنجليزية صادرة عن دار الأمين كانت الإعلان عن تحقيق الحلم. ما أجمل الكتابة للأطفال من شخص موهوب، يحب ما يفعله، فالنتيجة- كما كان الأمر مع عبير عبدالعزيز- دائما فكرة مبتكرة، تفيد الطفل وتمتعه وتشوقه وتحثه على اتباع خطى القصة، والأهم أن العمل يكون مقنعا مع غياب كامل لتوجه التعامل مع الطفل بصفته كائنا متخلفا غبيا. قصص هاجر مكتوبة بوعى شديد يفتح للطفل العالم على اتساعه وثرائه الرائع. وهى إن كانت باللغة الإنجليزية فإنها لا تسقط فى فخ تقليد القصص الغربية بأى شكل من الأشكال. كتبت هاجر ثلاثة كتب عن شخصية طفل اسمه "بوكسا"، وهى قصص موجهة للأطفال ما بين عامين وحتى الخامسة. وهى تصور بوكسا فى الحياة اليومية، وهو ينظف أسنانه، ويتناول إفطاره، ويشترى لعبة. يبدو بوكسا خفيف الظل وذكيا والأهم أنه ليس ذلك الطفل المثالى الملائكى (الذى لا وجود له)، فهو يبتلع معجون الأسنان ويحاول أن يراوغ فى تناول الإفطار ويتعلق بلعب لا تلائمه. لكن المسار يتغير من حوار الأم معه، ومن سلوكها البسيط الحاسم فى الوقت ذاته، وتنتهى القصص بمشهد إيجابى مما يغنى الطفل عن الكم الهائل من الدروس المملة والمواعظ التى تلقى على أسماعه دون أن يفهم منها شيئا غالبا. أما لمن هم فوق الثامنة فى العمر فقد كتبت لهم هاجر كتابين ممتعين بحق. الأول عنوانه "كارا" والثانى عنوانه "بيلانسيا: السمكة الزرقاء". تخوض هاجر فى عالم الأسماك لتعبر عن قناعتها ورؤيتها دون اللجوء إلى عالم البشر الذى يحول هذه القناعات بشكل تلقائى إلى ما يشبه "الدرس المستفاد". ففى القصة الأولى تخوض كارا- وهى كابوريا صغيرة- رحلة الحياة وهى تعانى من تهكم كافة الكائنات البحرية عليها لأن لونها أسود باهت. تكون كارا صداقات فى المحيط وتدرك أن الحياة تقوم على الاختلاف، وأن عليها أن تقبل مثلا صديقتها السلحفاة كما هى. كما أنه عليها أن تحب لونها الأسود (فكرة البطة السوداء المنبوذة)، ولأن كارا قبلت كل ذلك يبدأ شحوب لونها الأسود فى التلاشى ليحل محله لون أسود براق ولامع، فتقبل كارا مرة أخرى هذا اللون المختلف بوصفه يمنحها تميزا بين الكائنات البحرية عموما، وبين الكابوريا بشكل خاص. أعتقد أن هذه القصة هى من أذكى الأعمال المكتوبة للطفل والتى تهدف إلى تعريفه بفكرة قبول الاختلاف. وعلى نفس الشاكلة تسير قصة بالينسيا، تلك السمكة الزرقاء التى تتعجب من وصف البشر للسمك بأنه ممل لأنه صامت. وتتعجب من بقية السمك الذى يريد تحديد الأمور دائما بين الأبيض والأسود، وتتساءل عن غياب بقية الألوان، كالرمادى والأزرق. هاجر لديها ما تقوله للطفل، وهى تعى الرسالة المراد توصيلها، فالأدب وحسن السلوك هما الهم الأول للتربية، مما يجعل الكتابة للأطفال تصب بشكل عام فى هذا الاتجاه ليتم إغفال كامل للقيم الأخرى، ومنها قبول الاختلاف والتعددية. فالطفل- بشكل غريزى- لا يتوقع ولا يفهم معنى الاختلاف، فهو يلجأ دائما إلى النمط السائد الذى يعرفه، وهو ما يتسبب فى العديد من المشاكل، التى ترقى أحيانا إلى منزلة الكوارث. وبقدر تمسك الطفل بفكرة التشابه بقدر إمكانية انفتاحه على قبول الآخر إذا توفر الوعى لدى القائمين على إيصال الأفكار له. كم هاجر نحتاج؟