عبير عبدالعزيز تكتب للأطفال، ومن أجل الدقة تكتب شعرًا للفتيان والفتيات. صدر لها «يوميات تختة» و»المدينة البرتقالية» و»عرائس دنيا»، وتكتب بمجلة قطر الندى بابًا بعنوان «هيا نبتكر علمًا». فى يوم ما كنت أدرس لعبير فى دبلوم الأدب المقارن بجامعة القاهرة، وهى الفكرة التى تجعلنى دائمًا مأخوذة بما ينجزه كل من تعاملت معهم يومًا بوصفهم طلابًا. وأفضلهم هم هؤلاء الذين يطاردون أحلامهم، ولا يشعرون بالتعب من نسجها على مهل وبدأت بمثل عبير التى ظلت تجمع رسومات الفنان حجازى ومع كل رسمة تكتب قصيدة، تكتب وتكتب وتأمل أن يوافق حجازى على نشر رسوماته لتصاحب قصائدها، ليخرج فى النهاية ديوان «عندما قابلت حجازى» عام 2007 عن مركز المحروسة للنشر. يقول الفنان صلاح بيصار فى مقدمة الديوان إن عبير لم تكن تعرف أن حجازى اعتزل الكاريكاتير منذ أكثر من 22 عامًا، وأن كل ما ينشر من رسومات فى الصحف يرجع إلى ما قبل هذا التاريخ وهو لا يمانع فى نشرها.. ذلك لأن سعادته فى أن يقدم شيئًا لهذا الوطن بالمعنى الحقيقى، خاصة وهى رسومات تجسد الحاضر وتستشرف المستقبل، ويستطرد قائلًا إنه ذات مرة سأل الفنان حجازى: «لماذا رسوماتك عندما نطالعها توحى بأنك رسمتها اليوم لا الأمس البعيد؟» فأجاب حجازى باختصار وبلاغة وحكمة «لأن المجتمع لا يتطور وقضايانا لا تتغير». من وحى هذه الرسومات المعاصرة بشكل مفارق تكتب عبير قصيدة نثر للفتيان والفتيات «وهو ما يختلف عن فكرة الكتابة للأطفال»، ولأن جنس هذه الكتابة ليس منتشرًا فى العالم العربى فإن عبير قد قدمت إنجازًا حقيقيًا يسعى إلى الجمع بين أجناس الفنون المختلفة «رسم وشعر». ما يثير الإعجاب فى قصائد عبير عبدالعزيز هو أنها لا تتعامل مع القارئ- سواء طفلًا أو أكبر قليلًا- كما يتعامل معه معظم، ولا أقول كل من يكتب لهذه الشريحة العمرية، وكأنهم عديمو الفهم والإحساس فى أحسن الأحوال أو متخلفون فى أسوأ الأحوال «كبرامج التليفزيون الموجهة للأطفال على سبيل المثال، أو حتى البرامج المدرسية الترفيهية». تتعامل عبير مع القارئ «أو من سيقرأ لها» باعتباره متلقيًا جيدًا للشعر، تتعامل مع إحساسه وتعمل جاهدة على مفهوم البراءة بالمعنى الرومانسى الذى طرح فلسفيًا فى القرن التاسع عشر. فتقول مثلًا فى قصيدة «كانت هناك بنت»: «البنت التى التقطت مقصًا كبيرًا / قصت السحب والنجوم / فجعلت السماء تمطر / كانت تشب قليلا / حتى تضبط المقص / خافت أن تأكل جزءًا من القمر / فلا يضىء / كان القمر يلوح لها بأمنية صغيرة / سيزورها يومًا / لينام على فراشها الوثير» بالطبع لم تتعمد عبير أن تفلسف الأمر بهذا الشكل، كل ما فى الأمر أن فهمها لما تكتبه ورؤيتها فيما تسعى إلى تنميته فى نفس المتلقى هو ما ساعدها على التواصل مع رؤية البراءة للطبيعة، فاعتمدت على تلك الصورة الشعرية التى تكررت فى كل قصيدة، إنها قصائد الدهشة أمام الطبيعى والمألوف. وهى أيضًا القصائد التى تعيد البهجة لما رفضه المجتمع وحصره فى معنى أحادى ضيق، تفتح عبير الدلالات على اتساعها لتعيد تشكيل صورة ثرية كما يظهر فى القصيدة الختامية للديوان وعنوانها «الرقص»: «هزت العصافير أوراق الشجر / الريح ترقص فى المنتصف / الرقص له متع كثيرة / الرقص لا نتعلمه / يولد معنا كل يوم / ككلمة صباح الخير للجميع / كالابتسام عند الفرح / الطعام عند الجوع / ألم تر الأسماك / ماذا تفعل فى المياه؟ / المياه ماذا تفعل / فى أنبوب زجاجى؟ / الزجاج ماذا يفعل / فى ظلال الأشجار؟ / الجميع يرقص بصوت مرتفع / ألم تخلق الأصوات لتستقبل الرقص / فى حفاوة بالغة؟» تمكنت عبير من إعادة اكتشاف البهجة الرقيقة والفرح المنسى فى اليومى والعادى، وإذا كانت عبير قد استوحت أشعارها من رسومات الفنان حجازى التى صاحبت القصائد فقد اكتسبت- بالمقابل- رسومات حجازى أبعادًا أخرى من هذه المجاورة أضافت أشعار عبير عبدالعزيز معانى ودلالات وحياة جديدة للرسومات. إنه التجاور الذى يثرى كلًا من الطرفين.