لم يختلف الأمريكان عن العرب فى أن الاستيطان الإسرائيلى يعد حجر عثرة فى طريق السلام، وينسف كل الجهود المبذولة فى هذا الاتجاه، بدءاً من مسؤولى الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس باراك أوباما، وانتهاءً برؤساء سابقين أمثال جيمى كارتر الذى أعلنها صراحة أن الاستيطان سيوقع صداماً مباشراً مع الإدارة الأمريكية. اللغة الجديدة فى الخطاب الأمريكى لم تكن مسموعة فيما مضى، وقد أحيت الأمل لدى العرب للبدء فى مرحلة جديدة زحزحت أثقال اليأس التى فرضتها الإدارات الأمريكية السابقة المتواطئة مع إسرائيل، وبدأت تحركات الدبلوماسية العربية تنطلق نحو تحقيق هذا الهدف واستثماره لصالحها. من هنا جاء تأكيد الرئيس الفلسطينى محمود عباس مجدداً على رفض التفاوض مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ما لم يوقف الاستيطان بكل أشكاله، بما فيه النمو الطبيعى فى المستوطنات ويقبل بحل الدولتين، وبعث برسالة واضحة للإدارة الأمريكية فى هذا الخصوص، خاصة أن عباس تلقى نصائح من مقربين بعدم الدخول فى مفاوضات من هذا النوع فى ظل أجواء دولية مواتية للموقف الفلسطينى، أكثر مما هى مواتية للموقف الإسرائيلى. يبقى الموقف الإسرائيلى المتعنت، والأميل إلى التطرف والذى يجابه أى حل فى اتجاه وقف البناء الاستيطانى، خاصة أن نتنياهو لم يعلن على الملأ وقف البناء فى المستوطنات الكبرى، كما طالبه الرئيس أوباما، ليس فقط كى لا يظهر كمن خنع للضغوط الأمريكية، فيثير ضده قادة المستوطنين والجناح المتشدد فى حزبه بقيادة الوزير بينى بيجن، بل أيضاً لقناعته الأيديولوجية بأن المستوطنات الكبرى ستكون جزءاً من إسرائيل فى إطار أى اتفاق دائم وهى مسألة تحظى بإجماع صهيونى، وثمة احتمال آخر يقضى بتجميد البناء فى كل المستوطنات لأشهر حتى نهاية العام مثلاً، فى انتظار ما سيقدمه الفلسطينيون والعرب لقاء ذلك. لكن دون أن يعلن رسمياً عن ذلك إنما فى إطار سرى بين واشنطن وتل أبيب، خاصة أن اتفاقاً كهذا تم قبل نحو ثلاثة عقود بين الرئيس الأمريكى السابق جيمى كارتر ورئيس الحكومة السابق مناحيم بيجن غداة التوقيع على اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية، لكن استأنفت بعده إسرائيل نشاطها الاستيطانى بشكل أوسع. ووفقاً لتسريبات إسرائيلية فإن الفجوات بين إسرائيل والولاياتالمتحدة فى قضية البناء فى المستوطنات تقلصت فى أعقاب لقاء نتنياهو ميتشل، إذ اقترح الأول ومستشاروه تفكيك قضية النمو الطبيعى فى المستوطنات إلى مستويات مختلفة من البناء، وهناك تأكيد إسرائيلى بأن الولاياتالمتحدة تبدى فى الأيام الأخيرة مرونة فيما يتعلق بمطلب وقف النشاط الاستيطانى فى الأراضى المحتلة، وأنها لم تطالب بوقف تام لهذا النشاط إنما ستكتفى بوقف جزئى له ولجم البناء فى المستوطنات القائمة فى الضفة الغربية. لذا بدأت تتصاعد وتيرة الشكوك والمخاوف فى صمود الموقف الأمريكى الرافض للاستيطان رغم نفى مصدر رفيع فى البيت الأبيض حصول أى تقدم إيجابى فى الاتصالات فى شأن مسألة الاستيطان، مكتفياً بالقول: «نجحنا فى تقليص الفجوات»، وينسجم هذا الكلام مع تصريحات أدلى بها نتنياهو لوسائل إعلام أمريكية غداة خطابه أعرب فيها عن أمله فى أن يبدى الرئيس الأمريكى تفهماً لحاجات إسرائيل فيما يتعلق بالبناء فى المستوطنات. غير أن أى تراجع من جانب أوباما عن رفضه القاطع لأى نشاط استيطانى تحت أى مسمى فى الأراضى المحتلة ستكون له عواقب وخيمة ليس فقط بالنسبة لمصداقية أوباما لدى العرب، ولكن أيضاً أمام العالم كله، حيث سيظهر كشخص يخضع للضغوط، كما أن أى تنازل أمريكى لصالح إسرائيل سوف يقطع الطريق على أى تنازلات من الجانب العربى، تجاوباً مع أى تحركات إسرائيلية فى اتجاه السلام كما تريد إدارة أوباما!!