معذرة إن أغلقت بوابات معبدى ونوافذ محرابى فى وجه النُّسيمات القادمة بك.. معذرة فارس الغد.. إن لذْتُ بزاويتى.. أكتم صرخة استغاثة تكاد تخترق جدار العناد.. تأتى بك.. تجزّ رؤوس الوجع.. تلملم حبّات الصبر المنهمرة من سحابات الألم.. معذرةً.. حيث لا فارس لمعركتى غير إرادتى.. ولا ترياق غير احتمالى.. ولا رفيق سوى الأنين.. ولا نديم إلا أوراق مبعثرة بين ماضٍ وحاضر أقلّبها.. أستحضر بعضاً من قديمها.. وثمّة مقال كان قد نُشر لى فى إحدى الصحف حاصرتنى فكرته مستأسدة، تحثّنى أن أقدمه وجبة خفيفة على طبق الحب لمن أصبحوا جزءاً من كينونتى.. مقال نفخت فيه روح التواصل بديلاً عن الاعتذار، والاستكانة للرقاد فى حضن وعكة مرض شرسة ألمّت بى.. زرعت ألغامها على جسد العافية، وقطعت طريق البوح الخميسى المعتاد، حاملة إياى، حيث تلك المكالمة الهاتفية لصديقة لى من بغداد تستغيثنى بكل ما جُبلت عليه من طبعِ جليدى لم تصهره أحداث العراق النارية.. وبكل ما اتصفت به من سذاجة لم تغيرها الانقلابات الاجتماعية والأمنية والسياسية والأيديولوجية، بل وحتى الجغرافية.. لتسألنى ببرود كطلقات صقيع أخرجتنى من لحظة سكون مزاجى.. تسألنى إن كنت أعرف من يفتح (المندل) لمعرفة من سرق عقدها الماسى وأساورها الذهبية.. فأتسمر حيث (لا تعليق) غير أنّى صفقت يداً بيد وأنا أحسدها على تبلّد مشاعرها وبرود أعصابها وهى تعيش أحداثاً موجعة وفوضى قتل وانفجارات ورغم ذلك تبحث عمن يفتح لها (المندل) لترى من سرق مجوهراتها.. لا لتسأل عن مصير شباب وأطفال ونساء وعائلات لّفها المجهول بعباءته المنسوجة من خيوط الطائفية والفصام والهوَس العقائدى والانتقامى.. وآلاف من أشلاء متراكمة فى مقابر جماعية بلا هويات تعريف.. ومئات الآلاف تجرهم خطوات الضياع المثقلة بالخوف والقهر إلى زوايا غربة بلا عنوان أو أمل.. فأى (مندل) ذلك الذى تبحث عنه صديقتى المنتشية فى بخار الدم تحسبه (بخار حمام تركى).. أى مندل والحاوى أصبح نظاماً بألف ورقة.. والوسطاء سماسرة أوطان (وخدّام المندل) ميليشيات.. مِلَل.. وأحزاب وأديان.. أى (مندل) سيدتى وأسرار الطلاسم انكشفت.. والحُجب رُفعت.. والمستور ظهر.. والنوايا السوداء نُشرت على حبال المؤامرة والتقسيم المتأرجحة بمصائر شعب مشلول الإرادة، وأجيال بلا معالم.. ومجتمعات معكوسة المفاهيم.. حيث السرقة (شطارة).. قتل النفس شجاعة.. الطيبة سذاجة.. الفضيحة وطعن الأعراض إصلاح...النفاق مجاملة.. الغدر ذكاء.. الحب غباء.. الخجل خوف.. الخشية من الله تخلف.. (شاتات الجنس) ثقافة.. تمزيق الوطن ولاء.. وتخريبه انتماء.. وهكذا (عصر الجمال انتحر واتبغددوا الوحشين.. فين العقول والنظر تبكى على الحلوين؟).. نعم سيدتى.. (المندل) فرّ عارياً.. خجِلاً يختبئ بين حبّات عقد إنسانيتنا المنفرط منذ رسمنا أسماء ورموز طوائف على هوية الوطن.. منذ أن أصبح السنى والشيعى يرصدان بعضهما حذراً وريبة، تاركين للمدّعين والمنافقين والمكفّرين الفرصة فى تمزيق أواصر النسب والدم والجيرة والمشاركة.. بخنجرٍ ملوثٍ بالفتنة والطائفية والخرافة.. منذ أن بدأت الفُرقة بين مسلم ومسيحى وهدم جسور المشاركة الإنسانية والوطنية.. منذ أن أصبح البعض من الآباء نُدماء رذيلةٍ وكؤوس للأبناء، بينما لم يكن يجرؤ الابن على شرب فنجان قهوة فى حضرة أبيه فى الزمن الجميل.. منذ أن نقشت ألوان «التاتو» على البطون والظهور العارية بلا خجل. . ومنذ أن أقاموا الحدّ ورجموا مشاعرى بحجارة الغربة لا لذنب جنيت إلا لأنى عاشقة وطن.. كلّ وطن ينبض عروبة، وينضح أملاً فى غد أجمل وأنقى وأرقى ولو بعد حين.. صديقتى.. مجوهراتك لا تعادل ذرة شوق إلى تراب حرّ بلا احتلال ولا (ملالى) أو مرتزقة ومأجورين فى وطن أصبحت فيه العقود مشانق.. والأساور قيود.. ومفاتيح الغد فى جيوب السماسرة والجلاّدين.