على عكس كل التوقعات العربية المتشائمة، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، على مبادرة الرئيس الأمريكى، باراك أوباما بقيام دولة فلسطينية باعتبارها الوسيلة الوحيدة لحل الصراع العربى - الإسرائيلى. ففى خطابه الأخير الذى ألقاه يوم الأحد الماضى أكد نتنياهو قبوله قيام دولة فلسطينية، لكنه اشترط أن تكون منزوعة السلاح، لا جيش لها ولا قوات، وأن تتخلى عن مبدأ حق العودة وتقبل بيهودية إسرائيل، وأن تكون مياهها فى يد إسرائيل وكذلك أجواؤها، والتنازل عن حق العودة يعنى التنازل الرسمى عن كل الأراضى التى اغتصبتها إسرائيل ومازالت تغتصبها كل يوم فى القدس وفى الضفة العربية، والاعتراف بيهودية إسرائيل يعنى التنازل الرسمى عن حق العدد القليل من الفلسطينيين الذين تشبثوا بالأرض ولم يغادروها، متحملين فى ذلك كل ويلات أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية داخل دولة إسرائيل، والتنازل عن وجود جيش للدولة المقترحة وبقبول سيطرة إسرائيل على المياه وعلى الأجواء يعنى التنازل عن أهم مقومات الدولة وهو السيادة. لكن ماذا تهم السيادة وماذا تهم حقوق الفلسطينيين الذين بقوا فى إسرائيل، وماذا تهم حقوق هؤلاء الذين طردوا خارجها ومازالوا بلا وطن منذ 60 عاماً، وماذا تهم الأرض التى تغتصبها المستوطنات الإسرائيلية كل يوم؟ ماذا يهم كل ذلك فى سبيل إقامة دولة؟ لقد وافق نتنياهو على أن تقوم للفلسطينيين دولة، كما اقترح باراك أوباما، وهذا مكسب كبير للعرب، صحيح أن الدولة المقترحة لن يبقى لها من مقومات الدولة إلا العلم والنشيد اللذان لم يعترض نتنياهو على أى منهما، لكن هل هذا بالقليل؟ إنه كثير وكثير، فما الدول إلا أعلام وأناشيد، إن العلم هو رمز أى دولة، فإذا أراد المتظاهرون التعبير عن سخطهم على أى دولة فهم يحرقون علمها، لأنه هو رمزها قبل أى شىء آخر، وقد منح رئيس وزراء إسرائيل الفلسطينيين هذا الرمز بلا شروط ولا تحفظات. أما النشيد فهو رمز الوجود، ففى المناسبات الوطنية الكبرى يعزف النشيد، وإذا أردنا تحية ضيف كبير زائر فإننا نعزف له نشيد بلاده، وقد منح رئيس وزراء إسرائيل الفلسطينيين هذا الرمز هو الآخر بلا شروط ولا تحفظات. لقد تابعت الكثير من ردود الأفعال العربية لخطاب نتنياهو، فوجدت أننا كالعادة لم نفهمه، فقد كتب البعض يقول إن نتنياهو حاول خداع العالم بأن نطق فى بداية خطابه بتعبير الدولة الفلسطينية، الذى طرحه أوباما، لكنه أمضى بقية الخطاب يفرغ هذا التعبير من مضمونه، وكتب البعض أيضاً يتساءل عن الدولة الفلسطينية التى يتحدث عنها نتنياهو فى ظل رفضه التنازل عن ضم القدسالمحتلة إلى إسرائيل واعتبارها عاصمتها الأبدية، وفى ظل رفضه وقف قيام المستوطنات اليهودية الجديدة التى تقام كل يوم دون وجه حق على الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية، وكتب البعض أيضاً يقول إن نتنياهو تجاهل تماماً مبادرة السلام التى طرحها العرب منذ أكثر من سبع سنوات التى نصت على الاعتراف بإسرائيل وقيام علاقات طبيعية معها فى مقابل الانسحاب من الأراضى المحتلة، وكتب البعض أيضاً أن نتنياهو يريد الأرض والسلام معاً، أى أنه يريد أن يأخذ كل شىء ولا يريد أن يعطى أى شىء. لكن الحقيقة هى أن القراءة المستنيرة لخطاب نتنياهو توضح ما أكدته فى بداية حديثى وهو أن نتنياهو أعطى الفلسطينيين الكثير، بموافقته على أن يكون لهم علم ونشيد، وهذا ليس بالقليل، لأن العلم هو رمز الدولة وكذلك النشيد، ودون العلم والنشيد لا تكون هناك دولة، فالرمز هو كل شىء، وقد أعطى نتنياهو الفلسطينيين بهذا المعنى دولة رمزية، بل دولة «ألماظية» إذا أمسكتها من ناحية انزلقت من الناحية الأخرى، وإذا أمسكتها من الناحيتين تلاشت بين يديك سائلاً بلا قوام.