لقد ظلمنا إسرائيل جميعاً حين اتهمناها بمعاداة مرشح مصر لمنصب مدير عام اليونسكو والعمل بكل الطرق على إسقاطه، فها هو واحد من أكثر رؤساء الوزراء الإسرائيليين تشدداً، وبالتأكيد أكثرهم مراوغة، يلتزم أمام الرئيس مبارك بوقف حملة إسرائيل ضد المرشح المصرى لرئاسة هذه المنظمة الدولية التى كانت مصر واحدة من 20 دولة فقط فى العالم، قامت بتأسيسها عام 1946. فما أعلنه المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية الإسرائيلية منذ أيام من وقف الحكومة الإسرائيلية حملتها ضد وزير ثقافة مصر الفنان فاروق حسنى، وما نُشر فى جريدة «هاآرتس» الإسرائيلية من أن نتنياهو طلب من الرئيس مبارك «مقابلاً معقولاً» لهذا القرار، إنما يثبت أننا جميعاً مخطئون، وأن إسرائيل ليس لها أى اعتراضات على وزير الثقافة المصرى الذى ظل طوال أكثر من 20 عاماً ملتزماً بموقف المثقفين المصريين الذين يرفضون التطبيع مع دولة تكسير عظام أطفال الانتفاضة وحرق النساء والشيوخ فى حرب غزة بقنابل الفوسفور المحرمة دولياً، وكان يردد أن التسوية العادلة للقضية الفلسطينية يجب أن تسبق أى تطبيع ثقافى مع إسرائيل. إن هذا الموقف الرسمى لإسرائيل، الذى أعلن المتحدث الرسمى أن رئيس الوزراء اتخذه خلال زيارته الأخيرة لمصر، هو بلا شك موقف مسؤول لدولة تحترم تعهداتها، ونحن لا نشك لحظة فى أن إسرائيل ستلتزم به حرفياً، خاصة أن رئيس وزرائها طلب من الرئيس مبارك «مقابلاً» لن يكون مبالغاً فيه وإنما «معقول» كما وصفته «هاآرتس». صحيح أن وزير الخارجية الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان، أعلن مراراً وتكراراً أن إسرائيل غير ملتزمة بأى تعهدات تمت فى الماضى بما فى ذلك اتفاق أنابوليس الذى تم تحت إشراف الولاياتالمتحدة، لكننا كلنا ثقة أن وزارته ستلتزم هذه المرة بما تعهد به رئيس الوزراء، وإنى أكاد أرى ليبرمان وهو يوقع بنفسه توجيهات صريحة ومحددة لسفارات إسرائيل فى العالم بالتوقف عن مهاجمة المرشح المصرى واتهامه بالعداء للسامية والتغاضى عن آلاف الكتب التى حرقها خلال توليه وزارة الثقافة فى مصر، والتى يتطلع بالطبع لحرق المزيد منها فى الساحة الكبرى المواجهة لمبنى اليونسكو بالعاصمة الفرنسية. بل إنى أكاد أجزم أن هذا التوجيه الجديد قد وصل بالفعل إلى السفارات الإسرائيلية فى جميع عواصم العالم، ذلك أن تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلى للرئيس مبارك مضى عليه الآن أكثر من حوالى أسبوعين. أما ما يحدث من جانب جماعات الضغط اليهودية فى مختلف أنحاء العالم، فلا دخل بالطبع لإسرائيل به، فقد طالعتنا جريدة «لوموند» الفرنسية مثلاً ببيان وقعه 3 من غلاة الموالين لإسرائيل، يدعو العالم للإسراع بإنقاذ اليونسكو التى أصبحت قاب قوسين من قبضة المرشح المصرى الذى يعلن أنه سيحرق الكتب، ولأنه حين سُئل فى حديث صحفى فى مصر تم منذ سنوات عن ادعاء الإسرائيليين بأن أجدادهم هم بناة الأهرامات المصرية، وصف ذلك بأنه سطو على حضارة الآخرين، وناشد الموقعون الثلاثة الرئيس مبارك سحب هذا الترشيح حيث إن كاتب نوبل المصرى الكبير نجيب محفوظ «الذى سبق أن أعلن تأييده لفاروق حسنى أكثر من مرة حال حياته»، لابد أنه يتقلب فى قبره - على حد قولهم - بسبب هذا الترشيح الذى يهدد مستقبل اليونسكو. كذلك فإن إسرائيل غير مسؤولة عن الطلب الذى تقدم به عدد من النواب الموالين لإسرائيل فى البرلمان البرازيلى بسحب البرازيل تأييدها للمرشح المصرى وتأييد مرشح برازيلى بدلاً منه. وإسرائيل أيضاً غير مسؤولة عن توزيع نفس قائمة الاتهامات التى نشرها الفرنسيون الثلاثة فى بيانهم المغلوط بجريدة «لوموند» على أعضاء الكونجرس الأمريكى الموالين لها، وعلى عدد من الصحف فى إيطاليا التى كانت أول دولة تعلن تأييدها للمرشح المصرى. لقد ظلمنا إسرائيل أيضاً لأننا تصورنا أنها تحرك جماعات الضغط اليهودية فى الدول الأخرى، بينما ثبت فى الأيام الأخيرة عدم صحة ذلك على الإطلاق، فها هى تلك الجماعات تشن حملة مسعورة ضد مصر ومرشحها فى أكثر من دولة فى نفس الوقت، بينما رئيس وزراء إسرائيل يعلن وقف إسرائيل حملتها ضد المرشح المصرى ويطالب ب«مقابل معقول».