مع بداية العد التنازلي علي انطلاق التصويت المرتقب لاختيار المدير العام الجديد لمنظمة التربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، تتوجه أنظار دول العالم صوب العاصمة الفرنسية باريس غداً الاثنين حيث تنطلق فعاليات التصويت علي مدي ثلاثة أيام متتالية تنتهي بإعلان النتيجة يوم الجمعة المقبل الموافق الثامن عشر من سبتمبر. وفيما يتطلع العالم بشغف لمعرفة اسم المدير الجديد والذي سوف تقع علي عاتقه مسئولية إعادة المنظمة العالمية إلي سابق عهدها بعد أن تضاءل دورها خلال السنوات القليلة الماضية، يدور في أذهان المتابعين لهذه الموقعة التاريخية سؤال واحد "هل ينجح العرب ممثلون في وزير الثقافة فاروق حسني في طرق أبواب اليونسكو بعد غياب أكثر من ستين عاماً وبالتحديد منذ تأسيس هذا الصرح العملاق سنة 1945؟". وفي هذا الإطار يسيطر علي سباق الترشيحات في كواليس أصحاب القرار أعضاء المجلس التنفيذي لليونسكو وعددهم 58 دولة ووسائل الإعلام المختلفة شبح الانقسامات حول المرشح الأوفر حظاً قبيل أيام من إعلان النتيجة الرسمية. وقد يؤدي تفتت أصوات أعضاء المجلس التنفيذي وعلي الأخص ممثلي الاتحاد الأوروبي إلي جولة إعادة تُعلن نتيجتها يوم 22 سبتمبر القادم، وإن كانت التوقعات الأولية ترجح كفة حسني بعد أن تسربت تقارير إعلامية تفيد بنجاح وزير الثقافة في الحصول علي تأييد 32 صوتاً من إجمالي 58 أي بزيادة صوتين عن الحد الأدني المطلوب للفوز رسمياً بهذا المنصب الدولي المهم. ومن المقرر أن يلقي حسني بعد غد الثلاثاء كلمة مهمة أمام أعضاء المجلس التنفيذي لليونسكو يستعرض خلالها استراتيجيته وبرنامجه الانتخابي لإدارة المنظمة في حال نجاحه في التفوق علي المرشحين الثمانية الآخرين ومن أبرزهم المفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية النمساوية "بينيتا فيريرو فالدنر"، وممثلة ليتوانيا الدائمة لدي اليونسكو "اينا مارسيوليونيت"، والسفير البلغاري في باريس "ايرينا بوكوفا". ومنذ إعلان مصر ترشيح حسني لخلافة المدير العام السابق الياباني كوشير ماتسورا، قادت مجموعات يهودية بالتعاون مع مندوب أمريكا لدي اليونسكو ديفيد كيللون حملات شرسة ضد حسني تتهمه فيها بمعاداة السامية علي خلفية تصريحاته بحرق الكتب الإسرائيلية إن وجدت في المكتبات المصرية. ومن أبرز المعارضين لحسني الكاتب الفرنسي اليهودي برنارد هنري، وليفي وايلي فيزل الحائز علي جائزة نوبل، وكلود لانزمان وذلك رغم التوضيح والاعتذار الذي تقدم بهما وزير الثقافة لتبرأة ساحته من أية اتهامات عنصرية.. وانضم للمعسكر المعارض مؤسسات إعلامية كبيرة من بينها صحيفة "جيروزالم بوست" الإسرائيلية، والتي وصفت حسني بالرجل الخطأ لليونسكو وان أقرت بتفوقه علي أقرب منافسيه النمساوية "فالدنر" وانتقدت الصحيفة الموقف الرسمي للدولة العبرية، مشيرة إلي أنه من العار اختيار شخصية ترفض التطبيع مع إسرائيل.. من جانبها ساندت مجلة "أيكونوميست" ترشيح "فالدنر" رغم اعترافها بأن حسني لايزال الأوفر حظاً. علي الجانب الآخر التزمت إسرائيل الصمت في تعاملها مع القضية ولم تعبر صراحة عن مواقفها الرسمية، وإن كانت الدلائل تشير إلي وجود تغيير في الموقف الإسرائيلي في أعقاب الاجتماع الذي دار بين الرئيس مبارك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مايو الماضي بشرم الشيخ.. وانضوي تحت لواء "عدم المعارضة" بعض الكتاب اليهود من بينهم ديفيد كوهين الكاتب بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية" والذي بدوره أعرب عن مساندته لحسني، مشيراً إلي أنه الأفضل كونه عربياً ومسلماً مما سوف يساهم في تقليص الفجوة الحالية بين الغرب والعالم الإسلامي. بخلاف هذا يحمل حسني في جعبته دعم الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلي جانب الدول الأوروبية الصديقة والتي تري أن اختيار المرشح المصري سوف يكون له مردوده الإيجابي علي العلاقات السياسية مع مصر لما تلعبه من دور مهم في المنطقة. وتلوح في الأفق مخاوف من أن يساهم الموقف الأمريكي الغامض في تغيير دفة النتيجة النهائية لهذا السباق المحموم حيث شددت تصريحات من الخارجية الأمريكية علي ضرورة أن يلتزم حسني 71 عاماً بمبادئ اليونسكو.. فيما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن مسئول أمريكي قوله إن الولاياتالمتحدة ايا كان الأمر لن تدعم هذا المرشح في إشارة إلي فاروق حسني.. كما واصل اللوبي اليهودي في أمريكا حملته معتبراً ترشيح حسني خطرا علي قيم المنظمة بل إنه قد يؤدي إلي تدميرها. وكانت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أكدت علي فوز فاروق حسني بمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو. ونقلت الصحيفة عن مصادر إيطالية مطلعة تأكيداتها لذلك بالقول: "علي الرغم من الأقوال التي أثارها حسني ضد إسرائيل إلا أن عملية انتخابه في منصب المدير العام المقبل لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" في الثامن عشر من الشهر الجاري أمر مؤكد". وأضافت المصادر الدبلوماسية أن إيطاليا حليفة إسرائيل سوف تصوت لصالح وزير الثقافة المصري علي الرغم من تصريحاته المعادية لإسرائيل. وعلمت الصحيفة أن رئيس الحكومة الإيطالية أكد بشكل شخصي للرئيس مبارك أن بلاده سوف تصوت لصالح فاروق حسني. وأكدت الصحيفة أن فاروق يتمتع بأصوات 32 من أصل 58 بلدا أعضاء في المجلس التنفيذي لليونسكو، أي أنه يملك أكثر من الأغلبية البسيطة اللازمة لتعيينه من بين تسعة مرشحين. في نفس السياق أعرب سيرج كلارسفيلد أحد أبرز الناشطين في ملاحقة النازيين والناشط المعني بحقوق اليهود، دعمه لوزير الثقافة المصري لتولي منصب المدير العام لمنظمة اليونسكو بعد اعتذاره عن تصريحاته التي أدلي بها في لحظة غضب والتي أعلن فيها استعداده لتمزيق الكتب الإسرائيلية إذا وجدها في المكتبات المصرية.