شاهدته بالمصادفة.. كنت ذاهبة إلى السينما لمشاهدة فيلم «ملائكة وشياطين» بطولة توم هانكس. فوجئت بفيلم «دكان شحاتة» نازل فى نفس مجمع السينمات الذى كنت فيه. إعجابى الشديد بفيلم خالد يوسف «حين ميسرة» حفزنى لأن أقنع أصدقائى بتبديل موقفنا السابق، وتأجيل مشاهدة الفيلم الأمريكى لمرة لاحقة. الدعاية الهائلة التى سبقت عرض فيلم «دكان شحاتة» شجعت مجموعة الأصدقاء على القبول. دخلنا السينما، أخذنا أماكننا، واستعددت بكل حواسى لاستقبال هذا العمل الفنى الذى يعبر عن الاتجاه الجديد للسينما الواقعية المصرية بفرسانه الجدد: المخرج خالد يوسف، وكاتب السيناريو ناصر عبدالرحمن، ومجموعة أبطال الفيلم مع الكادر الفنى الكبير. بدأ العرض وتوالت المشاهد فى سرعة لاهثة أحياناً وبطيئة مملة فى أحيان آخر. الأكشن مبالغ فيه، ملاكمة مع كاراتيه بينهما ضرب بالسكاكين وضرب بالرصاص، البطلة تدلق على شعرها وهدومها جردل جاز وتولع فى نفسها النار، وفى مرة تانية ترمى روحها من الشباك، وبين المرتين الأولى والتانية تتبارى البطلتان غادة عبدالرازق وهيفاء وهبى فى وصلات من لطم الخدود وتقطيع الهدوم. نفس مشاهد الأكشن العنيف الذى سبق أن شاهدناه فى «حين ميسرة» ولكن بحبكة درامية أضعف بكثير. أما الصخب وضجيج الأصوات فشىء مزعج للغاية، صراخ وعويل وشتائم وحشرجة أصوات لا تهدأ إلا فى الدقائق القليلة للمشاهد العاطفية، أما الحوار فركيك وضعيف ويكاد يضيع بين الأصوات العالية والأكشن العنيف. الفيلم كله مبالغات درامية، سواء فى أداء الممثلين أو فى مشاهد العنف السلوكى التى غطت معظم أحداث الفيلم. القصة لا جديد فيها.. هى مزيج بين الإخوة الأعداء لتشيكوف، وقصة سيدنا يوسف عليه السلام الذى عاداه إخوته وظلموه لغيرتهم المريضة منه لأنه الأخ الأصغر والأحب لوالدهم. حاول المؤلف أن يكسو قصته برداء من نوع صناعة مصرية، بدخوله إلى عمق سوءات النظام السياسى الحالى بظلمه الاجتماعى وفساده المالى الذى ظهر كأبشع ما يكون فى المناطق السكنية المعروفة بعشوائيات القاهرة، وبانعكاساته على زيادة معدلات العنف والجريمة والتطرف الدينى. زعلت من السيناريست ناصر عبدالرحمن الذى سبق أن نال إعجابنا واحترامنا بفيلميه السابقين: «هى فوضى»، و«حين ميسرة».اليوم جاء ليقدم لنا فى «دكان شحاتة» سيناريو مفككاً، وحواراً ضعيفاً، ليلعب على نفس التيمتين السابقتين ولكن بضعف من استنفد أفكاره ووسائله الفنية. فات ناصر عبدالرحمن أن ينتبه إلى دروس من سبقوه من عمالقة فن كتابة السيناريو، لم يستفد من تجربتهم المعاشة، ومفادها: لا تحاول أن تركب موجة نجاحك السابق فتقع فى فخ التكرار، وتحرق نفسك على طول، وهو ما حدث للأسف. أما المخرج خالد يوسف فأعاتبه بقولى: «ظلمت نفسك ليه يا صاحبى، ألم تر أستاذك يوسف شاهين وهو يعمل فيلماً واحداً كل خمس أو سبع سنين، يحضّر له بدقة وإتقان ليبقى علامة محفورة فى ذاكرة السينما المصرية». هذه المرة حتعدى. وسوف يحقق فيلمك «دكان شحاتة» إقبالاً جماهيرياً كبيراً بفضل الدعاية الهائلة ونجاحك السابق فى كسب تأييد الجمهور والنقاد معاً بفيلمك «العلامة» «حين ميسرة». نصيحتى لك كمشاهدة تحترم موهبتك، وجدية تناولك الفنى: لا تضع ارتفاع إيرادات الشباك فى فيلم «دكان شحاتة» فى رصيد نجاحك، وإلا تكون ارتكبت فى حق نفسك معصية «خداع الذات». نصيحة أخرى مخلصة: لا تجعل «استعجال» النجاح بشقيه المادى والمعنوى يذهب بموهبتك.. ويفقدك ثباتك. aishaalboulnour.com